أفادت تقارير صحافية ألمانية نقلاً عن خبراء إقتصاديين بارتفاع فاتورة الغذاء بمعدل يبلغ نحو عشرة بالمئة، خلال العام الجاري (2022)، فيما تبدو الصورة أكثر سوداوية في مناطق أخرى من العالم، بسبب ارتباك سلاسل الإنتاج على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا وعوامل التغير المناخي.
بدأ الألمان يشعرون بلهيب أسعار المواد الغذائية التي دخلت في دوامة ارتفاع غير مسبوقة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.
وتؤكد دراسات أن المواد الغذائية بالتجزئة في المحلات التجارية، لم تعكس بعد الارتفاع الفعلي في أسعار المواد الغذائية في الأسواق العالمية، محذرا من أن “الأسوأ لم يأت بعد بالنسبة للأسر”.
ولخص الخبير أوريليان دويتوا لدى شركة التأمين التجاري العالمية “أليانز تريد” نتيجة دراسة حديثة بهذا الشأن بالقول: “من المرجح أن ترتفع أسعار بيع المواد الغذائية بالتجزئة لأكثر من 10% في نهاية عام 2022″، وأوضح أن ذلك يعادل في المتوسط 250 يورو كتكاليف إضافية، لكل مواطن ألماني.
ويذكر في السياق عينه، أن عشر شركات لتجارة التجزئة للسلع الغذائية أكدت في استطلاع لمعهد “إيفو” الاقتصادي الألماني أنها تخطط لزيادات في الأسعار، ويعزو الخبراء هذا الوضع إلى مجموعة من العوامل المتزامنة والمتشابكة، منها الحرب في أوكرانيا، وارتفاع تكاليف الطاقة والمواد الخام وغيرها من المنتجات الأولية والسلع التجارية، إضافة إلى التغيرات المناخية والجفاف الذي ضرب عددا من مناطق العالم والتداعيات المتواصلة لجائحة كوفيد -19
مستويات تضخم قياسية
وصل التضخم في ألمانيا خلال شهر مايو/أيار الماضي إلى 7.9% على أساس سنوي بسبب الحرب في أوكرانيا التي فجرتأسعار الطاقة والغذاء. وآخر مرة سجلت فيه ألمانيا مستوى تضخم مماثل يعود ليناير/ كانون الثاني من العام 1952.
وقد يؤدي هذا الوضع إلى رفع محتمل لسعر الفائدة بمقدار 50 نقطة دفعة واحدة وفق خبراء اقتصاديين. من جهته، أعلن البنك المركزي الأوروبي على لسان رئيسته كريستين لاغارد عن رغبته في رفع أسعار الفائدة اعتبارًا من يوليو/ تموز، متوقعا الخروج من المعدلات السلبية “بنهاية الربع الثالث” من السنة الجارية. توقع متفائل بالنظر للغموض بالنسبة لآفاق إنهاء الحرب في أوكرانيا، إضافة إلى مضاعفات جائحة كورونا والجفاف الذي يضرب عددا من مناطق العالم. وتزداد الضغوطات على لاغارد للتحرك السريع بالرفع من أسعار الفائدة مع دعوتها لاستلهام نهج بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، الذي تصرف في وقت متأخر ولكن بجرأة بعدما رفع أسعار الفائدة على الفور بمقدار 0.5 نقطة مئوية.
تداعيات الحرب على القمح الأوكراني
جدير بالذكر، أن أوكرانيا تعتبر من أكبر المنتجين والمصدرين للحبوب في العالم، وتشحن ما يصل إلى ستة ملايين طن من الحبوب شهرياً.
وقد تراجعت صادراتها بشكل حاد بعد أن أغلقت روسيا موانئها على البحر الأسود منذ بداية الغزو في 24 فبراير/ شباط. وتضغط القوى الغربية من أجل رفع الجيش الروسي لحصاره على لموانئ الأوكرانية، غير أن موسكو إذا نفذت، فلا شك أنها ستطالب بمقابل لذلك.
ورجحت كييف انخفاض محاصيلها من القمح خلال العام الجاري إلى 19.2 مليون طن مقارنة مع 33 مليون طن المسجلة في عام 2021، وذلك لأن العمليات القتالية في عدد من مناطق البلاد قد تجعل الحصاد مستحيلا.
ومن المتوقع كذلك، انخفاض إنتاج الذرة أيضا إلى 26.1 مليون طن بدلا من 37.6 مليون طن الموسم الماضي، بينما سينخفض إنتاج الشعير إلى 6.6 مليون طن بدلا من 10.1 مليون طن عام 2021.
وفي أفضل الأحوال قد تتمكن أوكرانيا من تصدير عشرة ملايين طن من القمح و15 مليون طن من الذرة، لكن طاقتها التصديرية الكلية لن تتمكن من تجاوز 18 مليون طن في ظل الظروف الحالية.
إفريقيا أمام “مخاطر المجاعة”
وفيمَ تلقي روسيا باللائمة في الوضع الغذائي على العقوبات والقيود المفروضة عليها، دقت الأمم المتحدة ناقوس الخطر بشأن مخاطر المجاعة التي تهدد ملايين الأشخاص عبر العالم منها على سبيل المثال لا الحصر، منطقة القرن الأفريقي المهددة بأسوأ جفاف منذ أكثر من 40 عاما، في خامس موسم على التوالي دون تساقطات مطرية.
وذكرت الوكالات المتخصصة للمنظمة الدولية أن موسم الأمطار بين مارس/آذار ومايو/أيار هو الأكثر جفافا على الإطلاق على الأرجح، مما يتسبب في تدمير سبل العيش وتفاقم الوضع الإنساني في إثيوبيا والصومال وأنحاء من كينيا بما في ذلك خطر المجاعة في الصومال. وباتت الملايين من رؤوس الماشية مهددة في المنطقة، في حين سجلت إثيوبيا والصومال وكينيا زيادة قياسية في عدد الأطفال المصابين بسوء تغذية وينقلون للمستشفيات من أجل العلاج مقارنة بالأعوام الماضية. وما يزيد الطين بلة هو اقتران موجة الجفاف هذه مع الارتفاع المهول في أسعار الغذاء والطاقة على مستوى العالم.