فيمَ تتحدث الدول الإصطناعية الكبرى عن خطط الميثان، وضرورة الحفاظ على ما يٌعرَف بالحياد الكربوني، وغيرها من الأهداف الطموحة مناخيا، مازالت إفريقيا تعاني أسوأ آثار التغيرات المناخية، رغم أنها القارة الأقل إسهامًا في الانبعاثات الكربونية، إذ يتعرّض مواطنوها كل عام لمزيد من الفيضانات، ودرجات الحرارة المرتفعة، وتآكل السواحل، وتدهور الأراضي، فضلاً عن، صدمات مناخية أخرى.
ففي غرب إفريقيا ووسطها،- مثالا وليس حصرا-، أثرت الفيضانات الأخيرة بالمنطقة في ملايين الأشخاص، ما أدّى إلى مقتل مئات الأرواح، وتشريد عشرات الآلاف من منازلهم.
ويُعقد مؤتمر كوب 27 في مدينة شرم الشيخ المصرية من 6 وحتى 18 تشرين الأول/ نوفمبر الجاري (2022)، في وقت مأزوم على الصعيد العالمي، وسط أزمة طاقة طاحنة بدأت بسبب تداعيات فيروس كورونا، ثم زادت حدّتها مع الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية، واتجاه جميع الأطراف إلى استعمال سلاح الطاقة، كلُ ضد الآخر.
إلى ذلك، تعلّق دول القارة الإفريقية آمالًا كبيرة على القمة المناخية السابعة والعشرين، من أجل التوصل إلى اتفاقيات مرضية تضمن حصول القارة على “تعويضات مناخية” تخفّف من حدة الأضرار التي لحقت بشعوبها التي لا بصمة تُذكَر لها، في تزايد الانبعاثات الكربونية.
“تعويضات منتظرة”
مازالت البلدان الإفريقية تنتظر ما نحوه 100 مليار دولار من التمويل السنوي للمناخ الذي وعدت به الدول الغنية في العام 2009، وهو التزام كان من المفترض أن يتحقق بحلول العام 2020، وتأمل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الوفاء به أواخر العام 2023
بيد أنه، -وحتى الآن-، تعهَّد عدد قليل فقط من الحكومات بتمويل مخصص للخسائر الناتجة عن تغيّر المناخ، فضلًا عن أن المبالغ ما زالت ضئيلة؛ إذ أعلنت الدنمارك، في أيلول/ سبتمبر الفائت، أنها ستقدّم 100 مليون كرونة دنماركية (13 مليون دولار) لهذا الغرض.
“وضع مجحف للأفارقة”، رغم إسهامهم القليل بانبعاثات الكربون
بإمعان النظر إلى الوضع العالمي، نجد القارة السمراء تتحمل العبء الأكبر من “تكلفة” تغير المناخ، إذ تصدر معظم انبعاثات الكربون عن 20 دولة هي الأكثر تقدمًا في العالم، فيمَ تضم إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى نحو 48 دولة مسؤولة عن نسبة لا تتجاوز 0.55% من تلك الانبعاثات، و3% لكل القارة.
وبالسياق، تقع 17 من أكثر الدول المعرّضة لخطر التغيرات المناخية في العالم في إفريقيا وحدها، كما أن 40% من الناس في إفريقيا إمكان الوصول إلى أنظمة الإنذار المبكر التي يمكن أن تحميهم من الظواهر الجوية الشديدة وتأثيرات تغير المناخ، بحسب بيانات المنظمة العالمية للأرصاد الجوية.
ويرجع نقص محطات الرصد الجوي في إفريقيا بصفة رئيسة إلى التكلفة، إذ يمكن أن تكلف المحطة الواحدة ما يصل إلى 20 ألف دولار لتثبيتها.
وفي غضون ذلك، يأتي التوقع الأممي صادما، بأن يتضاعف عدد سكان إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى إلى ما يقرب من 2.1 مليار شخص بحلول عام 2050، ومعهم بطبيعة الحال، يتضاعف الخطر، ما لم تتدفق التمويلات.
“أضرار جسيمة وكوارث عانتها إفريقيا”، بسبب تغيرات المناخ
يتوقع أن يؤدي تغير المناخ إلى خسائر سنوية في الناتج المحلي الإجمالي للدول الإفريقية، تتراوح بين 2 و12% بحلول العام 2050، ما يدفع ملايين المواطنين إلى الفقر.
وفي منطقة الساحل الإفريقي التي تضم 5 دول، قد يقع 13.5 مليون شخص إضافي في براثن الفقر بحلول 2050 إذا لم يُتخذ أي إجراء لمحاربة تغير المناخ في القارة.
ويأتي ذلك بالإضافة إلى تصاعد أخطار الهجرة المناخية، من جراء الكوارث التي لحقت مراراً بإفريقيا، ففي أغسطس/آب من العام الجاري (2022)، أدى انهيار أرضي إلى مقتل 8 أشخاص على الأقل في العاصمة السيراليونية فريتاون، وتشريد المئات، ولم تكن هذه المرة الأولى، ففي 14 أغسطس/آب (2017)، انهار جبل “شوغرلوف” الواقع في ضواحي المدينة ذاتها، نتيجة الأمطار الغزيرة، وحطمت الصخور الكبيرة المنازل وابتلعت السيول الطينية كلَ شيء في طريقها.
وأودى الانهيار الناجم عن الفيضانات الشديدة التي تفاقمت بسبب إزالة الغابات بحياة ألف و141 شخصًا، في أسوأ كارثة طبيعية تشهدها البلاد في التاريخ الحديث.
وتحتاج البلدان الإفريقية إلى الاستثمار في التكيف مع المناخ والتحول إلى مسار نمو منخفض الكربون لدعم التنمية المستدامة، ولكنها مع ذلك، تأتي في المراتب الأخيرة عندما تُصرف القروض والمنح المناخية، التي تشكل الجزء الأكبر من مبادرة الـ100 مليار دولار التي تعهّدت بها الدول المتقدمة منذ نحو 14 عامًا، الأمر الذي يشكل إجحافا كبيرا.
أمل في تطبيق تعهدات غلاسكو، وجهود مصرية
في العام المنصرم (2021)، وافقت الدول المتقدمة في (كوب 26) في غلاسكو على مضاعفة التمويل الدولي للتكيف بحلول عام 2025، إلا أن هذه التعهدات لم تُترجم على أرض الواقع، وتحتاج الاستجابة لحالة الطوارئ التي فرضها تغير المناخ من خلال الإسهامات المحددة وطنيًا في أفريقيا إلى 277 مليار دولار سنويا، وفقًا لدراسة أجرتها ونشرتها مؤخرًا مجموعة الأبحاث المستقلة “مبادرة سياسة المناخ”، ومقرها مدينة سان فرانسيسكو في الولايات
المتحدة الأميركية.
وتلخّصت أبرز نتائج الدراسة في ضرورة مضاعفة تمويل المناخ 9 مرات في إفريقيا، وفي ذلك، تعمل مصر على تبني قضايا قارة إفريقيا، خلال “يوم التمويل” الذي تنظمه وزارة المالية المصرية، بالتزامن مع انعقاد مؤتمر المناخ كوب 27، حيث ستعرض قضايا القارة السمراء.