معاهدة لوزان الثانية، تلك المعاهدة التي تسببت بتقليصٍ جغرافيا الدولة التركية الحديثة، وإلزامها بالتنازل عن مساحات كبيرة كانت تابعة لها إبان حكم آل عثمان، لم ينساها الأتراك، خاصة من غير الأتاتوركيين.
لهذا، لم يكن غريباً تطرق إردوجان للمسألة، في غير مناسبة منذ اجتماعه بالمخاتير الأتراك في العام2017، لايصال رسالةٍ تاريخيةٍ وسياسيةٍ إلى الخارج قبل الداخل، باهتمام تركيا بالتخلص من آثار الاتفاقية واستعادة حقوقها، التي أخذتها دون وجه حق دول الحلفاء -من وجهة نظر أنقرة -.
تأسست الجمهورية التركية الحديثة؛ بناءً على معاهدة لوزان 1923، والتي تم إبرامها مع الحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الأولى، وهم: المملكة المتحدة (بريطانيا)، وإيرلندا، وفرنسا، وروسيا، وايطاليا.
وتضمنت 143 مادة موزعة على 17 وثيقة ما بين اتفاقية وميثاق وتصريح وملحق، وتناولت ترتيبات الصلح بين الأطراف الموقعة على المعاهدة، وإعادة تأسيس العلاقات الدبلوماسية بينها “وفقاً للمبادئ العامة للقانون الدولي”.
وقد وضعت بريطانيا عدة شروط بحق الدولة العثمانية، اذ تم إلغاء الخلافة، ونفي الخليفة وأسرته خارج تركيا، ومصادرة جميع أمواله، ومنع تركيا من التنقيب عن البترول واعتبار مضيق البسفور الرابط بين البحر الأسود وبحر مرمرة، ثم إلى البحر المتوسط ممرا دوليا لا يحق لتركيا تحصيل رسوم من السفن المارة فيه.
وبحلول العام 2023، تنتهي مدة المعاهدة التي يكون قد مر عليها مائة عام، ومن هنا تفهم تصريحات إردوجان بشأن دخول تركيا عهد جديد، ستشرع خلاله في التنقيب عن النفط، وحفر قناة جديدة تربط بين البحرين الأسود ومرمرة تمهيدا للبدء في تحصيل الرسوم من السفن المارة.
أهم نتائج معاهدة لوزان الثانية:
• ترسيم حدود امبراطورية الخلافة العثمانية والتي أسست لقيام الدولة التركية القومية الحديثة بقيادة مصطفى كمال أتاتورك، وعاصمتها أنقرة.
• وضع قوانين لاستخدام المضايق المائية التركية وقواعد المرور والملاحة فيها زمن الحرب والسلم، ونصت على شروط الإقامة والتجارة والقضاء في تركيا، وإعادة النظر بوضعية الدولة العثمانية ومآل الأراضي التي كانت تابعة لها قبل هزيمتها في الحرب العالمية الأولى خلال 1914-1918.
• تخلي تركيا عن السيادة على قبرص وليبيا ومصر والسودان والعراق وبلاد الشام، باستثناء مدن كانت تقع في سوريا مثل أورفا وأضنة وغازي عنتاب وكلس ومرعش، وبتنازل الدولة العثمانية عن حقوقها السياسية والمالية المتعلقة بمصر والسودان اعتبارا من نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1914.
• نصت على استقلال جمهورية تركيا، وحماية الأقلية المسيحية الأرثوذكسية اليونانية بتركيا والأقلية المسلمة باليونان، وألزمت الحكومة التركية بالمحافظة على حياة جميع المواطنين وحقوقهم وحريتهم ضمن أراضيها، وبمساواتهم أمام القانون بغض النظر عن الأصل والقومية واللغة والدين، إلا أن معظم السكان المسيحيين في تركيا والسكان الأتراك في اليونان كانوا قد طـُردوا حسب معاهدة تبادل السكان اليونانيين والأتراك السابق توقيعها بين اليونان وتركيا.
• موافقة تركيا رسمياً على خسارة قبرص (التي كانت مؤجرة للإمبراطورية البريطانية إثر مؤتمر برلين في 1878، ولكنها ظلت قانونياً أرضاً عثمانية حتى الحرب العالمية الأولى).
• ترك مصير مقاطعة الموصل ليتحدد عبر عصبة الأمم، ويؤكد مؤرخون، أن الموصل عربية سيطر عليها العرب منذ 641م، وأصبحت المدينة عاصمة دولة سلجوقية أواخر القرن الحادي عشر، لكنها شهدت أوج ازدهارها في القرن التالي، ولاحقاً استولى عليها المغول ونهبوها عام 1262، ثم انتقلت إلى سيطرة الفرس ثم العثمانيين.
وفي 1918 ضمت بريطانيا العظمى هذه المنطقة الغنية بالنفط إلى العراق خلال فترة الانتداب البريطاني، فيما أرادت فرنسا ضمها إلى سوريا التابعة للانتداب الفرنسي، ورغم احتجاج تركيا اعترفت عصبة الأمم بهذا الضم عام 1925، أي أنه بالأصل والقانون لا علاقة لتركيا اليوم بالموصل.
المعاهدة على صفيح ساخن بين إردوجان وأوروبا:
في العام 2016، نشر موقع صحيفة تركية مناصرة لحزب العدالة والتنمية خريطة لتركيا تضم أجزاء من العراق وسوريا وبلغاريا، فيما ألمح إدوجان إلى أن الموصل وكركوك وأربيل جزء من الأراضي التركية.
الخريطة التي نشرتها “صحيفة ديليليش” التركية، المؤيدة لإردوجان، ضمت كركوك، والموصل، وأربيل، من دولة العراق، وحلب، وإدلب، والحسكة، من الدولة السورية، وأجزاء من بلغاريا، وأرمينيا، بينما أسقطت الخريطة اسم فلسطين المحتلة مستبدلة إياه بإسرائيل، مما أثار اللغط والتساؤل سيما مع إشتراك القوات التركية فيما سُمي إبان ذلك، بما سُمي “معركة تحرير الموصل”، ومن بعدها “عملية تحرير حلب”.
واليوم، معاهدة لوزان الثانية على طاولة النقاش، اذ بدأت المخاوف من انقضاء مدتها تتصدر الكثير من الحوادث، وربط ذلك بمحاولة الانقلاب الفاشلة على اردوجان في منتصف 2016.
ويرتبط قرب انتهاء الاتفاقية بالتوتر السياسي بين تركيا وبعض دول الاتحاد الأوروبي، إذ يدفع مراقبون بالتساؤل عما إذا كان يوجد في القانون الدولي مادة تنص على صلاحية المعاهدات الدولية 100 عام فقط؟، مشيرين إلى أن إردوجان يروج إلى أن ألمانيا ألغت معاهدة في الثلاثينيات بعد 20 عاماً من توقيعها، ومن ثم فإن العام 2023، قد يأتي بمطالبة تركيا بالإرث العثماني، وبالتالي حروب كبيرة.
ولعل ما أحيا تلك التكهنات رسائل إردوجان المتكررة حول 2023، فالمفترض أنه ” عام الانتخابات”، غير أنه، وفيمَ يبدو أراد ” السلطان” بدء بروباجندا كسب الاصوات باكراً، فهو يطالب بمراجعة اتفاقية لوزان الثانية، الموقعة عام 1923، والتي تم على إثرها تسوية حدود تركيا الحديثة عقب الحرب العالمية الأولى.
ويرى وجوقته إن خصوم تركيا أجبروها على توقيع “معاهدة سيفر” عام 1920، وتوقيع “معاهدة لوزان” عام 1923، وبسبب ذلك تخلت تركيا لليونان عن جزر في بحر إيجه.
ويصف في السياق عينه؛ معاهدة سيفر، بانها الشوكة الأولى في الظهر العثماني، لأنها أجبرتها على التنازل عن مساحات شاسعة من الأراضي التي كانت واقعة تحت نفوذها.
ومع قرب انتهاء المعاهدة أيضاً، أصبح الترويج المتكرر لتلك الرسائل، سبباً في التوتر السياسي بين تركيا وبعض دول الاتحاد الأوروبي، بعد مرور مائة عام على توقيعها، خاصة مع تداول خرائط عبر مواقع تركية تضم الموصل وحلب وكركوك، وأجزاء من أوروبا كانت تحت السيطرة العثمانية قبل لوزان 2، وقنوات على مواقع التواصل تروج لحصول نازحين سوريين على الجنسية التركية وعودتهم لأصولهم، وبذلك، فإن أنقرة تهدد العالم بأن يشهد حقبة جديدة من الغزو والإحتلال، بحلول 2023.