منذ منتصف آذار/ مارس الماضي، انكسرت جرة الحكومة على رأس اللبنانيين، سيما بعد اللقاء الثامن عشر بين رئاستي بعبدا وبيت الوسط، فلا بنزين، ولا ودائع، ومعاشات تصمد أمام ارتفاع الأسعار وعدم استقرار الدولار.
واليوم الرئيس المكلف سعد الدين الحريري (بَق البحصة) أمام النواب بقصر الأونسكو(مقر المجلس النيابي)، فأاشار إلى خبرة الرئيس ميشال عون الطويلة في التعطيل، ونوه دون تصريح إلى أنه لا مستفيد سوى العهد بتعويم الصهر بالطبع.
وبعد الجلسة، والتعميم الذي أطلقه زعيم التيار الأزرق، وكما قال المغردون على الهاشتاج الذي تصدر تويتر، انتصر التكليف على التعطيل، بدعم نواب الناس، فلا اعتذار، ولا ثلث معطل، ولا زيادة بالوزراء عن 18، -تذرعاً بوزير الطاشناق، وورقة حقوق المسيحيين، والميثاقية- ولا حكومة إلا من إختصاصيين غير حزبيين كفؤين نزيهين لوقف الإنهيار والقيام بالإصلاحات، والتدقيق الجنائي، وملف الكهرباء، وإعادة إعمار بيروت بعد ما ألمَ في انفجار الرابع من آب، ونقطة على السطر.
في جلسة اليوم، حقق بي (أب) السنة، انتصاراً على بي (أب) الكل،- بعد رسالة الأخير التي قال فيها أن الرئيس المكلف عاجز عن تأليف الحكومة، فالمجلس النيابي، حمى التكليف ولم يسحبه، كما أعطاه الزخم من جديد، ونوه إلى وضع البلد لا يتحمل تعديلاً دستورياً في الوقت الحالي.
هذا، وقد مدد بري فرصة لتفاهم لا يبدو في الأفق، بعد التراشق بين حسين الوجه مستشار بيت الوسط، وبين مستشارية الرئاسة الأولى ببعبدا فضلاً عن ابتسامة النائب جبران باسيل رئيس التيار الوطني الحر، والتي كانت ملء الشدقين وهو يغادر الجلسة، كأنه يؤكد تصريح نائب رئيس المجلس النيابي إيلي الفرزلي، أن عون سيعوم صهره من خلال الإستقالة قبل أشهر انتهاء العهد مطلع 2022.
إذن، فالوضع داخلياً، بالنسبة لميشال عون، هو إما جبران أو جهنم، وخارجياً، بالنسبة لحزب الله، إما الإتفاق النووي بصيغة تليق بالمرشد الأعلى، أو لا حكومة في لبنان إلى الأبد، ولاعزاء للورقة الفرنسية.
وبالتأكيد، متوقع من تكتل لبنان القوي، وفريق بعبدا، الرد على بيان الحريري، ولا غضاضة من وصفه بالكاذب مرة أخرى، أو التحاجِ بوحدة المعايير، والتأكيد على احترام الدستور، وعلى الأرجح أيضاً، سوف يحاول رئيس مجلس النواب نبيه بري، لعب دور (أم الصبي)، لتخفيف التوتر الحاصل.
والمحصلة مرة أخرى، هي حرب بين الرئاستين، وحرب أخرى بالوكالة بين واشنطن، وحزب الله وكيل إيران، وانقسام مسيحي حول ما ينتوي عون من وضع باسيل في موقع الرئاسة الأولى بحلول 2022، وموقف درزي متميع، وصواريخ من الجنوب على إسرائيل، وحدود فشل ترسيمها والضحية هم اللبنانيون الذين تنحدر أوضاعهم من سيء لأسوأ، فقراً وجوعاً، ومرضاً.
وفي جهة أخرى، ورغم ما للدستور من خصوصية، حيث شكّل حلّاً بعد 15 سنة من الحرب الأهلية، وتمّ التوافق عليه لإنهاء النزاعات وتحقيق العيش المُشترك وصونه على أساس المساواة بين المواطنين، والحفاظ على خصوصية الطوائف وعدم هيمنة طائفة واحدة على الطوائف الأخرى.
لكن في ظلّ وجود هواجس لدى الطوائف وتخوّفها من الذوبان أو خسارة موقعها في الدولة، يُعتبر كلّ طرح لتعديل الدستور مسّاً بصلاحية طائفة.
وبالتالي، كلّ حديث يتناول تحديد مهلة للرئيس المُكلف لتأليف الحكومة، حتى إذا كان من منطلق دستوري ولمنع فراغ المؤسسات، يُعتبر مسّاً مباشراً بموقع الرئاسة الثانية، وبالتالي استهدافاً للطائفة السنّية، ما يحوّل الطرحَ أزمةً طائفية، وينسحب هذا على كلّ المواقع والمؤسسات، بما فيها المؤسسات القضائية.
وهناك تخوّفُ في المرحلة الراهنة عند الطوائف المسيحية والطائفة السنّية، حيث يُتّهم حزب الله بسعيه إلى تعديل الدستور والنظام في لبنان والانتقال من المناصفة المسيحية ـ الإسلامية إلى المثالثة المسيحية ـ السنّية ـ الشيعية وتعزيز موقع الطائفة الشيعية في الدولة، على رغم أنّ الحزب ينفي ذلك، مؤكداً تمسّكه بـاتفاق الطائف وبالصيغة الحالية دون تعديل.
وعلى صعيد التطبيق، توجد فجوة كبيرة بين نصوص الطائف والتطبيق على صعيد الممارسة ومن أمثلة ذلك:
أن مجلس النواب اللبناني يقوم بانتخاب رئيس الجمهورية الذي يجب أن يكون من الطائفة المسيحية المارونية وبالتوافق بين قوى بالبرلمان ولمدة 6 سنوات قابلة للتجديد.
ومع ذلك، خلال فترة تجاوزت عاما ونصف العام ما بين عامي 2014 و2016، فشلت 45 جلسة لمجلس النواب اللبناني في انتخاب رئيس للجمهورية خلفا للرئيس ميشال سليمان بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني نتيجة عدم توافق القوى السياسية اللبنانية على تسمية الرئيس الجديد.
أن منصب رئيس الوزراء وهو من نصيب السُنة، حيث جرى التوافق على ذلك بين الأطراف اللبنانية في العام 1943، رغم أن الدستور اللبناني لم يتحدث عن دين أو طائفة رئيس الوزراء.
مطالبة تكتل لبنان القوي بالثلث المعطل، وتدخل القوى الدولية، حيث أن لبنان ملعب مفتوح للقوى الدولية، وتغير التكوين الديمغرافي فلم يعد المسيحيين هم غالبية السكان، لتتم مناصفة السلطة، والطائفية انسحبت على توزيع المناصب، فعلا الولاء الطائفي على الوطني
وبسبب التجذر الطائفي، هناك حالة من عدم التوافق بين نصوص الطائف، والدستور، وبين ما يجري على الأرض من ساسة لبنان، وهو الأمر الذي أدى إلى علو أصوات مطالبة بتعديل أو إلغاء الإتفاق تحت مصالح طائفية محضة، وهذا ما سيجعل من شعار ثورة تشرين 2019 (كلن يعني كلن)، صرحاً من خيال، ورغم ذلك، فلا قبل للبنانيين بتعديل الدستور أو اتفاق الطائف الآن، وإلا فلن تحمد عاقبة الفوضى حينذاك.
وتبقى اللعبة القادمة قيد الغموض ما بين إحتمال ضعيف لتشكيل الحكومة العتيدة، أو دعوة لانتخابات مبكرة سيخسر فيها العهد القوي أصوات الناس، أو حكومة عسكرية على غرار سيناريو العام 1958، وفي ذلك، صور جوزيف عون قائد الجيش بالشوارع ليست ببعيد!