(الصحافة ليست جريمة)، وما يحدث الآن هو دفاع عن جوهر وأخلاقيات الصحافة بينما تحاول (الحكومة) تدمير ما يقوم به الصحفيون والإعلاميون، من خلال القمع والتضييق اليومي الذي يرتكبه نظام إردوجان من أجل منع أي رأي مخالف لما يقوله حزب العدالة والتنمية، والثلة المحيطة به.
والمرتبة 154 من أصل 180، في مؤشر حرية الصحافة لمنظمة “مراسلون بلا حدود” الصادر أبريل/نيسان 2020، هي جل ماوصلت إليه أوضاع العاملين بذاك القطاع، المسئول عن وعي الناس وصورة الدولة التركية في الخارج.
لذلك، رفعت منظمة العفو الدولية الشعار نفسه بمواجهة إردوجان لأن ثلث الصحفيين، والعاملين في المجال الإعلامي، والمسؤولين التنفيذيين في المهنة صاروا يقبعون في السجون، وأغلبية كبيرة منهم ينتظرون تقديمهم إلى المحاكمة.
هذا، وتتعرض حرية التعبير في البلاد لهجوم مستمر ومتزايد؛ فمنذ محاولة الانقلاب في يوليو/تموز 2016 يواجه أكاديميون، وصحفيون، وكتاب ينتقدون الحكومة الإحالة إلى التحقيق الجنائي، ومواجهة الملاحقة القضائية، والترهيب، والمضايقة والرقابة.
وبذلك، فقد أصبح خوف الصحفيين من سجنهم لانتقاد السلطات أمراً واضحاً، بعدما أصبحت أعمدة صحف وبرامج تناقش الشؤون السياسية لا تتضمن حالياً سوى أصوات معارضة محدودة، كما لا تعكس آراء مختلفة بشدة عن توجهات الحكومة، علماً بأنها كانت تحظى بشعبية كبيرة سابقاً.
ولم يسلم الصحفيون العاملون في وسائل إعلام أجنبية، والصحفيون الأجانب الذين يعملون بشكل حر من حملات القمع الحكومية, إذ رُحِّل بعضهم من تركيا، أو منعوا من الدخول إليها؛ بينما لجأت السلطات إلى إلغاء التراخيص التي تخول لهم العمل في المجال الإعلامي.
واقترن ذلك بإغلاق السلطات 180 وسيلة إعلامية على الأقل بموجب مرسوم تنفيذي أصدرته في إطار حالة الطوارئ المفروضة في البلاد، بل إن تمارسه الحكومة بحق وسائل الإعلام جعلت المواطنين يشعرون أن ما يحدث هو “موت الصحافة”.
أيضاً، ومنذ المحاولة الانقلابية في 2016، والتي يتحمل الناس ضريبتها حتى الآن، تستخدم الحكومة أوامر حظر النشر “لحماية الأمن القومي”.
وفي الفترة بين 2011 و2018، وفيمَ استأثر حزب العدالة والتنمية بالحكومة، فأصدر خلال هذه المدة 468 حظراً للنشر.
لا حرية للإعلام.. و90 بالمئة منه في يد ” العدالة والتنمية”:
يراقب “العدالة والتنمية”، 95 في المئة من وسائل الإعلام، وبذلك، فهو يحجب الحقيقة عن الناس، وقد ازداد ضغط الحكومة التركية على وسائل الإعلام تزامناً مع إقامة الانتخابات البلدية التي عُقدت في 31 مارس/ آذار 2019، وخسر بها حزب إردوجان اسطنبول وأنقرة.
وأفادت دراسة لحزب الشعب الجمهوري أُجريت قبيل الانتخابات البلدية في مارس/آذار 2019، استنتاجات من جامعة قدير هاس من عام 2018 بأن ثلاثة من بين كل خمسة أشخاص يعتقدون أن حرية الصحافة “أصبحت غير موجودة في البلاد”.
فبالرغم من حق المواطنين في الوصول إلى المعلومات والحماية التي يجب ضمانها، إلا أن تركز وسائل يد النظام، وقف للحيلولة دون ذلك، جاعلاً نحو 90 في المئة من الإعلام لصالح الحكومة، وعشرات الصحف صارت تحمل نفس العنوان.
أرقام …”غير مطمئنة”:
- 8000 صحفي من بين 24 ألفاً خلال فترة حكم حزب العدالة والتنمية فقدوا عملهم خلال الربع الأول من العام 2019، كما أن الصحفيين يواجهون صعوبات جمة في ممارسة عملهم.
- في النصف الأول من 2020، طُبقت عقوبات تعتيم الشاشة لمدة 5 أيام فرضها المجلس الأعلى للإذاعة والتليفزيون على قنوات (تيلي1)، و(خلق تي في).
- جرى فرض غرامات قدرها 25 ألفًا و881 ليرة تركية على قناة (تيلي1) ثلاث مرات، ومرة واحدة على تليفزيون “كي آر تي”، ومرة واحدة أيضًا على قناة (أولوصال).
- تم فرض عقوبة حظر الإعلان على صحيفة جمهورييت، لمدة 45 يومًا، وجريدة بر غون، لمدة 30 يومًا، وصحف سوزجو وكوركوسوز، لمدة 10 أيام، وتم تغريم صحيفة سوزجو 166 ألف ليرة، بينما جرى تغريم كوركوسوز 373 ألف ليرة.
- تم رفع 361 دعوى قضائية ضد صحفيين في 2020، بينما جرى اعتقال 86 صحفياً، فيما ارتفع عدد الصحفيين الموقوفين حتى 1 يناير/كانون الثاني 2021 إلى 70 صحفياً.
- بين عامي 2018، و 2020ـ بلغ عدد العاطلين عن العمل أكثر من 6 آلاف إعلامي ما بين صحفي، ومراسل، وناشر، ومصور وعامل في مطبعة، بينما استقال 97 صحفيًا بسبب القمع والرقابة.
- حوكم بتهمة “إهانة الرئيس”، حتى الربع الأول من 2019، ومنذ العام 2014 صدرت أحكام ضد 53 صحفياً بسبب “إهانة الرئيس”، منذ انتخاب إردوجان.
حملة على الفنانين:
من اللافت أيضاً محاكمة الممثل الكوميدي والكاتب الشهير موجدت غيزان؛ الذي رُشّح سفيراً للنيات الحسنة لدى الأمم المتحدة، عقوبة السجن بالتهمة ذاتها، في شباط/فبراير 2021.
وبذلك يكون الممثل البالغ من العمر 77 عاماً والذي قدم الفن والإفادة للناس لعشرات الأعوام، أحدث ضحية في المعركة التي شنها الرئيس ضد من يسميهم الفنانين المزعومين، والسبب، تعليقات أدلى بها الرجل خلال برنامج تلفزيوني على قناة هالك تي في.
هذا وقد أعد حزب الشعب الجمهوري “تقرير حرية الصحافة في “2020 واستعرضه ولي آغ بابا نائب رئيس الحزب، مشيراً إلى ما بات معروفاً للجميع، أن حال الإعلام اتجه إلى الأسوأ.
وأوضح التقرير بشكل عام أن عام 2020 كان صعبا للغاية بالنسبة للصحفيين وحرية الصحافة، وأن الممارسات القمعية ضد حرية الرأي كانت على أشدها.
ولفت إلى أن “97 صحفياً قدموا استقالتهم خلال 2020، بسبب الرقابة المفروضة على الصحف، في حين لم يجد صحفيون آخرون وسيلة صحفية أو إعلامية يعملون بها”.
وأضاف التقرير أن “ثلة إردوجان وجدت في فيروس كورونا (كوفيد-19) فرصة سانحة لزيادة الضغط والسيطرة على المجتمع، إذ عانى الصحفيون مرة أخرى من القمع والرقابة والظروف الصعبة، والعام الماضي تم إسكات العاملين في الصحافة بالتهديدات والعقوبات”.
الوضع يزداد تعقيداُ كل يوم إذاً، ولا غضاضة في القول بأن أوضاع الصحفيين والإعلاميين صارت مخيفة، بسبب عدم وجود أي مجال صحي للعمل، وقد زاد الأمر صعوبة مع تفشي كوفيد-19، وزيادة تشبث إردوجان بالسلطة والتي يبدو لن تنتهي في 2023، فلم تعد هناك أصوات تعارض.