تثير المجزرة المروّعة، التي شهدتها الكونغو الديمقراطية وراح ضحيتها عشرات الأبرياء من المدنيين، المخاوف من زعزعة كبيرة للاستقرار في وسط إفريقيا، والعودة بتلك المنطقة إلى حقبة التصفيات العرقية وحروب الإبادة التي بلغت أوجها في تسعينيات القرن الماضي. وتفادياً لذلك المصير تُجمِع المواقف الدولية على ضرورة التحرك العاجل لحماية المدنيين والتحقيق في الجرائم المرتكبة.
كان صوت دولة الإمارات عالياً في مجلس الأمن بالدعوة إلى تغليب لُغَة الحوار وخفض التصعيد والتوترات وإيلاء أهمية قصوى لحماية المدنيين، معربة عن قلقها البالغ إزاء تصاعد الاضطرابات الأمنية في شرق الكونغو الديمقراطية، وهي تطورات تُهدد بتقويض جهود السلام وما أحرزه المجتمع الدولي من تقدمٍ بعد مرور عقودٍ على وجودِه في هذا البلد. ومما يثير القلق أن الجرائم بحق المدنيين أخذت منحى تصاعدياً في الفترة الماضية قد يؤدي بها إلى الاتساع إلى دول الجوار، في ظل انتشار خطابات النبذ والكراهية واسترجاع الثارات القبلية والعرقية بين دول مختلفة في ذلك الإقليم.
ما يحدث في شرق الكونغو الديمقراطية يعود في جانب منه إلى الصراع الدامي بين عرقيتي الهوتو والتوتسي في راوندا المجاورة قبل 30 عاماً، كما يتصل بتعثر خطط نزع السلاح من الجماعات المتمردة وزيادة التدخل الخارجي، فضلاً عن تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بفعل أزمات الغذاء والمناخ والتضخم جراء تداعيات الجائحة الصحية والتقلبات العالمية الجارية. وما جرى قبل أيام في شرق الكونغو من مذابح ربما تخرج عن نطاق التصور والتصديق، بعدما اتهمت سلطات كينشاسا متمردين من «حركة 23 مارس»، أو ما يسمى «إم 23»، بإعدام 131 قروياً بالرصاص والأسلحة البيضاء، وقد هزت هذه الجريمة النكراء الضمير الدولي ووصفتها الأمم المتحدة بأنها وصمة عار على جبين الإنسانية. والمؤلم أن هذه العملية الإرهابية لم تتبنّاها أي جهة، بينما تتنافس 130 جماعة مسلحة، بينها «إم 23»، للسيطرة على الموارد في شرق الكونغو، ولا سيما في المنطقة مسرح الجريمة.
في مثل هذه الأوضاع المأساوية، يدفع المدنيون الثمن الأغلى وتعم الفوضى ويغيب السلام. فالفتن الأهلية تبقى أسوأ أنواع الصراعات لما يجري خلالها من قتل على الهوية وإبادات جماعية واغتصاب وتهجير قسري للملايين الأبرياء. ولذلك، تلقى على المجتمع الدولي مسؤولية حماية الناس في مناطق الصراعات، وتحديداً في شرق الكونغو، حيث الأدغال الموحشة والتاريخ المخضب بدماء الأبرياء منذ خمسينيات القرن الماضي.
ومن أجل إنهاء تلك الصراعات، لقي الأمين العام الأممي الأسبق داغ همرشولد حتفه عام 1961 في حادث غامض، لم تكشف التحقيقات ملابساته، وهو يقوم بمهمة سلام لم تنجح. وعلى مدى أكثر من 60 عاماً لم تحقق جهود الأمم المتحدة وقبعاتها الزرقاء الاستقرار الشامل. والسبب يعود إلى أن البعثات الدولية ركزت على مراقبة وقف إطلاق النيران في أكثر من جبهة، ولم تسارع إلى وضع استراتيجيات وخطط للاتصال بالمجتمعات المحلية ودفعها إلى الحوار على أسس ثابتة للتعايش المشترك. ربما هذا ما قد يهتدي إليه مجلس الأمن ويدفع باتجاهه، لأن الوضع أخطر من المعلن.
المصدر: صحيفة الخليج