مازال الانقسام والاهتراء عنوان المشهد الإخواني بجبهاته المتعددة، فبعد سويعات قلائل، من إعلان جبهة إبراهيم منير في لندن انسحاب الإخوان من أي صراع على السلطة في مصر، رفضت الجبهة الثالثة في الجماعة، والمعروفة بتيار التغيير، ذلك وأعلنت تبنيها التصعيد والانخراط في المعارضة ودعم الحركات الثورية وصولا للسلطة.
بالسياق، كشفت جبهة منير أن لديها ثلاث أولويات سياسية في المرحلة القادمة تتمثل في إنهاء ما أسمته ملف المعتقلين، وتحقيق المصالحة، وبناء شراكة وطنية حسب زعمها.
وأكدت الجبهة أن الأولويات تتطلب تجاوز الصراع على السلطة في ظل بيئة سياسية يُخيم عليها الاستقطاب، وفي وسط مجتمع يواجه الانقسام، لأن ذلك سيُحوّل أي تنافس على السلطة إلى صراع واضطراب ليس في صالح الجماعة مشيرة إلى أن نهجها القادم سيتضمن خيارات ومسارات متنوعة، تبدأ من مخاطبة الرأي العام وتوعيته، وتوجيه النصح للحكومة أو معارضتها.
وكما أُشير سلفاً، فإن جماعة الإخوان كانت قد انقسمت لجبهتين الأولى بقيادة محمود حسين في اسطنبول والثانية بقيادة إبراهيم منير في لندن، فيما أعلنت الجبهة الثالثة عن نفسها باسم تيار التغيير ووصفت نفسها بالفئة المحافظة على تعاليم حسن البنا وسيد قطب.
جدير بالذكر أن جبهة التغيير المذكورة، كانت قد دعت إلى” مؤتمر عام” في تركيا السبت الفائت (15 تشرين الأول/ أكتوبر)، تحت شعار “على عهد الشهيد، للإعلان عن نفسه وإصدار ما يعرف بالوثيقة السياسية.
بداية “سرية” قبل عام
بحسب التقارير، بدأت حبهة التغيير نشاطها بشكل سري قبل نحو العام، حيث انتقدت ممارسات الجبهتين المتنازعتين، داعية إلى استعادة الأدوار القيادية للشباب داخل التنظيم في المستقبل.
ويشارك في تلك المجموعة ، محمد منتصر المتحدث السابق للجماعة، فضلا عن رضا فهمي، وعمرو دراج وحمزة زوبع وجمال عبد الستار وعمرو حام، بالإضافة إلى أحمد مولانا، عضو الجبهة السلفية.
ويهدف هذا التيار إلى السيطرة على الجبهتين المتصارعتين، وتشكيل مجموعات لإحياء فكر سيد قطب ومحمد قطب ومحمد كمال، وتنفيذ وصايا الأب الروحي للمجموعة النوعية محمود عزت.
يُذكَر أنه في مطلع العام الجاري وتحديدًا في 24 كانون الثاني/يناير الفائت، تم تنظيم مؤتمر تحت عنوان “شباب التغيير، عقد من النضال وخطوة للمستقبل”، شارك فيه معظم قادة تيار التغيير، وناقش عدّة محاور، كان أهمها “تقييم التجارب الثورية في بلدان الربيع العربي” و”حالة المزاج الشعبي تجاه التغيير والنخب”، و”سمات الجيل الشبابي الجديد وموقعه في معادلة التغيير”، و”فرص انبعاث مشروع الثورة والتغيير وأبرز التحديات”، و”المنطلقات الفكرية والسياسية والتنظيمية لعملية التجديد والانبعاث”، وتوعد “محمد منتصر” في كلمته خلال المؤتمر بالتدخل للحلحلة والخلخلة وتحريك الوضع القائم” في الدول العربية وعلى رأسها مصر، مضيفا أن “كل الثورات لها فرص أخرى للانبعاث، ومؤكدًا أنه تم اختيار “عقد المؤتمر في هذه الفترة لنوصل رسالة أن الثورات لم تنته وأن هناك موجات أخرى ستكون فيها الغلبة للثورات”.
وُصِف هذا الظهور بأنه الأول بعد سنوات من خفوت نشاط التيار، ولم تقتصر عودة النشاط على الظهور الفعلي، وإنما امتد إلى الفضاء الإلكتروني حيث استأنف التيار الظهور مرة أخرى على الصفحة الخاصة به على منصة التواصل الاجتماعي “فيس بوك” في 15 آيار/مايو الماضي، من خلال بيان أصدره التيار في ضوء دعوة السيسي للحوار الوطني أواخر نيسان.
كما نشرت بيانًا آخر في 26حزيران/ يونيو الماضي، تزعم فيه رفضها لبعض المحاولات الإقليمية للتواصل بين مصر والجماعة، وأكد التيار أنه ما من جهة من الجهات المتنازعة حول القيادة الآن بجماعة الإخوان المسلمين له الحق في التفاوض باسم الجماعة، فكل تيار ينتمي إلى مدرسة الإخوان له قراره وفقا لاجتهاده، ويبدو أن جبهة تيار التغيير مثلها مثل الجبهتين الأخريين في إنكار الواقع واختلاق الأمور، الأمر الذي يعكس الحالة المزرية التي وصل إليها التنظيم، بعد انقطاع التمويل، والتطويق السياسي، في الدوحة، واسطنبول، وكذا، العديد من دول أوروبا.
أفكار راديكالية: العنف هو الحل، وليس الإسلام!
إذن، وبحسب المراقبين، فقد أعلن التيار الكمالي عن نفسه بقوة، عبر الإعلان بشكل رسمي، من قبل أتباع القيادي الإخواني الراحل محمد كمال، عن ظهور الجبهة الثالثة، والمعروفة باسم “تيار التغيير”، ومن ثم دخول المشهد الإخواني، من خلال وثيقة أصدرها التيار يوم 15 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، بالتزامن مع اجتماع قيادات هذه الجبهة الثالثة، التي يتزعمها عدد من قادة الجماعة، من بينهم: نزيه علي، ومحمد منتصر، الناطق الرسمي السابق باسم الإخوان.
وقد كشف تيار التغيير عن أيديولوجيا راديكالية، تبدت عبر تعريفه جماعة الإخوان المسلمين، “كهيئة إسلامية تؤمن بشمولية الفكرة الإسلامية، وتهدف إلى تحرير الأوطان “من كل سلطان أجنبي، أو مستبد ظالم، وتمكين المجتمع، وإقامة نظام يحقق مقاصد الشريعة الإسلامية”.
واشتملت وثيقة تأسيسه المكونة من 6 فصول، على تشديد التيار على رفض التعامل مع النظام المصري، وانتهاج مسار متطرف، وإصدار دعوات للتظاهر، بالتزامن مع مؤتمر المناخ المقرر في مدينة شرم الشيخ (شمال شرق مصر)، في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.
ولم تتجاوز الوثيقة فكرة الجهاد، بل ركزت عليها في واضع متعددة، ما يعني أنّ التيار ربما يحاول الإعلان عن نفسه بقوة، من خلال التخطيط لعمليات عنيفة، خاصة مع ضمه عناصر تمكنت من الهرب إلى تركيا، من حركة حسم، المحكوم عديد من أعضائها في قضايا عنف، بالداخل المصري.
بعبارة أخرى، يبدو أنّ التيار القطبي، يسعى من خلال الجبهة، إلى إعادة الظهور وإنتاج الأفكار العنيفة، وقطع الطريق أمام جبهتي إبراهيم منير ومحمود حسين، وضم القواعد الشعبية الغاضبة، في ظل
حالة الانشقاق.
وبيد أن تيار التغيير ينتمي -من حيث الأيديولوجيا-، إلى مسؤول الخلايا النوعية والعمل المسلح “محمد كمال” مما يشير إلى انتهاج أعضائه العنف بشكل واضح وصريح، إلا أن هذا لا ينفي فكرة العنف عن الجبهات الأخرى، حيث إن الجبهات الثلاث (لندن – إسطنبول – التغيير) تؤمن بالعنف في المقام الأول وتتخذه وسيلة لتحقيق غايتها كونه أحد المكونات الرئيسة في فكر الجماعة المصنفة إرهابية في العديد من البلدان، ولكن الاختلاف بين الجبهات يكمن في توقيت استخدامه بحسب الامكانات، والظروف المتاحة والمناخ العام المحيط بها.