فيما يبدو إيغالا وفق مراقبين في اعتماد الخيار الشرقي لروسيا، رعت موسكو على مدى الأيام الماضية وبالتزامن حدثين ضخمين في شرق البلاد الأقصى، وهما مناورات الشرق 22 العسكرية، والتي جرت مراسم افتتاحها في إقليم بريموريه، والمنتدى الاقتصادي الشرقي المنعقد في مدينة فلاديفوستوك.
دلالات حضور بوتن
حرص الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، على الحضور شخصيا في المناورات العسكرية وفي المنتدى الاقتصادي، وهو ما اعتبره المراقبون إشارة على إيلاء هذا التوجه الشرقي أهمية كبرى لدى الكرملين وصانع القرار الاستراتيجي الروسي .
مناورات الشرق
• مناورات الشرق 2022 ( فوستوك 2022 ) تواصلت منذ بداية الشهر وحتى 7 سبتمبر في 7 ميادين تدريب ورماية بأقصى الشرق الروسي وفي بحري اليابان وأوختسك، وشارك فيها ما يزيد على 50 ألف جندي وأكثر من 5000 وحدة أسلحة، منها 140 طائرة و60 سفينة حربية.
• أشرف رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية الجنرال فاليري غيراسيموف، على التدريبات التي شاركت فيها قوات من عدة جمهوريات سوفيتية سابقة، ومن الصين والهند ولاوس ومنغوليا ونيكاراغوا وسوريا والجزائر .
منتدى الشرق الاقتصادي
• هو منتدى سنوي يعقد منذ العام 2016، وتستمر أعمال المنتدى في نسخته السابعة هذا العام من 5 إلى 8 سبتمبر الجاري، في حرم جامعة الشرق الأقصى الفيدرالية في جزيرة روسكي في فلاديفوستوك الروسية .
• حمل المنتدى في دورته هذه عنوان “على الطريق إلى عالم متعدد الأقطاب”.
• جذب المنتدى أكثر من 4000 مشارك من أكثر من 60 دولة، وتقول موسكو إنه منصة فعالة لتبادل الآراء والخبرات بين صانعي السياسة والمسؤولين وممثلي قطاع الأعمال من مختلف دول العالم.
روسيا .. شرقية أم غربية ؟
يقول حسن المومني أستاذ العلاقات الدولية وفض النزاعات، في لقاء مع موقع “سكاي نيوز عربية”: “ثمة ولا شك أقطاب صاعدة وتبدلات بخارطة توازنات القوى الدولية، وتتركز المنافسة بينها خصوصا في المحيطين الهادىء والهندي، وروسيا بهذا الإطار تسعى في سياق حربها البادرة الجديدة مع الغرب جاهدة لاستقطاب الصين لصفها خاصة مع تفاقم التوتر بين بكين وواشنطن مؤخرا، وتشكيل تحالف شرقي مضاد للمحور الغربي أضلاع مثلثه الرئيسية موسكو وبكين ونيودلهي، وهو ما سيقود قطعا لإحداث توازن مع الكتلة الغربية”.
و يضيف أستاذ فض النزاعات: “تاريخيا كلما تأزمت علاقات روسيا مع الغرب اتجهت للشرق، وهو تقليد تجسد خاصة على يد قائد الثورة البلشفية لينين، وتسعى موسكو الآن لتكريس هذا التوجه، والذي يندرج في سياق احتدام صراعات النفوذ بين القوى الدولية الكبرى، فالشرق يعني بداهة قارة آسيا كقلب الشرق النابض، وروسيا هنا لطالما كانت تواجه معضلة من تكون من زاوية تعريف وتحديد انتمائها الجغرافي والحضاري هل هي دولة شرقية أم أوروبية غربية”.
وأكمل: “في ظل هذه المواجهة المحتدمة مع الغرب يبدو أنها عقدت العزم على حسم خيارها الشرقي والعمل على تبوء مركز ريادي لبلورة معسكر شرقي متكامل، رغم أن هذا التوجه لن يصل بعد لمرحلة تكريس تحالف استراتيجي بين روسيا والصين والهند”.
شرق جديد
يقول ماهر الحمداني الباحث والخبير في الشئون الأوروبية: “تبني كلمة الشرق في الخطاب السياسي والاستراتيجي الروسي يعزز بداهة روابط موسكو مع مختلف دول الكتلة الشرقية، والشرق بهذا المعنى يضم ليس فقط آسيا بل هو يشمل حتى أميركا اللاتينية وأفريقيا، فشعوب هذه القارات الثلاث والتي تشكل غالبية سكان العالم، تم توظيف مواردها في غير مصلحتها على يد النظام الدولي الذي وضعه الغرب، بعد الحرب العالمية الثانية وقبلها حتى”.
وتابع: وهكذا فليست روسيا فقط من تتجه شرقا بل كبريات دول الشرق كذلك كالصين والهند وإندونيسيا وغيرها ترحب بذلك، ولديها مصالح في تكوين كتلة شرقية موازية للغرب، ما يوفر هامش المناورة والمفاضلة أمام مختلف دول العالم لاختيار حلفائها وخياراتها أمام الاستغلال الغربي لها”.
وقال الحمداني: التركيز الروسي الاستراتيجي على الشرق ينبع من خلفيات حضارية وثقافية وتاريخية، وهو ما قد يشكل توطئة لبناء نظام عالمي جديد تطمح روسيا لبلورته للتخلص من القبضة الغربية على العالم، فنحن لا نشهد فقط توجها روسيا أحاديا في هذا الصدد، بل ثمة بالمقابل تفاعل مع طروحاتها لتفعيل قوة ودور الكتلة الشرقية عالميا من قبل مختلف الدول ومراكز القوى الشرقية الكبرى”.
إعادة إنتاج الحرب الباردة
بدوره يرى عامر السبايلة من معهد ستيمسون الأميركي للأبحاث: “ما يحدث هو إعادة بناء لفكرة المحاور الدولية عبر تأسيس محور الشرق لمواجهة المحور الغربي المتشكل أساسا من الولايات المتحدة وأوروبا ككتلة أطلسية، وهو ما يشبه الاستقطاب الذي كان قائما إبان الحرب الباردة خلال القرن الماضي، ما بين حلفي الناتو ووارسو”.
وختم بالقول: “هذه المناورة الروسية هي امتداد للصراع التاريخي الروسي الغربي، وهي محاولة لرسم خطوط وعناوين جديدة لهذا الصراع التقليدي المزمن تكون مغرية وقادرة على قوى دولية عديدة، ولا سيما كل من الصين والهند للصف الروسي في مواجهة المحور الأطلسي الغربي“.