التصريحات الأخيرة لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في مقابلة متلفزة، حول إيران والتي أعرب فيها عن أمله لإقامة علاقات طيبة بين بلاده والجمهورية الإسلامية الإيرانية أتت على عكس تصريحاته السابقة بشأن إيران.
وغير بن سلمان خلال تصريحاته الأخيرة حول إيران موقفه بشكل كبير ولافت ذلك أنه كان قد أكد في وقت سابق بأنه لن يحضر على طاولة حوار مع إيران لتسوية “الأزمات” ولا “الإشكاليات” (على حد تعبيره) مع إيران وبل إن بلاده ستنقل الحرب إلى داخل إيران وربما بذلت مساع في هذا الصدد على أرض الواقع.
يبدو أن الأسباب الرئيسية التي دفعت ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، إلى تغيير موقفه تجاه إيران هي كما يلي:
السبب الأول هو أن الإدارة الأمريكية برئاسة جو بايدن بدأت تغير موقفها وسياساتها تجاه إيران وفي هذا الإطار، فإن المفاوضات التي تجري بين إيران ومجموعة دول 4+1 على قدم وساق في العاصمة النمساوية، فيينا، تهدف إلى إعادة أمريكا إلى الاتفاق النووي، فأعربت واشنطن عن رغبتها للعودة إليه. ومن هنا وصل بن سلمان إلى هذه النتيجة بأن السياسات الأمريكية تجاه إيران بدأت تتغير وبالتالي فإنه لا يمكن أن يواصل سياساته السابقة تجاه طهران وعليه يجب ألا يتأخر من الركب. كما أنه في هذا الإطار، يحاول بن سلمان خفض مستوى خلافاته مع أمريكا حول جملة من القضايا منها ملف القتل الفظيع للصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول وكذلك ملف حقوق الإنسان، وذلك لأن يصبح متماشيا مع سياسات الإدارة الأمريكية الراهنة.
السبب الثاني هو أن السعودية أدركت بأنه ينبغي أن يقلل من مستوى اعتمادها على الولايات المتحدة ذلك أنه في الفترة التي تولى فيها ترامب منصب الرئاسة في أمريكا، تعرضت المنشآت النفطية السعودية في أرامكو وغيرها من المدن السعودية لهجمات كما استهدفت مختلف المناطق العسكرية والقواعد الجوية لجيشها، لهجمات صاروخية وجوية من قبل حركة انصار الله اليمنية غير أن أمريكا وخلافا لتوقعات الرياض، لم تحرك ساكنا في الذود عن السعودية، ومن هنا وصل ولي العهد السعودي إلى هذه النتيجة بأنه ينبغي له أن يحد من مستوى اعتماد بلاده على أمريكا وألا يعرض مصالحها العليا للخطر من خلال مناصبة العداء لإيران وتصعيد الخلافات معها بل عليه أن يمضي في مسار خفض منسوب التوتر مع طهران. كما أن بن سلمان أدرك بأن التكنولوجيا المتقدمة لا تأتي بالضرورة بالأمن لبلاده ذلك أنه خلال فترة ترامب الرئاسية تم تصدير كم هائل من الأسلحة والمعدات العسكرية إلى السعودية إلا أنها لم تتمكن من منع استهداف منشآت أرامكو النفطية أو إطلاق الصواريخ اليمنية إلى المناطق المتفرقة في العمق السعودي.
السبب الثالث يرجع إلى الحرب غير المثمرة المستمرة على اليمن والعدوان ضد اليمنيين إذ إن الحرب لم تثمر عن نتيجة ولم تؤد إلى إلحاق الهزيمة باليمنيين أو إضعافهم حتى بل سببت في تعزيز قدراتهم العسكرية والصاروخية بحيث تغيرت المعادلة اليوم وأصبح اليمنيون أكثر عزما وإرادة وقدرة للدفاع عن أنفسهم ولتصعيد هجماتهم على المدن السعودية بحيث أصبحت السعودية هي من تصر على ضرورة إنهاء الحرب.
السبب الرابع هو يتعلق بالتطورات التي تمر بها السعودية داخليا ذلك أنه يبدو أن الحكومة فيها تشهد مرحلة انتقالية خاصة أن حالة الملك السعودي، سلمان بن عبد العزيز، آيلة إلى التدهور وفي ظل هذه الظروف يحاول بن سلمان السيطرة على سدة الحكم مع الحد الأدنى من تحديات ومعارضات داخلية.
النقطة الأخرى التي تجدر الإشارة إليها هنا هي أن المشكلة التي تطل برأسها دوما في العلاقات الثنائية بين ايران والسعودية ترجع إلى سوء فهم مسؤولي السعودية منهم محمد بن سلمان لسياسات إيران الإقليمية بحيث أن سياسة السعودية تتمثل في أنه لا يحق لإيران إيلاء الاهتمام للتطورات التي تشهدها الدول العربية الإقليمية اعتقادا منها أن إيران ليست دولة عربية فيما أن الدول الإقليمية تعتبر في الوهلة الأولى جيرانا لإيران وأي خطر يهدد أمن هذه الدول سيؤثر على أمن ايران واستقرارها وبناء على هذا فإن إيران لا يمكنها عدم إيلاء الاهتمام للتطورات التي تمر بها الدول الجارة لها.
وبطبيعة الحال فإن اللوبي الصهيوني والكيان الصهيوني سيبذلان قصارى جهدهما لتضخيم الخلافات بين إيران والسعودية منعا لاستئناف علاقاتهما الثنائية مع ذلك فإنه ينبغي على السعودية العمل على إدارة خلافاتها مع إيران بأخذ العبر من الأحداث السابقة.