“الزبارة”… تفرض حصاراً جديداً على الدوحة بعد قمة العلا

ألقت السلطات القطرية، مطلع الشهر الجاري، القبض على 5 بحارة آسيويين، كانوا على متن بانوش بحريني حمل اسم” شروق الخير”، وأحالتهم إلى الجهات المختصة، وأعلنت الدوحة دخوله للمياه الاقتصادية لدولة قطر بطريقة غير مشروعة، وممارسة الصيد دون تصريح.
ومن جهتها، أعلنت قيادة خفر السواحل البحرينية، تلقي مركز العمليات التابع لها فاكس من الإدارة العامة لأمن السواحل والحدود في قطر، يفيد بالقبض على بانوش بحريني.
وكانت حالة الجمود بين البحرين وقطر قد انفكت بعد قمة العلا في يناير/ كانون الثاني، لكن التوترات عادت إلى الواجهة مجدداً على ما يبدو.
ولكن الدوحة هي صاحبة الحق هذه المرة، حيث تم دخول مياهها الإقليمية على نحو غير مشروع، وهو الأمر الذي أعاد للذاكرة سجلاً طويلاً من خلافات حدودية لم يحسمها سوى محكمة العدل الدولية في لاهاي، تحديداً في العام 2001، بحكم ملزم؛ منحت بموجبه البحرين السيادة على جزر حوار وجزيرة قطعة جرادة، وفي المقابل منحت قطر السيادة على جزر جنان وحداد جنان ومدينة الزبارة وجزيرة فشت الديبل.
ورغم الحكم الدولي المذكور، مازالت المنامة تدعي أحقيتها في مدينة الزبارة حتى يومنا هذا، وتستند في ذلك إلى تأكيدات مؤرخين لا يسمن كلامهم ولا يغني من جوع، أن تاريخ شبه جزيرة قطر الحديث قد بدأ مع استقرار آل خليفة في “الزبارة”، وبسط سيادتهم بإنشاء قلاعهم من “الزبارة” إلى الوكرة.
وبالعفو من أشقائنا في البحرين، سجل تاريخ النزاع بين البلدين، يشي بالعكس، ويفيد بأن قطر اليوم إنما تمارس حقها القانوني في بسط نفوذها على كامل إقليمها بما في ذلك “الزبارة”، والأدلة كثيرة، ومن بينها، قيام البحرين بالاعتداء على منطقة فشت الديبل عام 1986، إذ ستطاعت القوات القطرية إفشال ذلك الاعتداء وطرد قوات البحرين منها، وكانت البحرين تلقت دعما وتسليحاً من السعودية في ذلك الهجوم.
أيضاً، وفي حكم ” العدل الدولية” قضت المحكمة بأن يكون لسفن قطر التجارية حق المرور السلمي في المياه الإقليمية للبحرين الواقعة بين جزر حوار والبر البحريني، وهو ما ينسحب بالطبع على الزبارة بالنسبة للبحرين – مرور سلمي وحسب-، ويؤكد أن كل مخالفة لذلك الحكم هي مخالفة لأحكام القانون الدولي، لا تحق للبحرين أو مَن يدعمها خليجياً.
ويدحض قرار المحكمة الدولية أيضا، ما قامت به صحيفة “الوطن” البحرينية عندما نشرت سلسلة حلقات ومقالات عن أحقية البحرين في مدينة الزبارة الواقعة شمال دولة قطر، لأن السيادة على كامل إقليم دولة قطر هو أمر حسمه القانون منذ العام 2001.
قطر الواعدة، طالما حوصرت من جانب الإمارات، والسعودية، والبحرين، وبالرجوع إلى تاريخ المنطقة بوجه عام، سنجد أنها شهدت صراعات مستمرة على النفوذ خاصة مع المؤامرات التي حيكت لإنهاء الدولة العثمانية، وكانت قطر آخر دولة انسحاباً من الدولة العثمانية عقب سقوطها لأن حاكمها آنذاك سمو الشيخ قاسم آل ثاني مؤسس الدولة، كان يؤمن كل الإيمان بدور الدولة الإسلامية العثمانية.
وعلى فترات متباعدة، شهدت السعودية وقطر عدة معارك، منها “معركة ضبيب” في 1920، و “معركة الحريثي” في 1925، وقبلها حرب مع الإمارات استمرت 8 سنوات وانتهت في “معركة خنور” ، ثم حرب “الزبارة” مع البحرين، واستعادتها قطر عام 1936.
كما أن ثمة معارك قديمة بين قطر وأبو ظبي استمرت 7 سنوات من 1881 الي 1888 ابتدأت بحروب “بينونه وسويحان والمرصف”، وانتهت في “خنور”.
أما في العصر الحديث، ومع مجيء سمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني إلى سُدة الحكم في قطر، كانت له سياسة واضحة بأن قطر لها سيادة ولا يتبع قرارها لأي دولة أخرى، ويجمعها مع دول الخليج المصير المشترك والتعاون السياسي والاقتصادي والاجتماعي كمجلس تعاون خليجي.
ولا يستطيع كائن مَن كان إنكار ما للدولة القطرية، تحت حكم آل ثاني، من أيادِ بيضاء على أمن الخليج، ودعم لأشقائها في مجلس التعاون، تجلى بمشاركة قواتها في حرب تحرير الكويت من الاحتلال العراقي، أو ما يعرف بحرب الخليج الثانية1990- 1991 وقد سجلت تلك القوات موقفاً مشرفاً في الدفاع عن السعودية في حرب (عاصفة الصحراء) و(درع الصحراء) رغم الخلافات الخليجية آنذلك.
وشاركت الدوحة في تلك الحرب باثنين من الألوية العسكرية، وكانت القوات القطرية حينها 3 ألوية فقط، أي أنها دفعت بكل ما تملك للدفاع عن السعودية ونصرة للكويت، وساعد هذا في الإسهام بدور رئيسي في تحرير منطقة الخفجي السعودية ( شمال شرق)، ويشير مسؤولون سعوديون إلى ذلك في كل مناسبة.
وفي المقابل، لم تتوقف حياكة المؤامرات ضد استقرارنا، ففي 30 سبتمبر/ أيلول 1992، أرسلت السعودية كتيبة عسكرية للسيطرة على “مركز الخفوس الحدودي القطري”، على خلفية تجمع قبلي في المناطق المتنازع عليها بين البلدين، حيث يتوزع أفراد قبيلة مُرّة في هذه المناطق، ونشبت معركة عسكرية قصيرة، بين قطر والسعودية، وانتهت بمقتل ضابط سعودي برتبة نقيب و4 جنود سعوديين وجنديين قطريين، وسيطرة السعودية على منطقة “الخفوس”.
وكان أقل ما يوصف به موقف السعودية هو “نكران الجميل” تجاه قطر بعد دفاعها عنها في منطقة الخفجي وحرب الكويت، وشعر جموع القطريين بالصدمة من ذلك التصرف.
وفي 1992، وقعت الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي على “بيان أبو ظبي” والذي كان في الحقيقة بيان نوايا يؤكد على ضرورة حل النزاعات الحدودية بالطرق السلمية، وعدم شرعية السيطرة بالقوة على المناطق، وبرغم ذلك، شهدت قطر محاولة انقلابية فاشلة عام 1996 وتبين لاحقاً إنها مدعومة من دول الحصار نفسها السعودية والإمارات والبحرين ومعهم مصر، وكانت تهدف إلى احتلال قطر وتغيير الحكم بالقوة، وإخضاع قرارها السيادي وثرواتها لدول الحصار.
ومن كل هذا، ـنقول أن إعادة إثارة ” ملف الزبارة” إنما يهدد مصالحة العلا، ولكن لن يستطيع أحد أن يحق القول على الدوحة هذه المرة، ولن يُعاد تاريخ محاولات فرض الوصاية على قرار الدوحة مرة أخرى.