200 يوم قبل الإنتخابات الليبية…والإنقسامات تتصدر المشهد بحكومة دبيبة


74يوماً مرت على تأليف حكومة الوحدة الوطنية الليبية في آذار الماضي، وقد عُدت هذه خطوةٌ نحو توحيد المؤسسات، على أساس من الثقة المتبادلة بين الأفرقاء الليبيين بمختلف الأقاليم، ومع ذلك، فلا تزال التحديات الجسام تعصف بعملية تنفيذ بنود خريطة الطريق التي أقرها ملتقى الحل السياسي بإشراف المنظمة الأممية، ودعم إقليمي، ورحب بها الشعب الليبي كنقطة ارتكاز لتجاوز أزمة سنوات الفوضى العِجاف منذ 2011، لما خلفته من انقسامات وشروخ في النسيج الاجتماعي وانهيار مؤسسات الدولة وانتهاك سيادتها، واستنزاف إقتصادها ومواردها خاصة النفط.
وذلك تحت مظلة عدد من المعطيات التي يمكن وصفها بالسلبية الشديدة، من استمرار مناورات قوى الإسلام السياسي ونفوذ الميليشيات ودعم إجلاء القوات الأجنبية والمرتزقة، وفشل المجتمع رغم قراراته المعلنة وجهوده المبذولة في حسم الموقف.
إنشقاقات حادة تكتنف ملفات رئيسة:
على قاعدتي الأمن والإقتصاد، عصفت الإنشقاقات بحكومة عبد الحميد الدبيبة، وبصدد المسألة الأمنية، مازال ملف القوات الأجنبية والمرتزقة يُراوح مكانَه رغم قرار اللجنة العسكرية المشتركة في الثالث والعشرين من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي (2020)، وما تلاه من قرارات أممية وضغوط دولية، وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في تقرير قدّم الأسبوع الماضي إلى مجلس الأمن، إنّ ليبيا لم تشهد أي خفض في عدد المقاتلين الأجانب أو أنشطتهم.
وفيما كانت الأمم المتحدة قد قدرت عدد المسلحين الأجانب على الأراضي الليبية بـ20 ألف مسلح، تحاول أطراف داخلية وفي مقدمتها قوى الإسلام السياسي، -و(إخوان ليبيا) التي غيرت اسمها واستراتيجيتها للتعامل مع المرحلة الجديدة-، تهميش الملف وشن حملات معادية ضد كل مَن ينادي بضرورة إجلاء القوات الأجنبية والمرتزقة، بمن في ذلك وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش التي تعرضت لهجوم عنيف من قبل جماعة الإخوان وميليشيات غربي البلاد، في تصريحات التي طالبت خلالها، بخروج مرتزقة فاغنر والجنجويد والقوات الأجنبية من بلادها، وذلك خلال لقائها مسؤولين على معبر التوم الحدودي مع النيجر أثناء زيارتها له في التاسع من الشهر الجاري، وفق ما نشره موقع وزارة الخارجية.
وأوضحت المنقوش: “عانينا في ليبيا كثيراً من عبور الجماعات المسلحة بجنسياتها المختلفة لحدودنا وتوظيفها من أطراف الصراع الليبي”.
وأضافت: “طالبنا مراراً وتكراراً هذه الدول (لم تسمها) بمساعدتنا لضبط رعاياها والوصول لحلول في بلدانهم تقينا وتقيهم شرور الحرب”، داعية تلك الدول للتعاون “من خلال خطة زمنية ستضعها لجنة 5+5 بإشراف أممي”، وفي جهة أخرى، أفادت المصادر أن عدم الانتهاء من الترتيبات الأمنية وتوحيد المؤسسة العسكرية وإنهاء كافة النقاط الخلافية المتعلقة بالقوات المسلحة هو السبب الرئيسي في الخلاف الحالي، خاصة أن الحكومة لم تقم بالمهام الواجبة تجاه الملف حتى الآن، ولم تكن لدى سلطات مطار بنينا معلومات مسبقة عن القيادات الأمنية التي أوكلت لها مهمة تأمين أعضاء الحكومة خلال وصولهم للشرق.
المصادر البرلمانية أكدت أيضاً أن سلطات مطار بنينا رفضت هبوط طائرة على متنها قادة من الكتائب المسلحة من الغرب جاءت لتأمين اجتماع حكومي أواخر (نيسان/ أبريل الماضي)، وهو ما رفض من جانب الجهات الأمنية في الشرق.
أحد أبرز الأسباب الأخرى للشقاق الجكومي، تمثلت في اصطحاب رئيس الحكومة الدبيبة لرئيس أركان الحكومة السابقة محمد الحداد، وتقديمه على أنه رئيس أركان الحكومة، رغم أن الاتفاق السياسي بجنيف أكد على ضرورة توحيد قوات الجيش، عبر المشاورات للجنة (5+5)”، وهو ما رفضه النواب والجانب العسكري في الشرق الليبي رغم عدم إعلانه ذلك.
وورود تصريحات أخرى جاءت على لسان رئيس الحكومة قال فيها إن بنغازي يجب أن تعود إلى حضن الوطن، وهو الأمر الذي أثار ردود فعل غاضبة في كل الشرق الليبي، مما حدا بالمراقبين أن خلصوا إلى أن عملية المحاصصة التي شكلت عليها الحكومة الحالية كان نتيجتها عدم التجانس، وأن حكومة الدبيبة لم تعمل على إنجاز ملف توحيد المؤسسة العسكرية وحل المليشيات، وهو ما أدى إلى الاعتراض على نزول بعض العناصر الأمنية إلى مطار بنينا.

والموازنة معطلة أيضاً…
فمع اقتراب منتصف العام، لا تزال ميزانية 2021 تواجه مشكلة عدة التصديق عليها، بعد أن رفضها مجلس النواب في العشرين من نيسان/أبريل الماضي، وأعادها إلى حكومة الوحدة الوطنية للنظر في الملاحظات الواردة بشأنها من قبل لجنة المالية، ثم أعادتها الحكومة بصيغتها المعدلة إلى البرلمان في الثاني من آيار/مايو الجاري، ولكن العراقيل لا تزال مستمرة، وهو ما حال دون تحديد موعد لعقد جلسة جديدة لمناقشة الميزانية والتصديق عليها حتى تنطلق الحكومة في تنفيذ التزاماتها المالية.
وختاماً، فإن سوء التنسيق هو ما يقف وراء المشكلات الحالية، خاصة أن حكومة الوحدة الوطنية لا تحتاج إلى إذن وصول، ويفترض أنها تتحرك في نطاق التراب الليبي بشكل كامل، وبقول آخر، يظل العوار المحيط بالجانب الأمني الذي لم يصل إلى محطة توافق وتنفيذ ما اتفق عليه حتى الآن سبباً أيضاً، وعليه، فإذا لم يراوح الملف الأمني مكانه الحالي، فربما يسبب ذلك تفاقم الأزمة، خاصة في ظل عدم التوافق الكلي حتى الآن على مغادرة المرتزقة، وهو ما قد يحول دون إجراء الانتخابات المقررة وبالتالي العودة إلى الخلاف مرة أخرى بين الشرق والغرب، والعودة إلى المربع صفر في بناء دولة ليبية على قاعدة المؤسسية والوحدة.