أفادت تقارير صحافية بأن باريس تنوي خفض عدد قوتها من 5100 رجل حالياً إلى 3500 رجل مع نهاية العام الجاري، ثم إلى 2500 رجل مع بداية العام 2023، وأن ذلك سترافق مع إغلاق عدة قواعد تشغلها القوة الفرنسية شمالي مالي.
وتستند الفلسفة الماكرونية هذه المرة إلى ما أسماه “بناء تحالف دولي يضم دول المنطقة، والشركاء كافة، تكون مهمته محصورة فقط في محاربة الإرهاب”.
وستعمد باريس، ميدانياً، إلى البدء بإغلاق عدد من القواعد التي تشغلها مع نهاية العام الحالي، وخفض (برخان) بنسبة 30 بالمائة حتى انتصاف 2022، و50 بالمائة بمطلع 2023.
ويعني ذلك تحول (برخان) من قوة عسكرية مهمتها إعادة السيطرة على الأرض، وطرد التنظيمات المسلحة والإرهابية، والمساعدة على عودة الإدارة والخدمات الحكومية، إلى “قوة كوماندوس” تعمل على استهداف التنظيمات الإرهابية، ويكون عمودها الفقري قوة (تاكوبا) المشكلة من وحدات خاصة أوروبية، وقوامها في الوقت الراهن 600 رجل، نصفهم من الفرنسيين الذين يعملون في إطار القوة (سيف).
بالتوازي، سيتم التركيز على تدريب القوات المحلية العاملة، إما على الصعيد الفردي، أو على صعيد القوة الأفريقية المسماة (جي 5) التي تضم وحدات من مالي والنيجر وتشاد وبوركينا فاسو وموريتانيا التي بقي أثرها حتى اليوم ضعيفاً، وهي تحتاج إلى التمويل والتدريب والتسليح.
إفادات لودريان من بوركينا فاسو:
بالسياق عينه، ومن جانبه، أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، مساء الجمعة، من العاصمة البوركينية، واغادوغو، إن الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل الأفريقي سيقوم مستقبلاً على ركيزتين هما التعاون مع الجيوش الأفريقية الموجودة على الأرض، ومواجهة الإرهاب عبر قوة (تاكوبا).
وأوضح لودريان أن الوجود العسكري الفرنسي في المنطقة بالمرحلة المقبلة سيرتكز على محورين من جهة، تعزيز الدعم والتعاون مع الجيوش الأفريقية الموجودة في الميدان، ولكن ذلك سيتم بالتنسيق مع (بعثة الاتحاد الأوروبي في مالي).
وأضاف وزير الخارجية الفرنسية أن المحور الثاني هو تعزيز محاربة الإرهاب بكافة أشكاله من خلال قوة (تاكوبا)، لصيرورتها عاموداً فقرياً لهذه الحرب.
إنعكاس لهشاشة الداخل الفرنسي قبيل “رئاسيات 2023”:
قرار ماكرون مرتبط من حيث الميقات المختار، بالقمة مع الرئيس الأميركي جو بايدن، وتبادل ورقة مالي بورقة لبنان- إيران على ما يبدو، ولكن في العمق، لا يمكن فصله عن (مدرك) سيد الإليزيه بإخفاقه في وقف تقدم التنظيمات المسلحة في المستعمرات الفرنسية السابقة.
ومع ذلك، فإن باريس لا يمكنها ترك منطقة استراتيجية لمصيرها، في ظل وجود حكومات ضعيفة وجيوش غير قادرة على مواجهة تقدم التنظيمات المسلحة.
وفي جهة أخرى، قرار خفض القوات لا يمكن فصله عن الاعتبارات الداخلية للسياسة الفرنسية، واقتراب الاستحقاق الرئاسي ربيع العام الطالع، والذي سيخوضه ماكرون للفوز بولاية جديدة.
ويعزز هذه الرؤية، أن ما يزيد على نصف الفرنسيين، – وفق آخر استطلاعات الرأي- يعارضون استمرار (برخان) بشكلها الراهن، فيمَ كان مسؤولون فرنسيون يتحدثون عن تكاليف بشرية ومادية باهظة للحرب على الإرهاب في مالي، ويعلنون بين الفينة والأخرى نيتهم الانسحاب، بيد أنهم في النهاية رفعوا عدد جنودهم من 3500 رجل عام 2013. ليصل في العام 2020 إلى أكثر من 5100 رجل.
ونجح الفرنسيون في تصفية عشرات القادة البارزين في «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، من أبرزهم أمير التنظيم عبد المالك دروكدال.
وبين البقاء والانسحاب الكامل، اختار الرئيس الفرنسي صيغة يمكن وصفها الوسطية ، صيغة تتحول من خلالها مهمة محاربة الإرهاب إلى عملية فرنسية – أوروبية – أفريقية من جهة، وبالتوازي يتم التركيز على دعم القوات الأفريقية.