في عصر التحولات الكبرى التي يشهدها العالم حالياً، والصراع المحتدم حول قيادة النظام الدولي من خلال الحروب والضغوط الاقتصادية والسياسية، وبروز قوى تتقدم لأخذ موقعها الذي تستحق في هذا النظام، وتراجع قوى أخرى، لا بد للعرب بحكم موقعهم الجغرافي الاستراتيجي وثقلهم الاقتصادي والبشري أن يكون لهم دور يتحدد وفق مصالحهم انطلاقاً من وعيهم بالمتغيرات الدولية وأهمية الاستجابة لها، وبناء توازنات جديدة في علاقاتهم الدولية، من دون النظر إلى ما يمكن أن يتعرضوا له من ضغوط، أو محاولة إبقائهم في الدائرة السابقة التي طبعت علاقاتهم مع الآخر.
لهذا تشكل زيارة الرئيس الصين شي جين بينغ للرياض وعقده ثلاث قمم خلال ثلاثة أيام من الزيارة( قمة سعودية – صينية، وعربية – صينية، وخليجية – صينية)، تطوراً مهماً في مجرى هذه التحولات العالمية، لأنها سوف تحمل في نتائجها قيام علاقات استراتيجية متنوعة مع دولة باتت تشكل رقماً صعباً في العالم، وتتقدم بخطى حثيثة سياسياً واقتصادياً وتنموياً وتقنياً، وبالتالي، فإن العلاقات معها تفتح أبواباً رحبة للتعاون الذي يخدم مصالح الشعبين العربي والصيني.
صحيح أن الزيارة قد تثير حفيظة الولايات المتحدة التي ترى فيها «محاولة من الصين لبسط نفوذها في أنحاء العالم»، وفق المتحدث باسم مجلس الأمن القومي للبيت الأبيض جون كيربي، إلا أن ذلك لا يعني أن الدول العربية تدير ظهرها للولايات المتحدة، إنما تسعى لإقامة علاقات متوازنة مع مختلف القوى العالمية بما يحقق مصالحها بالدرجة الأولى، والتكيف مع المتغيرات الدولية الراهنة.
الصين الطامحة لأن تتبوأ مكانتها التي تستحق، بحاجة إلى شراكة مع الدول العربية التي تمتلك أكبر احتياطي نفطي، وتتحكم بأهم طرق وممرات التجارة البحرية، ووقوعها في قلب العالم القديم، كما أن الدول العربية بحاجة إلى هذه الشراكة مع دولة تعد «مصنع العالم»، والثانية في الناتج القومي، وصاحبة أهم مبادرة إنمائية واستثمارية عالمية في البنية التحتية متمثلة في «الحزام والطريق»، و«بنك الاستثمار الآسيوي»، إضافة إلى قدراتها التقنية المتطورة.
المصالح العربية – الصينية متشابكة إلى حد التكامل في مجالات عدة، فقد ارتفع التبادل التجاري بين الطرفين من 36.7 مليار دولار عام 2004، إلى 330 مليار دولار عام 2021، وفق أرقام «المنظمة العربية للثقافة والعلوم»، كما أن الاستثمارات الصينية في الدول العربية بلغت 213.9 مليار دولار ما بين 2005 و2021، ما يعطي لهذه الشراكة بعداً اقتصادياً بالغ الأهمية. وقدمت الصين خلال جائحة كورونا أكثر من 340 مليون جرعة من اللقاحات.
إضافة إلى ذلك، فإن السعودية هي أكبر مصدّر للنفط في العالم إلى الصين التي تشتري حوالى ربع الصادرات السعودية.
من المتوقع إبرام العديد من الاتفاقات بين الصين والدول العربية في مختلف المجالات الاقتصادية والإنمائية والثقافية والعلمية في إطار شراكة استراتيجية متكاملة سوف تضع العلاقات بين الطرفين في مستوى جديد من التعاون المتبادل.
المصدر: وكالات