مع اقتراب فصل الشتاء تزيد حدة الضغوط التي تعيشها بلدان أوروبا، على خلفية تصاعد التململ الشعبي من جراء تفاقم تبعات الحرب الأوكرانية عليها لاسيما الاقتصادية منها، حيث تسجل معدلات تضخم مرتفعة مع شح في مصادر الطاقة وخاصة الغاز، مما يدفع بتلك الاقتصادات نحو الركود.
وفي ذلك، يعد الاقتصاد الألماني من أكثر الاقتصادات المتضررة في أوروبا من جراء الأزمة العالمية بفعل حرب أوكرانيا، وما خلفته من عقوبات متبادلة ما بين الغرب وروسيا.
ولعل أحدث مؤشرات تزايد الضيق الشعبي في ألمانيا، كان تجمع عشرات الآلاف من المحتجين في 6 مدن، السبت الفائت، حيث طالب هؤلاء بالمزيد من العدالة في توزيع المخصصات الحكومية للتعامل مع ارتفاع أسعار الطاقة وتكاليف المعيشة، وبالتحول سريعاً نحو وقف الاعتماد على استخدام الوقود الأحفوري، وشهدت كلٍ من، برلين، ودوسلدورف، وهانوفر، وشتوتجارت، ودريسدن وفرانكفورت، احتجاجات حاشدة، رافعين لافتات تطالب بخفض التضخم وإيقاف محطات الطاقة النووية وزيادة دعم أسعار الطاقة للفقراء.
وذكرت منظمة “غرين بيس” المشاركة في تنظيم الاحتجاجات إن عدد المتظاهرين بلغ نحو 24 ألفا، لكن الشرطة قالت إن نحو 1800 محتجا تجمعوا في برلين.
خلفية ما حدث
يُذكَر أن التضخم الألماني كان قد سجل في أيلول/سبتمبر الفائت ما وُصِف بأنه أعلى مستوى منذ حوالي ربع قرن عند 10.9 بالمئة مدفوعا بارتفاع تكاليف الطاقة.
ووافق البرلمان الألماني الجمعة على حزمة الإنقاذ الحكومية البالغة 200 مليار يورو (195 مليار دولار) والتي تهدف إلى حماية الشركات والأسر من تأثير ارتفاع أسعار الطاقة.
وتتضمن الحزمة مبلغا يدفع مرة واحدة لتغطية فاتورة غاز شهرية للأسر والشركات الصغيرة والمتوسطة وآلية للحد من الأسعار اعتبارا من آذار/ مارس.
وتشير البيانات إلى أن عدد الألمان ممن هم بمستوى خط الفقر ودونه حتى، قد ازداد بصورة كبيرة خلال العامين الماضيين، وعلى وجه الخصوص خلال الأشهر الأخيرة على وقع تداعيات الحرب الأوكرانية وتبعاتها الاقتصادية المدمرة على أوروبا عامة وألمانيا بشكل خاص.
ولهذا السبب، تنامت الاحتجاجات، التي نظمتها أساسا القوى اليسارية في البلاد، كونها تنادي بالعدالة الاجتماعية وخفض التضخم ودعم الفقراء وفرض المزيد من الضرائب على الأغنياء وأصحاب رؤوس الأموال.
فتش عن قوى اليسار
في الحادي عشر من أيلول، تظاهر نحو 2.5 ألف شخص، في مدينة إرفورت أيضاً، ضد سياسة التسعير التي انتهجتها الحكومة الألمانية من جراء الأزمة الحالية.
وكتبت اليسارية لينا سانجي جونجر، نائبة ولاية تورينجن الفيدرالية، على شبكات التواصل الاجتماعي جينذاك: “اليوم، مع 2.5 ألف مشارك آخر، كنت في مظاهرة في إرفورت! رفضا لسياسة الحكومة الألمانية ذات الوجه الاجتماعي في مواجهة التضخم. إلى الأمام إلى الخريف الحار!”.
ومن بين المطالب التي طرحها المحتجون توفير السكن والتعويض عن التضخم وإعادة توزيع الأموال.
وفي وقت أسبق، اندلعت احتجاجات شارك فيها عدة آلاف من الأشخاص في مدينة لايبزيغ ضد سياسة الحكومة الألمانية في مجال الكهرباء وأسعار الطاقة.
وأعلن حزب “اليسار” عن اجتماعه في أحد الساحات المركزية بالمدينة المحلي، مشيرا إلى الوضع الكارثي في الاقتصاد والتصرفات الخاطئة للسلطات.
وفي خضم ما يمكن تسميته “تجاذبات اليمين واليسار”، وأزمة الطاقة الطاحنة، ومع مقدم شتاء يُنبىء ببرودة شديدة، يبدو طقس السياسة الأوروبي على النقيض، حيث بدأ الأوروبيون يستشعرون الخطر، وباتت (معدلات الثقة) في قادتهم على محك توفير الوقود، والغاز، ولا أحد يستطيع الجزم باتجاه تلك المعدلات مع مضي أشهر الخريف القلائل.