أزمة الحرب على غزة ( آيار 2021) تكشف حقيقة كيف ترى الدول العربية القضية الفلسطينية

بوساطة مصرية، دخل وقف إطلاق النار بقطاع غزة حيز التنفيذ، منذ الثانية صباحاً، وذلك بعد 11 يوماً من هجمات إسرائيلية وُصفت بأنها الأعنف منذ عام 2014، وكما كشف عنف القصف عن وحشية الإحتلال، التي أسفرت عن حصيلة جديدة من الضحايا المدنيين بالقطاع -منهم حسب تقارير الأمم المتحدة 65 طفلاً وتشريد آلاف- ، أظهر أيضاً، انقسام الدول العربية والإسلامية حيال ما حدث، حيث اكتفى بالشجب والبيانات الرنانة، مَن اكتفى، وواصل قادة حماس وعلى رأسهم إسماعيل هنية استخدام الأبواق من الدوحة، فيمَ كانت هناك تحركات حقيقية للحلحلة وصولاً للهدنة التي تحققت.


هذا وقد حاولت القضية الفلسطينية، الصمود تحت مظلة قرارات الشرعية الدولية، من خلال استحواذها على الاهتمام العربي والأوروبي لثلاثة عقود.
إلا أنه ورغم الجولات المكوكية للحكام العرب والمحورية لدول أوروبا عبر مبادرات عدة، باءت معظم جهود تسويتها بالفشل، فيمَ نجح بعضها بشكل جزئي، مثل أوسلو 1، 2 في 1993، 1995 على التوالي، والمبادرة العربية 2002.
هنا، يمكن القول بأن ثمة تحديات عدة وقفت كحجر عثرة أمام تسوية القضية الفلسطينية التي تأخر ترتيبها على الأجندة العربية، لأسباب مبتداها الإنقسام الفلسطيني- الفلسطيني، مروراً بتفكك الدول الوطنية في ظل ما عُرِف بالربيع العربي، إنتهاءاً بقاطرة التطبيع التي قادها الرئيس الأمريكي ترامب خلال ولايته الثانية، وهو الأمر الذي مصالح عديد من الدول العربية والإسلامية مع إسرائيل- لاسيما الإقتصادية والعسكرية- متقدمة على مصلحة القضية، وعملية السلام التي تجمدت لسنوات.
استمر الوضع على هذا المنوال، حتى الثامن من آيار/مايو الجاري، حيث تداول العالم ما حدث في حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية، الواقع خارج أسوار البلدة القديمة مباشرة بالقرب من باب العامود الشهير، حيث يعيش الفلسطينيون في منازله منذ خمسينيات القرن الماضي، بينما يزعم المستوطنين اليهود أنهم اشتروا الأراضي، بشكل قانوني، من جمعيتين يهوديتين اشترتا الأرض منذ أكثر من 100 عام، فى المنطقة التى تضم العديد من المنازل والمباني السكنية الفلسطينية بالإضافة إلى الفنادق والمطاعم والقنصليات.
وتعد دعاوى الملكية التى رُفعت ضده وآخرين في حي الشيخ جراح وحي بطن الهوى نقطة محورية لخطط زيادة عدد المستوطنين في القدس الشرقية التي احتلتها إسرائيل في حرب حزيران/يوليو 1967.


وعلى مدار الأيام ما قبل 8 آيار/ مايو، استمرت المواجهات فى محيط حى الشيخ جراح وشوارع القدس المحتلة ، وكانت ذروتها في السابع من مايو، حيث وصلت حصيلة الضحايا من الشباب والمواطنين الفلسطينيين أكثر من 220 جريحا ، وهو الأمر الذى أدانته المنظمات والأطراف الدولية الفاعلة وعلى رأسها ، الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وكذلك الولايات المتحدة، وجامعة الدول العربية والدول العربية والإقليمية كافة، ودعا الجميع إلى وضع حد لهذا التصعيد الإسرائيلي بحق المواطنين الفلسطينيين العزل.
وفي خضم 10 أيام تالية من المواجهات والقصف، كان من الممكن أن يظل التخاذل، والبيانات المستهلكة سيد الموقف بالنسبة للدول العربية، والإسلامية، لولا تحرك القاهرة، التي ظلت القضية الفلسطينية، قضية مركزية بالنسبة لها منذ عقود، رغم الإتهامات المتكررة بأنها تنازلت عن القضية، أو أنها تحاصر الفلسطينيين بغلق المعابر، وما إلى ذلك من إدعاءات الجماعات الإرهابية والدول الداعمة لها.
وفي الأزمة الحالية، بذلت مصر العديد من الجهود لوقف إطلاق النار، لتجنب المزيد من العنف، وحقن دماء المدنيين الأبرياء من أبناء الشعب الفلسطيني، فضلاً عن تقديمها 500 مليون دولار لإعادة إعمار غزة، في مبادرة خصصها الرئيس المصري لصالح عملية إعادة الإعمار في قطاع غزة، نتيجة الأحداث الأخيرة، على أن تشارك الشركات المصرية المتخصصة في تنفيذ عملية إعادة الإعمار، فضلاً عن فتح المعابر لنقل المصابين، وإيفاد الأطباء وعربات الإسعاف.
بعبارة أخرى، قامت القاهرة بخلق مسارات متوازية، لتعامل مع الأزمة، بل وإدارتها وهي المسار التفاوضي من خلال لعب دور الوساطة بين الفلسطينيين، والإسرائيليين، ومسار المساعدات والإغاثة الإنسانية، بل ومسار إعادة الإعمار بعد تشريد نحو 75 ألف فلسطيني في غضون 11 يوماً.

هذا ما فعلته القاهرة


هذا ما فعلته القاهرة، فيمَ أحاط الضعف مواقف عديد من الدول العربية والإسلامية، كان أبرزها دول التطبيع الخليجي الرسمي مثل الإمارات، والذي أُجري في آب/ أغسطس 2020، وغير الرسمي كقطر والسعودية، إذ اكتفوا ببيانات الشجب والإستنكار، بل وجدت أبو ظبي ما حدث مناسبة جيدة لترويج اتفاقيتها مع الإسرائيليين على أنها خطوة في مسار تسوية القضية الفلسطينية، وهو ما يعد تضليل صريح لوعي الشعوب العربية، وليس المواطنين في الإمارات فحسب.
وعلى غرار ذلك، استضافت الدوحة اسماعيل هنية هارباً من غزة ومتاجراً بقضيتها، فيمَ اتهم سعوديون دولاً مثل مصر والأردن بالتطبيع، واستمرت المزايدات خاصة على مواقع التواصل في هذا الصدد معززة الإنقسام.
أما عن تركيا، فقد عمد الرئيس إردوغان كدأبه إستخدام النهج البراجماتي والمتاجرة بدماء الفلسطينيين كما فعل منذ قضية أسطول الحرية (2012).
ويستخدم الرئيس التركي القضية الفلسطينية كأداة لزيادة شعبيته المنخفضة بفعل السياسات القمعية والأزمة الإقتصادية، فبينما عمد إلى إقتراح تشكيل لجنة دولية لإدارة المقدسات في القدس، ظلت علاقات بلاده مع تل أبيب قوية إقتصادياً وعسكرياً، حيث تؤكد البيانات الرسمية الصادرة عن معهد الإحصاء التركي (TUIK) وجمعية المصدرين الأتراك والبنك المركزي (CBRT) أن العلاقات الاقتصادية وحجم التبادل التجاري بين تركيا وإسرائيل لم ينقطعان، بل على العكس يزداد، ويقابله أيضا تصاعد في حجم الاستثمارات المباشرة المتبادلة بين البلدين.
وفي عام 2020 صدّرت تركيا 4.7 مليار دولار إلى إسرائيل. وبهذا الرقم احتلت الأخيرة المرتبة التاسعة بين الدول التي تصدر لها تركيا أكثر من غيرها.
وفي الأشهر الأربعة الأولى من عام 2021 ارتفعت صادرات تركيا إلى إسرائيل إلى مليار و851 مليون دولار، بزيادة قدرها 35 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وأصبحت إسرائيل الدولة الثامنة لصادرات تركيا في هذه الفترة.
ومن ثم، فكلمة السر في المواقف الركيكة، سواء للخليجيين أو الأتراك، هي حفاظ على المصالح الإقتصادية والعسكرية مع إسرائيل، فليس مستبعداً، أن يكون التطبيع رسمياً، لعدد جديد من الدول التي لم تقدم بعد، على هذه الخطوة، بينما ستظل مصر هي الداعم الحقيقي بالأفعال وليس الأقوال والتاريخ والحاضر خير شاهدين.