تحديات برنامج الأغذية العالمي في بؤر الصراعات بالإقليم

نشر مركز المستقبل للدراسات تحقيقاً يتعلق عما يواجهه برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، خلال الفترة الحالية، حيث يواجه حزمة من التحديات التي تؤثر على المهام التي يقوم بها وبشكل خاص في بؤر الصراعات بالشرق الأوسط، سواء أثناء الصراع أو خلال موجات النزوح أو بعد وقف إطلاق النار ومنها غياب الأمن في مناطق مختلفة داخل الدول والذي أدى إلى سطوة الميلشيات المسلحة وارتفاع ارتكاب الجريمة المنظمة، ونقص حاد في الموارد، وتدهور أوضاع الاقتصاد، وتأثير جائحة كورونا، وارتفاع عدد المتضررين من سوء استهلاك الغذاء أو الحد من استهلاكه وهو أحد المُحركات الرئيسية لنقص المناعة المسبب للجائحة.
وأشار التقرير إلى قيام برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة ببعثة مشتركة تضم مسئولين من وكالات الأمم المتحدة المتخصصة والمنظمات الدولية غير الحكومية ومعاهد البحوث وممثلين عن الاتحاد الأوروبي وألمانيا وسويسرا في زيارة إلى إقليم فزان بالجنوب الليبي، حيث تم عقد مباحثات مع المسئولين الحكوميين حول سبل تعزيز السلام والتنمية لاسيما في ظل شكاوى متصاعدة من ساكني الجنوب الليبي من تجاهل حكومي، في العقد الماضي، وهو ما أدى إلى تراجع مستوى الخدمات وارتفاع أسعار السلع وندرة في فرص العمل وتفشي الجريمة المنظمة وعمليات التهريب وخاصة الأسلحة والمخدرات والأفراد المقاتلين والمواد النفطية.
ولعل ذلك يفسر جرس الإنذار الصادر عن بعض التقارير الدولية، وخاصة “مجموعة الأزمات الدولية” التي تشير إلى أن إقليم فزان لم يعد شأناً ليبياً بل صار هماً أوروبياً نظراً لتمدد تأثيراته على الأمن الأوروبي. كما أشار التقرير إلى أن هذه الزيارة الأممية والدولية هى الأولى من نوعها منذ ثلاث سنوات بين الجهات الدولية والسلطات المحلية في مدينة سبا، عاصمة إقليم سبها، وفقاً لما أشار إليه بيان صادر عن برنامج الأغذية العالمي في 3 يونيو الجاري، حيث تم ترتيب تلك الزيارة من قبل “مجموعة رابطة العمل الإنساني والتنمية والسلام” التي تأسست في ليبيا عام 2019 وتهدف للتنسيق بين مختلف الجهات الفاعلة الإنسانية في البلاد للتخفيف من احتياجات السكان في
تلك المناطق.
فالخدمات الجوية الإنسانية التابعة للأمم المتحدة تسهم في إتاحة الوصول إلى مناطق مختلفة داخل ليبيا للحصول على المساعدات الدولية من خلال رحلاتها المنتظمة إلى طرابلس وبنغازي ومصراتة، بما يؤدي إلى ربط شرق ليبيا بغربها. وفي هذا السياق، أشارت تصريحات خوسيه أنطونيو سابديل، سفير الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا، لعدد من وسائل الإعلام بأنه “سيتم التركيز على الخدمات الأساسية للمواطنين في الجنوب، خصوصاً في مجالات المياه والكهرباء والصحة والتعليم، بالإضافة إلى المصالحة الوطنية”، مع الأخذ في الاعتبار أن برنامج الأغذية العالمي يقدم المساعدة الغذائية في جميع أنحاء ليبيا في المقام الأول من خلال تسعة شركاء محليين.
ولفت التقرير الإنتباه إلى إن هذا الدور الذي يقوم به برنامج الأغذية العالمي في ليبيا يتشابه مع أدوار موازية في مناطق أخرى بالإقليم، سواء عبر المساعدات الغذائية أو التحويلات النقدية، إلا أنه يواجه مجموعة من العقبات، التي تتمثل في:
نهب مستمر
1- غياب الأمن: الناتج عن سيطرة فواعل عنيفة ما دون الدولة على مناطق واسعة في عدد من بؤر الصراعات، مما يسهل على الميلشيات المسلحة والكتائب المناطقية الاستيلاء عليها، وهو ما تبرهن عليه حالة اليمن، نظراً لوجود القيود المرتبطة بعدم قدرة العاملين في البرنامج على الوصول إلى المناطق التي لاتزال تشهد صراعات محتدمة، إذ أن هناك تقديرات بأن حوالي 16.2 مليون يمني يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وتظل معدلات سوء التغذية بين النساء والأطفال في البلاد من بين أعلى المعدلات عالمياً، حيث تحتاج 1.2 مليون امرأة حامل و2.3 مليون طفل دون الخامسة إلى العلاج من سوء التغذية الحاد.
وفي سياق متصل، أدان برنامج الأغذية العالمي في بيان بتاريخ 25 مايو 2021 نهب وتدمير مخازن المساعدات الإنسانية التابعة له (حوالي 550 طن) في منطقة بيبور الكبرى بجنوب السودان بعد وقوع مواجهات ثأرية مسلحة بين مجموعات محلية أدت إلى تشريد 33 ألف أسرة. وأضاف البيان أن برنامج الأغذية العالمي غاضب من العنف غير المنطقي وسرقة مساعداته الغذائية في قومورك، حيث يعيش الناس على شفا مجاعة، ويحتاجون إلى كل مساعدة يمكنهم الحصول عليها للبقاء على قيد الحياة.
وتابع: “لقد كان الطعام المسروق مخصصاً للأسر الأشد فقراً وجوعاً من الذين فقدوا ماشيتهم وممتلكاتهم الأخرى بسبب أعمال العنف التي لا توصف والفيضانات عير المسبوقة التي ابتلعت منازلهم وأراضيهم”. ودعا برنامج الغذاء العالمي في بيانه جميع الأطراف والجماعات في جنوب السودان إلى احترام العاملين في المجال الإنساني، مؤكداً عمله مع الوكالات الإنسانية الأخرى للمساعدة في تخفيف معاناة شعب جنوب السودان بولاية جونقلي وفي جميع أنحاء البلاد.
خفض المساعدات
2- نقص حاد في الموارد: يعد التمويل المشكلة الجوهرية التي تواجه برنامج الأغذية العالمي، خاصة في ظل تزامنية المعوقات بل بروز تحديات جديدة، مما يستلزم توفير موارد مالية إضافية على نحو ما يكشفه تدهور الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة بعد المواجهات بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، مع الأخذ في الاعتبار انهيار القطاعات الإنتاجية والخدمات الاجتماعية والبنية التحتية في القطاع على مدى سنوات، ولا ترتبط بمواجهات مايو الماضي.
كما أن المساعدات الطارئة تتطلب دعماً مالياً لاستكمال المهمة التي يقوم بها البرنامج. وفي هذا السياق، صرح المتحدث الرسمي باسم برنامج الغذاء العالمي بجنيف في 1 يونيو الجاري تومسون فيري خلال مؤتمر صحافي في جنيف، أن البرنامج التابع للأمم المتحدة وزع مساعدات غذائية طارئة على أكثر من مليون شخص منذ بدء عمليات التوزيع في مارس في مناطق شمال غرب إقليم تيغراي وجنوبه، حيث 5,2 ملايين شخص، أي 91% من سكان تيغراي، بحاجة إلى مساعدة غذائية طارئة بسبب النزاع، موضحاً أن برنامج الأغذية العالمي يطلب 203 ملايين دولار (166 مليون يورو)، لمواصلة تعزيز استجابته في تيغراي من أجل إنقاذ أرواح وتوفير سبل العيش حتى
نهاية العام.
كما أطلق البرنامج نداءاً من أجل الحصول على 31.8 مليون دولار، ليتمكن من مواصلة تقديم المساعدات الغذائية المنتظمة لأكثر من 435 ألف شخص في غزة والضفة الغربية خلال الأشهر الستة المقبلة، وبالإضافة إلى ذلك، قال إنه في حاجة فوراً إلى 14 مليون دولار لدعم المساعدة الطارئة في الأشهر الثلاثة المقبلة لـ160 ألف شخص في غزة و60 ألف في الضفة الغربية، الأمر الذي يشير إلى الضغط المالي الكبير على أداء برنامج الغذاء العالمي.
هذا فضلاً عن أن ارتفاع الأسعار في بعض الدول التي تشهد صراعات مثل اليمن وسوريا يجعل الحصول على وجبات غذائية في غير متناول الكثيرين. وفي هذا الإطار، تشير التقارير الصادرة عن منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) في مايو الماضي، إلى ارتفاع في أسعار المواد الغذائية كالحبوب واللحوم والزيوت النباتية، إذ يعود ذلك إلى تداعيات جائحة كورونا والقيود المفروضة على النقل، وحملات الإغلاق، مما أدى إلى تراجع الإنتاج ويقابله زيادة في الطلب.
تأزم اقتصادي
3- تدهور أوضاع الاقتصاد: أدت التقلبات الاقتصادية التي شهدتها دول الإقليم، في السنوات العشر الماضية، إلى تأزم الاقتصاديات الوطنية، على نحو ما عكسته مؤشرات مختلفة مثل انخفاض قيمة العملات وتراجع حاد في معدلات النمو، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى ارتفاع عدد السكان الذين يحتاجون إلى مساعدات غذائية. فعلى الرغم من أن ليبيا دولة نفطية، يحتاج 1.3 مليون شخص إلى مساعدات إنسانية، في حين يعاني نصفهم من انعدام الأمن الغذائي.
مضاعفات كورونا
4- تأثير جائحة كوفيد- 19: تشكل جائحة كورونا أحد التحديات الرئيسية التي تواجه القائمين على إدارة برنامج الأغذية في مناطق مختلفة من العالم، وبصفة خاصة بؤر الصراعات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب الصحراء، حيث أفرز الوباء عبئاً مضاعفاً. ونظراً لتزايد أعداد الحالات المصابة بالفيروس في دول مثل ليبيا واليمن وسوريا والعراق والأراضي الفلسطينية، يتخذ برنامج الأغذية العالمي وشركاؤه تدابير إضافية لحماية صحة تلك الفئات المستفيدة من دعم البرنامج.

فعلى سبيل المثال، قبل تفشي جائحة كورونا، كان ما يقرب من ثُلث السكان (32.5% أو 1.6 مليون شخص) غير قادرين على تحمل تكلفة شراء الطعام، وترتفع معدلات انعدام الأمن الغذائي بين النساء، وخاصة الأسر التي تعيلها نساء، ولاسيما في قطاع غزة، حيث تبلغ نسبة انعدام الأمن الغذائي 54%. وأدت الجائحة إلى مضاعفة الأعباء، ويعلن برنامج الأغذية العالمي عن توجيه مساعدات لقاطني القطاع بعد كورونا للاستجابة للاحتياجات الإنسانية والغذائية.
كما توجد شراكة بين برنامج الأغذية العالمي والمنظمة الدولية للهجرة ضمن مشروع أوسع للاتحاد الأوروبي تحت مسمى “حماية السكان الأكثر ضعفاً من جائحة فيروس كورونا المستجد في ليبيا”، ويموله الاتحاد الأوروبي بمبلغ مليون دولار، وفي هذا الإطار، قال سفير الاتحاد الأوروبي في ليبيا خوسيه ساباديل في تصريحات صحفية بتاريخ 19 مايو الماضي: “إن توفير الغذاء والدعم الأساسي لهؤلاء الأشخاص الأكثر ضعفاً هو جانب مهم من شراكتنا مع ليبيا للاستجابة لأزمة فيروس كورونا”.
ضرر متزايد
5- ارتفاع عدد المتضررين: الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وهو ما يرتبط باستمرار الصراع في بعض المناطق، مما يؤدي إلى تزايد خسائره المادية والبشرية. فعلى سبيل المثال، وفقاً لتقديرات برنامج الأغذية العالمي، يعاني حالياً نحو 12.4 مليون سوري من انعدام الأمن الغذائي بزيادة قدرها 4.5 مليون شخص عن العام الماضي وحده، الأمر الذي يشير إلى التأثير المتواصل لسنوات الصراع التي تجاوزت العشرة على حياة الفئات الأشد ضعفاً واحتياجاً في البلاد، والإضرار بحالتهم الغذائية ومن بينهم النساء والأطفال.
وفي هذا الإطار، فإن إحدى الدراسات الاستقصائية التي أجراها البرنامج مؤخراً تشير إلى أن بعض الأسر قلصت من عدد وجباتها من ثلاث وجبات إلى وجبتين. كما تبين ارتفاع عدد الأشخاص الذين يشترون المواد الغذائية بالاستدانة، وتلجأ بعض الأسر إلى بيع الأصول والماشية بما يوفر لها دخلاً يساعدها في تحمل أعباء المعيشة. وفي هذا السياق، يقدم البرنامج مساعدات لـ4.8 مليون شخص. كما أنه بحسب استطلاع للرأى أجراه البرنامج والبنك الدولي نهاية عام 2020، أقدمت 35% من الأسر اللبنانية المستجوبة على خفض عدد وجباتها اليومية.

“سلام بالوكالة”:
واختتم التقرير بقوله إن هناك مهاماً رئيسية ملقاة على عاتق برنامج الأغذية العالمي في بؤر الصراعات بالإقليم – كجزء من دوره على المستوى العالمي- وهى تحقيق الأمن الغذائي ودعم الفئات الهشة وتعزيز برامج الحماية الاجتماعية والمساعدة الطارئة للاجئين والنازحين، وتزويدهم بمهارات أفضل لإعادة بناء حياتهم عند عودتهم إلى بلدانهم الأصلية، وهو ما أهله للحصول على جائزة نوبل للسلام في عام 2020، باعتباره من أهم المنظمات الإنسانية في العالم التي تعمل على إنقاذ الأرواح في حالات الطوارئ وتستخدم المساعدات الغذائية لبناء عالم يسوده السلم والاستقرار والتنمية بعد تعافي الأشخاص المتضررة من النزاعات.