وسط أزيز الرصاص ودوي القنابل، نشطت “كتائب الظل” لتزيد المعارك بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” اشتعالا؛ بغرض تأزيم الموقف، ومن ثم التمهيد لعودة النظام الإخواني السابق (المصنف إرهابيا في عدة دول) إلى سدة الحُكم تارة أخرى.
استهدافات واغتيالات يقف وراءها مجهولون وحرائق تطول الأسواق والمصانع والمنشآت التجارية الخاصة بالطبقة الرأسمالية الوطنية، وجه محللون أصابع الاتهام فيها إلى “كتائب الظل”، مؤكدين أنها تعتمد أيضا على خلق حالة أقرب للطوارئ بافتعال الأزمات التي مددت عمر نظام حكمهم نحو 30 عاما.
معركة مصيرية
وبحسب الكاتب والمحلل السياسي، محمد المختار، فإن “هذه الحرب تمثل لكتائب الظل معركة مصيرية وفاصلة لذلك يستنفرون كل قواتهم وإمكانياتهم لعدم توقفها، ويظهر ذلك جليا في خطاباتهم الإعلامية ومنصات التواصل الاجتماعي”.
قال المختار إن “هؤلاء يسعون إلى إشعال الحرب والنفخ فيها باستمرار وهم ضد إيقاف الحرب وضد الهدنة الإنسانية وضد أي اتفاق لوقف إطلاق النار والسير بالعملية السياسية إلى الأمام وتشكيل حكومة مدنية”.
وأضاف: “هذا الأمر بشكل تلقائي يخرجهم من المعادلة ويعيد مسار العملية السياسية التي كانت لديها 5 ملفات وأهم ملفين منهما هما ملف تفكيك التمكين وملف الإصلاح الأمني والعسكري الذي سيضرب آخر وجود للنظام البائد في مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية، بالتالي هم يحاولون قطع الطريق أمام أي سير في هذا الاتجاه لكي يظلوا في المعادلة حتى لو أدى ذلك إلى الحرب الأهلية وإلى أسوأ من ذلك”.
افتعال أزمات
ووفق خبير في الجماعات الإسلامية، فضل عدم ذكر اسمه، فإن “كتائب الظل”، تنتشر بكثافة في أوساط المجتمع والطلاب، ولديها تسليح جيد من أجل تنفيذ الاغتيالات السرية والتخريب واقتحام المنازل واعتقال المعارضين.
وأوضح أن “كتاب الظل” تعتمد على خلق الأزمات في السلع الضرورية، وإشاعة الفوضى والحروب في دارفور (غرب) والنيل الأزرق (جنوب شرق) وجنوب كردفان (جنوب)، من أجل تعقيد الأوضاع الإنسانية على الأرض.
وأشار إلى أنها تعتمد أيضا على خلق حالة أقرب للطوارئ بافتعال الأزمات التي مددت عمر نظام حكمهم نحو 30 عاما.
من هي كتائب الظل؟
“كتائب الظل” يقصد بها أذرع تنظيم الإخوان السرية والعسكرية والشرطية والأمنية التي تم تشكيلها منذ عام 1976، لها عشرات الأسماء والتصنيفات العلنية والسرية وشبه العسكرية، وتتضمن ألوية وكتائب تتجاوز أعدادها 100 ألف عنصر.
ويمكن تصنيفها إلى 4 أقسام، الأول جهاز الأمن الشعبي، الذي أسسه حسن الترابي، والثاني قوات “الدفاع الشعبي”، وأبرز كتائبه “الدبابين” المتخصصة في الاغتيالات وملاحقة المعارضين السياسيين.
أما الثالث فهو “ألوية الدروع” التي انتشرت في الولايات السودانية، واعتمدت المزج بين العناصر القبلية ومتقاعدين عسكريين وأمنيين سابقين، أبرزها “قوات درع الوطن”.
والرابع “الأمن الطلابي” الذي تم تسليحه وتمويله لقمع الاحتجاجات الطلابية بشكل أساسي، والمشاركة في قمع الاحتجاجات في البلاد بشكل عام، وتنسب له الكثير من الفظائع الممثلة في قتل الطلاب وإلقاء القبض عليهم وسجنهم في معتقلات خاصة بهم داخل الجامعات.
تمكين وترهيب
“كتائب الظل” تم غرسها في الأجهزة الأمنية السودانية منذ سبعينيات القرن الماضي، ضمن سياسة التمكين التي تنتهجها جماعة الإخوان، لحماية مصالحها وضمان استمراريتها في الحكم، وتغلغلت هذه الكتائب في مختلف أجهزة الدولة وخاصة المخابرات وكافة قطاعات الأجهزة الأمنية وباتت تمثل الدولة العميقة في السودان واستغلت أيضا التقسيمات العقائدية والقبلية لتغزي انتشارها في السودان.
قرار بالحل ولكن
في أعقاب سقوط نظام عمر البشير الإخواني، قرر المجلس العسكري الانتقالي حلها، ولكن نظرا لتشعبها وتغلغلها وإمكانياتها المادية والبشرية، لم تكن تلك الإجراءات ذات تأثير عليها، إذ سرعان ما أعادت تنظيم نفسها تحت أسماء وتنظيمات جديدة.
قامت تلك الكتائب بعرقلة المرحلة الانتقالية ودقت الأسافين بين أجهزة الدولة والجيش، وسقط السودان في حبائل مؤامراتها في الحرب الدائرة التي تحرق السودان حاليا.
البداية في السبعينيات
نشأت فكرة كتائب الظل في السودان بعد دخول نظام الجبهة الإسلامية القومية في السلطة، إثر المصالحة الوطنية مع الرئيس الأسبق جعفر النميري في عام 1977.
وبحسب مراقبين لأنشطة الجماعات الإسلامية في السودان، فقد بدأ الأمن الشعبي كجهاز سري من الحركة الطلابية في عام 1983، ثم انتقل بعد ذلك إلى مختلف قطاعات الشعب السوداني، تدريجيا.
في البداية، اقتصرت مهام “كتائب الظل” على جمع المعلومات وتصنيفها، وقد استخدمتها الجبهة الإسلامية لاحقا في عمليات التجنيد والتعذيب واختراق الأحزاب السياسية.
ومنذ منتصف أبريل/نيسان الماضي، يشهد السودان اشتباكات بين الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان و”الدعم السريع” بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، تشمل العاصمة الخرطوم ومدنا أخرى شمالي وغربي البلاد.
وبين القائدين خلافات أبرزها حول المدى الزمني لتنفيذ مقترح بدمج “الدعم السريع” في الجيش، وهو بند رئيسي في اتفاق مأمول لإعادة السلطة في المرحلة الانتقالية إلى المدنيين.
وحين كان متحالفا مع حميدتي، فرض البرهان في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 إجراءات استثنائية يعتبرها الرافضون “انقلابا عسكريا”، بينما قال هو إنها تهدف إلى تصحيح مسار المرحلة الانتقالية، ووعد بتسليم السلطة للمدنيين.
المصدر: وكالات