المدير الإقليمي لـ«الصحة العالمية»: اكتشاف منشأ «كوفيد – 19» واجب أخلاقي وعلمي

بعد عامين تقريباً من تقلده منصب مدير إقليم شرق المتوسط في «منظمة الصحة العالمية» في يونيو (حزيران) 2018، وجد أحمد المنظري، نفسه على موعد مع اختبار صعب وغير مسبوق، وهو التنسيق مع دول الإقليم البالغ عددها 22 دولة، في إدارة أزمة جائحة «كوفيد – 19» التي شغلت العالم، وأثارت رعب الناس.


وكانت أولى رسائل المنظري المتفائلة خلال المقابلة، أن حالة الطوارئ العالمية التي فرضتها تلك الجائحة لن تستمر إلى العام المقبل، وقال المنظري: «سيكون بإمكاننا أن نعلن هذا العام انتهاء الجائحة 19، بوصفها طارئاً صحياً عالمياً يسبب قلقاً دولياً، وهذا القرار مبنيٌّ على تقييم دقيق للوضع من لجنة الطوارئ الصحية المعنية باللوائح الصحية الدولية بشأن (كوفيد – 19) والتي اجتمعت للمرة الرابعة عشرة في يناير (كانون الثاني) الماضي من أجل تقييم البيانات وتزويد المدير العام للمنظمة بالمشورة بشأن ما إذا كان الوضع ما زال على ما هو عليه».


ومع أن العالم في بداية السنة الرابعة للجائحة، وأصبح في وضع أفضل بكثير مما كان عليه منذ بدايتها، فإن قضية أصل الفيروس لم تُحسم بعد، وهي قضية يشدد المنظري على ضرورة «عدم التراخي في حسمها». ويقول: «يظل اكتشاف منشأ الفيروس، وفهم كيفية اندلاع الجائحة، الأكبر والأخطر أثراً على البشرية في العصر الحديث، واجباً أخلاقياً وعلمياً، وهي أولوية من أولويات عمل المنظمة، لأنه يمثل أهمية قصوى لمزيد من الفهم لهذه النوعية من الفيروسات ومن ثم التعامل معها على نحو أفضل والاستعداد والتأهب لمثيلاتها بشكل أسرع وأكثر فاعلية».

وشدد على أن «المنظمة بينما تواصل دعوة الصين إلى التحلي بالشفافية في تبادل البيانات بشأن أصل الفيروس، فإننا نعتقد أنه من الواجب على كل من يملك بيانات مفيدة متعلقة بهذا الأمر، أن يتقاسمها مع المجتمع الدولي على الفور». ورفض التعليق على وجود وثائق أميركية عن أصل الفيروس تم الإعلان عن الإفراج عنها، وقال: «المنظمة تعمل بهدي من العلم والدلائل العلمية، وهي كمنظمة دولية تلتزم جانب الحياد ولا شأن لها بأي أمور غير ذات صلة بالشأن العلمي والصحي، ولا تسعى لإدانة دولة ما بأي حال من الأحوال، بل تسعى للكشف عن منشأ الجائحة، كي تفيد المجتمع العلمي وتفيد البشرية».


وبينما لا يزال درس نشأة الفيروس معلقاً على البيانات التي يمكن أن تتوفر في هذا الإطار، فإن هناك دروساً أخرى مستفادة، ويقول إن منها «أن الجائحة مهدت لنظام صحي عالمي جديد نعمل على تدشينه بهدي من الدروس المستفادة والشراكات التي تكونت والتحالفات التي تعززت، وهو نظام يستهدف في الأساس بناء مستقبل أكثر عدالة وإنصافاً، ونظمٍ صحية أقدر وأقوى وأكثر مرونة، ومجتمعات أحسن صحة». وأوضح أن هذا النظام الصحي العالمي الجديد، وهي «الاتفاقية الدولية بشأن الجوائح» التي تتفاوض حولها البلدان حالياً، إنما يستهدف «تجنب الأخطاء التي ظهرت خلال الاستجابة لجائحة (كوفيد – 19) وعدم تكرارها في المستقبل».


ورفض المنظري اتهامات موجهة إلى المنظمة بالسعي لانتهاك سلطات الدول عبر هذا الاتفاق، وقال: «لا بد من تأكيد أن البلدان هي التي تتفاوض بشأن هذا الاتفاق، وهي التي ستعتمده وتنفّذه وفقاً لقوانينها الوطنية، لذلك فإن من يقول إن هذا الاتفاق يشكل انتهاكاً للسيادة الوطنية للبلدان مخطئ تماماً، فالبلدان وحدها هي التي ستبتّ في محتوى الاتفاق وليست المنظمة، وسيكون صكاً من صكوك القانون الدولي، على غرار الكثير من الاتفاقات والمعاهدات الأخرى التي أبرمتها الدول، مثل الاتفاقية الإطارية بشأن تغير المناخ التي تنسق التعاون الدولي، لكنها لا تعطي للأمم المتحدة صلاحيات إملاء سياسات المناخ أو الطاقة على البلدان».


وأضاف أن «جوهر الاتفاقية سيكون الدعوة إلى مواجهة الأخطار المشتركة عبر (استجابة تضامنية) تقوم على الالتزام المشترك بالتضامن والإنصاف، أي إنه اتفاقٌ بين الدول من أجل العمل بالتعاون بعضها مع بعض في مجال التأهّب للأوبئة والجوائح والاستجابة لها، والهدف الأساسي منه هو ضمان عدم تكرار أي أخطاء وقعت في التعامل مع جائحة (كوفيد – 19) وتعزيز خطوط العالم الدفاعية ضد الأوبئة والجوائح المقبلة».


ولا ينكر المنظري أن هناك أخطاء حدثت في التعامل مع الجائحة، وهذا هو السبب الرئيسي للسعي لإصدار الاتفاقية الدولية الجديدة، لكنه يرفض أن يكون من بينها أن رد فعل المنظمة كان بطيئاً، وقال إن «أبلغ دليل على سرعة تحركات المنظمة، هو تحقيق سرعة قياسية في التوصل للقاحات مأمونة وفعالة لفيروس جديد تماماً، وهو أمر غير مسبوق».


وأبدى المدير الإقليمي في الوقت ذاته، تحفظاً على اتهامات أخرى تم ترديدها وتدور حول أن مواقف المنظمة كانت مضطربة، وقال: «لا أتفق تماماً مع هذا التقييم، فمواقف المنظمة اتسمت بالتطور والديناميكية تبعاً لتطورات وضع الجائحة التي نعلم جميعاً أنها كانت تتطور بسرعة كبيرة، وأيضاً مع تزايد معارفنا بالفيروس الجديد الذي كنا نبني فهمنا له ومعارفنا حوله، بينما نستجيب للجائحة، فلم يكن لدينا ولا لدى البلدان والشركاء رفاهية الانتظار وتأجيل الاستجابة والتصدي للجائحة لحين اكتمال معارفنا بهذا الفيروس الذي لم يختبره العالم من قبل».

وشدد المنظري على «ثلاثة دروس مهمة للغاية من تلك الجائحة»، وفق تقييمه، وهي: «أهمية استثمار البلدان في مجال البحوث والدراسات والمسوحات على الصعيد الإقليمي، ومكافحة وباء المعلومات والشائعات (التي استهدفت زعزعة ثقة الناس في مفهوم التطعيم بصفة عامة، حتى وصل الأمر إلى انخفاض معدل التطعيم في بعض البلدان إلى خمسين أو ستين في المائة)، وثالثاً ضرورة التوازن بين مكافحة الجوائح دون تعطيل الخدمات الصحية الأخرى».


وحول العلاقة بين تغيرات المناخ وجائحة «كوفيد – 19»، قال المنظري إنه «لم تثبت علاقة مباشرة بين تغير المناخ وجائحة (كوفيد – 19)، ولكن تغيّر المناخ هو أكبر تهديد يواجه الصحة العالمية في القرن الحادي والعشرين، وما زالت الأنشطة البشرية تتسبب في تلوث البيئة وفقدان التنوع البيولوجي، وهما عاملان لا يؤديان إلى ظهور أمراض جديدة فحسب؛ بل إلى إعادة توزيع الأمراض القائمة».


وأضاف أن «من أكثر الأمراض تأثراً بالتغيرات المناخية في الإقليم وخارجه، الأمراض المنقولة بالنواقل كالبعوض، والمنقولة بالمياه، فضلاً عن الأمراض التي يسببها تلوث الهواء وتلوث الغذاء، وكلها أمراض تثير القلق، هذا إلى جانب الكوارث الطبيعية التي يتسبب فيها تغير المناخ مثل الفيضانات وموجات الجفاف والأعاصير، والتي ينجم عنها ظهور فاشيات من الأمراض».

المصدر: وكالات