أفادت مصادر مطلعة من داخل الأوساط التفاوضية بأن حجر العثرة في إتمام الهدنة ووقف إطلاق النار ليس تعنت رئيس الوزراء نتنياهو وحسب، ولكنه أيضاً، حركة حماس نفسها، وصرح مصدر مطلع لموقعنا بأن حركة المقاومة الإسلامية تتفاوض على إخراج سجنائها وحدها بأعداد كبيرة مقابل عدد صغير جداً من الرهائن الإسرائيليين 300 مقابل 40، إذن، لا أحد من الطرفين يريد إتمام صفقة التبادل ولا حدوث الهدنة، ولا بالطبع إنهاء الحرب، وهو الأمر الذي دفعنا إلى فتح جزء من الملفات المسكوت عنها منذ السابع من تشرين الأول، ومنها على سبيل المثال وليس حصراً شعبية حركة حماس على الأرض في قطاع غزة.
أجرى الباروميتر العربي – وهو شبكة بحثية تشارك في استطلاعاتها شبكات إقليمية– استطلاع رأي في غزة والضفة الغربية قبل أيام من اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس.
لتكشف النتائج نقيضاً مغايراً فكرة دعم حماس، فغالبية سكان غزة أعربوا عن مشاعر الإحباط من عدم فعالية الجماعة المسلحة في إدارة شؤون القطاع، مع تعرض الناس لمصاعب اقتصادية كبيرة، وأن أغلب سكان غزة لا يعتبرون أنفسهم متفقون مع أيديولوجية حماس أيضاً. إذ أن أغلب المبحوثين أعربوا عن تفضيل حل الدولتين، مع وجود دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل.
سكان غزة لم تكن لديهم ثقة كبيرة في حكومتهم التي تقودها حماس. وعندما طُلب منهم تحديد مدى الثقة التي لديهم في سلطات حماس، قال عدد كبير من المبحوثين (44%) إنهم لا يثقون في حماس على الإطلاق؛ وكانت عبارة “ليس هناك الكثير من الثقة” من أكثر الإجابات شيوعًا بنسبة 23%.
وفي السياق عينه، قال 72% إن هناك قدرًا كبيرًا (34%) أو متوسطًا (38%) من الفساد في المؤسسات الحكومية، واعتقدت أقلية أن الحكومة تتخذ خطوات حقيقية لمعالجة المشكلة.
الاستطلاع المذكور، أُجريت مقابلاته بين 28 أيلول/ سبتمبر 2023 و6 تشرين الأول أكتوبر2023، حيث شارك فيها 790 شخصًا في الضفة الغربية و399 شخصًا في غزة، وتم الانتهاء من المقابلات في غزة في 6 تشرين الأول/أكتوبر أي قبل بدء الحرب.
وعندما سئلوا كيف سيصوتون إذا أجريت انتخابات رئاسية في غزة وشارك في الاقتراع إسماعيل هنية، زعيم حماس، ومحمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، ومروان البرغوثي، عضو اللجنة المركزية لفتح، المسجون، وهو الحزب الذي يقوده عباس، قال 24% فقط من المشاركين في الاستطلاع إنهم سيصوتون لهنية، كما عزا المشاركون من سكان غزة نقص الغذاء إلى مشاكل داخلية وليس إلى العقوبات الخارجية. ً (31 بالمئة) من المشاركين في الاستطلاع حددوا سوء الإدارة الحكومية باعتباره السبب الرئيسي لانعدام الأمن الغذائي في غزة وألقى 26 بالمئة اللوم على التضخم. وألقى 16% فقط باللوم على العقوبات الاقتصادية المفروضة من الخارج.
وكان من المثير للاهتمام كذلك في نتائج ذلك الاستطلاع أن، الإجابات والنتائج أشارت على نحوٍ جلي إلى أن سكان غزة يرغبون في التغيير السياسي، وبالسياق عينه، اعتقد 68% أن الحق في المشاركة في الاحتجاج السلمي غير مضمون أو مضمون فقط إلى حد قليل في ظل حكم حماس، اختار 27% فقط من المبحوثين حماس كحزبهم المفضل، وهي نسبة أقل بقليل من نسبة الذين فضلوا فتح (30%)، الحزب الذي يقوده عباس والذي يحكم الضفة الغربية. وتراجعت أيضًا شعبية حماس في غزة، إذ انخفضت من 34% في استطلاع العام 2021.
أما بعد السابع من تشرين الأول، فقد اعتقد كثير من المراقبين أن تعطي الحرب الدائرة زخماً للمقاومة وللحركة في القطاع المنكوب، لكن الاستقصاء على الأرض بين إلى حد كبير ما هو عكس ذلك، إذ تُباع المساعدات في أسواق غزة بأثمان باهظة وقالت (ر.م) وهي أم لطفلين نازحة من شمال القطاع: ” نشتري الطحين (الدقيق) بأموال كثيرة، ولا نستطيع الحصول على المساعدات إلا عبر شرائها من الدكاكين بالغالي”، ولم تختلف شهادات الأهالي في هذا الصدد، فالمعاناة تزداد داخل المناطق المنكوبة باستغلال التجار، وحماس تترك الأهالي نهباً للجوع وليس فقط القصف والموت.
واللافت كان أن الحركة المسلحة التي تدير القطاع منذ العام 2007 باتت تساوم مؤيديها وأعضائها بين رواتبهم وبين أن يذهبوا إلى الجنوب على الحدود مع مصر، وإذا أُصيبوا، تتركهم دون دواء، وفي المقابل تنفي الحركة التقارير الاستقصائية حول الثروات المتزايدة لأعضائها الفارين مع أبنائهم خارج القطاع، وهو الموضوع الذي سنفرد له الجزء الثاني من هذا التقرير.