يلتقى قادة الدول الأفريقية في القمة السنوية للاتحاد الأفريقي التي تحمل رقم 36، والتي تنعقد في أديس أبابا، تحت شعار “تسريع تنفيذ منطقة التجارة الأفريقية الحرة”.
وعلى مدار يومين بالقمة التي انطلقت السبت، تتداول بالقمة وبأروقة الاتحاد الأفريقي التقارير التي تبحثها القمة وتعج بأزمات سياسية تشمل النزاعات المسلحة بالقارة ومخاطر التنظيمات الإرهابية، حتى أزمات التغير المناخي التي ترجمتها موجة الجفاف التي تهدد الملايين في القارة، وكذلك مواجهة كوفيد 19 .
عادة تكون أجندة القمة الأفريقية متخمة بالقضايا السياسية والاقتصادية ولكن قمة البيت الأفريقي للعام الحالي شهدت بعض التشابكات بينها الخلاف المستمر بين الدولة المستضيفة للقمة إثيوبيا ومصر بشأن سد النهضة، وكذلك فراغ مقعد السودان للعام الثاني وقضية عضوية إسرائيل بالاتحاد بصفة مراقب.
عضوية إسرائيل
رجحت مصادر أفريقية مطلعة ان تناقش القمة ال36 مسألة سحب “صفة مراقب” من إسرائيل، الذي اتخذه منفردًا رئيس المفوضية موسى فكي صيف 2021، وتم تجميد قراراه في قمة فبراير/شباط 2022 بعد احتجاجات أفريقية واسعة.
وتقدمت إسرائيل مرارا بطلبات لمنحها عضوية الاتحاد الأفريقي بصفة مراقب، لكنها طلبها رفض أعوام 2013 و2015 و2016، وبعد قرا موسى فكي إعطاءها هذه الصفة في 22 يوليو 2021، اعتبر وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة حينها القرار “غير مسؤول”، ودفع بـ25 دولة للمطالبة بالتراجع عنه.
وشهد اليوم الأول للقمة الافريقية الـ36، السبت، واقعة أفصحت عن حساسية هذه قضية “عضوية إسرائيل” داخل المنظمة الأفريقية، وهي تعرض مندوبة إسرائيل إلى قمة الاتحاد الأفريقي للطرد، الأمر الذي رفضته تل أبيب.
وقالت وزارة الخارجية الإسرائيلية إن الوفد الإسرائيلي طرد من مراسم افتتاح قمة الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا، مُلقية باللوم على جنوب أفريقيا والجزائر.
وأضافت في بيان “أن إسرائيل تنظر ببالغ الخطورة إلى هذه الحادثة، حيث قام رجال أمن بإخراج بارلي من القاعة مع أنها تتمتع بصفة مراقبة”.
ودعت الخارجية الإسرائيلية “الدول الأفريقية إلى التصدي لهذا السلوك الذي يمس الاتحاد في المقام الأول والقارة الأفريقية بأسرها”.
ولفتت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” إلى أنه خلال مراسم افتتاح القمة، اقتربت مجموعة من رجال الأمن من الوفد الإسرائيلي، وطلبوا منهم المغادرة، وظهرت رئيسة الوفد الإسرائيلي شارون بارلي في مقاطع فيديو تم التقاطها هناك تغادر مع أعضاء الوفد بعد دقائق من الحديث مع رجال الأمن.
كذلك كان لافتًا غياب السفير الإسرائيلي لدى أديس أبابا، أليلي أدماسو، عن حضور اجتماعات المجلس الوزاري التنفيذي للاتحاد، يومي الأربعاء والخميس، مما أثار تكهنات حول القرار المحتمل من القمة بتجميد عضوية إسرائيل.
وتعارض مصر التي لها علاقات قوية مع إسرائيل منح الدولة العبرية صفة مراقب في الاتحاد الأفريقي، وهو نفس موقف الجزائر وجنوب أفريقيا.
وترى إسرائيل كمبرر لطلب عضوية الاتحاد بصفة مراقب أن أفريقيا تمثل فرص استثمارية واعدة ومتنوعة تطمح في الدخول عبر بوابتها، تشمل نقل التقنية الحديثة في مجال الزراعة للقارة السمراء، وتنمية التعاون في مجالات أخرى كصادرات السلاح.
وتدرك تل ابيب مثل الصين وفرنسا والولايات المتحدة وروسيا أن التعاون الاقتصادي سيكون مثمرا لأبعد الحدود مع قارة تمتلك أكبر مخزون للثروات الطبيعية من معادن ونفط ومنتجات زراعية.
في المقابل، فإن عضوية إسرائيل بصغة مراقب تمثل انقساما في الآراء بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي، في ظل تسارع إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل حتى وصلت إلى نحو 46 دولة من جملة 55 دولة أفريقية.
وبالإضافة لملف الهجرة، يظل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، مصدر رئيسي والراية التي يرفعها المعارضون لتأجيج المخاوف من عضوية إسرائيل بالاتحاد الافريقي، في حين تحمل فلسطين صفة العضو المراقب في الاتحاد الأفريقي، لكنها (فلسطين) لم تنل دعما كبيرا من الاتحاد الأفريقي سوى بيانات تشجب وتدين إسرائيل في جانب كبير منها ضمن حلقات الصراع الممتد لأكثر من 50 عاما.
مقعد السودان
خلال القمة الحالية علق وزير الخارجية المصري سامح شكري، على غياب السودان عن القمة الإفريقية بسبب المشاكل السياسية داخلها، مؤكدًا أنه يدعو لاستعادة السودان لمقعدها خاصة بعد الاتفاق الإطاري ووضع مسار لانتهاء الفترة الانتقالية والعودة للحكومة وانتخابات تعبر عن الشعب السوداني.
وأكدت مصر أنه من الضروري أن تعود السودان لدورها في رسم مسار القارة، لأن الأحداث في السودان لها تأثيرها على شعبي وادي النيل، مؤكدًا التضامن الكامل بين مصر والسودان وأن التعاون بينهما دائم.
وللعام الثاني على التوالي، تغيب مشاركة السودان في أعمال القمة، لدولة هي من مؤسسي منظمة الوحدة الأفريقية التي تحولت لاحقا إلى الاتحاد الأفريقي.
وفرض الاتحاد عقوبات على السودان شملت تجميد عضويته منذ إجراءات قائد الجيش رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان، في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، التي حل بموجبها حكومة عبدالله حمدوك واستبعد بشكل ما شركاءه المدنيين من المشاركة في المرحلة الانتقالية، في وقت تطالب فيه السلطات الانتقالية رفع تلك العقوبات وتجميدها.
ويقول المراقبون أن قرار الاتحاد الأفريقي بشأن عودة الخرطوم للاتحاد ربما تحدث به حلحلة عقب الاتفاق الاخير بين الاطراف السودانية والذي لاقى إشادات عربية وإقليمية ودولية.
وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، وقع رئيس مجلس السيادة الاتفاق السياسي الإطاري، وسط حضور إقليمي ودولي وأممي، وعد الاتفاق يعد خطوة ستؤدي إلى تأسيس سلطة مدنية انتقالية تعمل على إنهاء أزمة البلاد.
الاتفاق الإطاري واجه انتقادات عديدة، رد عليها الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في السودان فولكر بيرتس، قائلا إنه كان ولا يزال، هناك معارضة للاتفاق الإطاري؛ لأن “بعض القوى والأشخاص لا يريدون التسوية السياسية”.
كما نفى وجود أية ضغوط دولية لتوقيع الاتفاق، قائلا: “ليس صحيحا. كان هناك بالتأكيد تشجيع دولي لأي عملية تقود إلى تسوية معقولة ومعترف بها ومستدامة”.
في المقابل، أكد رؤساء وممثلو الكتل والأحزاب السياسية الموقعة على الاتفاق السياسي الإطاري في اجتماع بالخرطوم مع رئيس مفوضية الاتحاد الافريقي موسى فكي قبل أسبوع أن إعادة عضوية السودان في الاتحاد الإفريقي يجب أن تتم عقب الوصول إلى الاتفاق السياسي النهائي وإعلان الدستور الانتقالي وتشكيل الحكومة المدنية وسلطاتها وهياكلها.
وأطلع رؤساء وممثلو الكتل والأحزاب السياسية الموقعة على الاتفاق السياسي الإطاري، خلال الاجتماع الاتحاد الإفريقي ومجلس السلم والأمن الإفريقي بمجريات العملية السياسية في مرحلتها النهائية، والتأكيد على أطراف الاتفاق الإطاري، باعتباره الأساس الضامن للانتقال الديمقراطي والتحول المدني.
من جانبه أكد رئيس مفوضية الإتحاد الافريقي استعداد المفوضية لتقديم كامل الدعم والمساندة للاتفاق الاطاري بما يحقق استقرار السودان، وعودته للإتحاد الافريقي.
سد النهضة
يبدو دور الاتحاد الأفريقي في ملف سد النهضة الإثيوبي، خجولا في التدخل بقوة في الخلاف الواضح القائم بين القاهرة وأديس أبابا ويمكن القول إنه لم يفلح في حلحلة الأزمة برأي مراقبين.
ولعل ابرز ملامح الحضور الباهت للاتحاد في الخلاف بين دولتين من المؤسسين للاتحاد إحداهما تستضيف المقر الدائم للاتحاد وهي إثيوبيا هو الملف عن مداولات القمة الأفريقية لأول مرة العام الماضي، منذ الشروع في تدشينه عام 2011.
ولعل المواقف الثابتة للطرفين التي عرقلت المفاوضات بشأن السد الإثيوبي صنعت حساسية لمناقشة هذا الملف، الذي خرج في بعض مراحله عن البيت الأفريقي تصعيد نحول التدخل الدولي عبر مجلس الأمن أو الأطراف الدولية الفاعلة كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وتجدد مصر في مختلف المحافل التأكيد على موقفها الثابت بضرورة التوصل لاتفاق ملزم حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي، يراعي مصالح الدول الثلاث ويحفظ حقوق مصر المائية.
ويثير سدّ النهضة الذي يُتوقع أن يكون أكبر مشروع في أفريقيا لتوليد الكهرباء من المياه خلافاً إقليمياً منذ أن أطلقت إثيوبيا مشروع تشييد السد عام 2011، إذ تتخوّف دولتا المصب، مصر والسودان، من تبعات السد على أمنهما المائي، فيما تشدّد أديس أبابا على أهميته لتوليد الكهرباء والتنمية في البلاد.
وأعلنت أديس أبابا في 11 أغسطس/آب الماضي تشغيل التوربين الثاني في سد النهضة لتوليد الطاقة الكهربائية، مؤكدة أن “عملية الملء الثالثة لا تؤدّي إلى نقص المياه في دول المصبّ.
وحول لقاءاته مع الأحزاب السياسية السودانية، كشف آبي أحمد أنه لن يقدم مقترحات جديدة، معربا عن ثقته بقدرة السودانيين على تجاوز قضاياهم السياسية، فيما أطلع من جانبه البرهان على مجمل الأوضاع بإثيوبيا.
ونهاية شهر يناير/كانون الثاني الماضي أعرب السودان وإثيوبيا عن توافقهما على كافة قضايا سد النهضة واتفقا على تعزيز التعاون والتنسيق المشترك بين الجانبين.
وشدد رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، خلال زيارة رسمية لرئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إلى السودان، على ضرورة تعزيز التعاون والتنسيق المشترك بين السودان وإثيوبيا في القضايا الثنائية إقليميا ودوليا.
المصدر: وكالات