الاستثمارات مع تركيا ….سبب آخر لخلاف الرياض وأبوظبي


خلال الأعوام الأخيرة الماضية ظلت المواقف بين أبوظبي والرياض متباينة في كثير من القضايا الإقليمية، لكن الجانبان تحاشيا الإشارة إلى ذلك رسمياً؛ باستثناء ما ورد على لسان محللين وأكاديميين وبعض نشطاء البلدين المقربين من دوائر صناع القرار، ولعل هذا يرجع إلى تأني سعودي، أما الإمارات فقد كانت مواقفها أكثر فجاجة للتعبير عن وجود أزمة وطلاق سياسي بينهما.
إذ لم يعد يخفى على أحد سعى أبوظبي الدؤوب إلى تهميش الدور السعودي، عبر زيادة نفوذها في المنطقة، وبات من الواضح أن أجندة أبوظبي مختلفة عن أجندة الرياض، وأنها تسعى إلى كسر التحالف بينهما، وكسر الثوابت التي قام عليها، وأنها تعمد إلى تنمية علاقاتها بأعداء السعودية سواء إيران، أو تركيا، وإسرائيل خاصة بعد اتفاقية التطبيع الذي تم بأغسطس/ آب 2020.
بيد أن الملف اليمني كان سبباً في إبراز المؤشرات على أن الإمارات تخرق سفينة وفاقها مع شقيقتها الخليجية لصالح طهران، وظهر ذلك منذ اتهام الحكومة اليمنية للإمارات بالوقوف خلف تمرد الانتقالي الجنوبي في عدن في ال2019، ولكن هذا الملف ليس الوحيد، فهناك الخلاف داخل الأوبك، والشقاق الإستخباري خاصة فيما يتعلق بالتبادل المعلوماتي على الساحة اليمنية وغيرها.
ورغم الصور والتصريحات الرسمية، التي أعقبت مصالحة العلا يناير/ كانون الثاني 2021، مازال الخلاف موجوداً، فممارسات بن زايد كما هي، ولعل الحديث عن مصالحة جديدة قد تشمل تركيا أيضاً، خلق سبباً إضافياً للتباعد بين الحليفين السابقين، ويرجع ذلك على الأرجح إلى عدم تأني الإمارات في زيادة علاقاتها الإقتصادية مع أنقرة، تلك العلاقات التي لم يقطعها التراشق السياسي، ولم تؤثر بها الحملات الإعلامية (الصورية) من جانب الإمارات على تركيا منذ انقلاب العام 2016 الذي كانت أبو ظبي المتهم الأول فيه.
وفي ذلك، تتسم العلاقات التجارية بين تركيا والامارات العربية المتحدة بالاستقرار، رغم وجود فتور بين الطرفين على الصعيد السياسي والدبلوماسي.
جيث تنظر الإمارات إلى تركيا على أنها وجهة رئيسية للتجارة الخارجية، وعلى الرغم من فتور العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين منذ عدة سنوات، لكن العلاقات الاقتصادية تشهد نشاطا كبيراً مع استقرار أرقام التجارة الخارجية.
وفيما يخص التبادل التجاري القائم بين الطرفين، فقد بلغ حجم التجارة المتبادلة بين الجانبين خلال عام 2019، نحو 7.4 مليارات دولار أمريكي، فيما كان هذا الرقم بحدود 7.6 مليارات دولار خلال 2018.
وبلغت قيمة الصادرات التركية إلى الامارات العربية المتحدة في عام 2019، 3.5 مليارات دولار، فيما وصلت قيمة وارداتها من الامارات في العام نفسه إلى 4.33 مليارات دولار.
وتعد الإمارات العربية المتحدة في المرتبة الـ 12 كأكبر مستورد للسلع التركية، وفي المرتبة التاسعة كأكبر مصدّر للسوق التركية.
هذا، وقد برزت الرغبة الإماراتية في تحقيق تقارب أكبر مع تركيا، فيما أعلنه وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش، حينما أكد أن بلاده تريد علاقات طبيعية مع تركيا، متحدثا عن مؤشرات مشجعة لتحقيق ذلك، وقال أنور قرقاش، خلال مؤتمر صحفي في 7 يناير/ كانون الثاني 2021، إن الإمارات تعتبر “الشريك الأساسي رقم واحد” لتركيا في الشرق الأوسط، مبيناً أن الإمارات “لا تعتز بأي عداء” مع تركيا، وهو ما اعتبر استفزازاً صارخاً للرياض وقشة قصمت ظهر البعير.
وتشير التقارير في هذا الشأن، إلى وجود زيادة في حجم الاستثمارات الإماراتية في قطاع العقارات والتوسع في بناء الفندق والمنتجعات والفلل، في العديد من المناطق السياحية في تركيا مثل أنطاليا ومنطقة البحر الأبيض المتوسط بشكل عام وطرابزون ومنطقة البحر الأسود، وبورصة، ويالوا، وصبنجه، كما تنشط الشركات الإماراتية في بناء الشقق والمجمعات السكنية في طرابزون، وبورصة، برأسمال يبلغ نصف مليار دولار، وتعد الإمارات سوقاً مهمة بالنسبة للمقاولين الأتراك في قطاع الإنشاءات إذ نفذت الشركات التركية حتى العام 2013 مائة مشروع بقيمة 8.5 مليار دولار، ومازالت إل ىزيادة.
وفيما يخص التواجد على صعيد كيانات اقتصادية، فيمكن الحديث عن أبرز هذه النماذج، ومنها افتتاح شركة إعمار العقارية الإماراتية (شبه حكومية وهي المشيدة لبرج خليفة أعلى مبنى في العالم) في أغسطس/ آب 2016، متنزه في مدينة أنطاليا السياحية في تركيا على مساحة تصل إلى 639 ألف متر مربع، تبلغ قيمته مليار دولار، بالتعاون مع مجموعة فنادق “ريكسوس” العالمية.
كما تستثمر “مجموعة أبراج كابيتال” الإماراتية، التي تدير أصولاً قيمتها 9 مليارات دولار وتمتلك مكتباً في مدينة إسطنبول، نحو 900 مليون دولار منذ عام 2007 في السوق التركية، وفقا لبيان سابق للمجموعة.
كما أن شركة موانئ دبي العالمي الحكومية، افتتحت في مايو/أيار 2016، رسمياً، محطة “موانئ دبي العالمية- ياريمشا” التي تعد واحدة من أكبر المحطات البحرية في تركيا، وكل هذا متوقع له نمو أكبر بالمرحلة المقبلة، الأمر الذي يعكس أن الإمارات لم تعد تريد علاقة مع السعودية ولا تعتبرها القطب السني الأكبر، بل تسعى لاحتلال مكانها وعمل شراكات مع الأطراف التي تناصبها العداء.