يشهد قطاع الطاقة في بريطانيا، ارتفاعا غير مسبوق بأسعار الكهرباء والغاز، حتى أصبح المستهلك العادي غير قادر على الدفع، وسط توقعات بالإقبال على خيارات صعبة للغاية، مع حلول الشتاء المقبل.
وكان منظم الطاقة البريطاني “Ofgem”، قد أعلن مؤخراً، عن رفع الحد الأقصى لفواتير الكهرباء للمستهلكين بمقدار 80% ابتداء من 1 تشرين الأول القادم، وأعزى السبب، إلى نمو أسعار الطاقة عالمياً.
وبالسياق عينه، أُشير إلى أن سقف الفاتورة السنوية للعائلة المتوسطة، سيكون 4182 دولارا، بدءا من مطلع تشرين الأول المقبل، وهذه الأسعار تشمل فترة 3 أشهر فقط، من تشرين الأول، حتى كانون الأول (أواخر هذا العام).
وتشير توقعات المراقبين إلى أن الأسعار سترتفع أكثر من ذلك، كما ترجح شركة “كورنوول إنسايت” الاستشارية للطاقة، أن متوسط فاتورة الطاقة السنوية للعائلة البريطانية سيرتفع إلى 6374 دولارا مطلع العام القادم 2023، وإلى 7791 دولارا بحلول نيسان 2023، الأمر، الذي يعني أن، فواتير الطاقة ستقترب من فواتير القروض العقارية لمنازل معظم السكان.
ومما يفاقم الأزمة، أن ارتفاع الأسعار سيتزامن مع بدء موسم البرد، حينما يبدأ المستهلكون بزيادة استهلاكهم من الطاقة لأجل التدفئة، مما قد يهدد حياة المسنين تحديدا، إضافة إلى المرضى والأطفال، الذين سيضطرون إلى تقليص استهلاك الطاقة، وتحمل البرد القارس.
“تداعيات”و”حلول قاسية”
أفادت تقارير عدة، أن 6 من 10 مصانع في بريطانيا قد تغلق أبوابها بسبب نمو أسعار الطاقة الكهربائية
وكشفت نتائج بحث أجرته رابطة المصنعين البريطانيين”Make UK” ، أن فواتير الكهرباء المرتفعة بسرعة. يمكن أن تؤدي إلى إغلاق 6 من أصل 10 مصانع بالبلاد.
وأشار البحث إلى أن نحو نصف المصانع البريطانية شهدت زيادة في فواتير الكهرباء بمقدار أكثر من 100% خلال العام المنصرم.
وفي جهة أخرى، “تخطط المملكة المتحدة لقطع منظم للكهرباء في المصانع وحتى المنازل”، خلال فصل الشتاء، مع استمرار أزمة نقص الغاز، في عدد من دول العالم.
وقال موقع “بلومبيرغ”، نقلا عن مسؤولين حكوميين، إن بريطانيا قد تواجه، في فصل الشتاء، عجزا في الطاقة الكهربائية بمقدار “سدس إجمالي الطلب”، حتى بعد تشغيل “محطات الفحم الطارئة”، مضيفا أن، الحكومة تعتبر هذا الاحتمال “أسوأ سيناريو معقول”.
وفي ظل هذه التوقعات، فإن المملكة المتحدة قد تحتاج إلى “اتخاذ إجراءات طارئة للحفاظ على الغاز في كانون الثاني المقبل”، من بينها قطع منظم للكهرباء في المصانع وحتى المنازل.
وأوضح مصدر أن بريطانيا قد تضطر إلى الاعتماد بشكل متزايد على شحنات الغاز القادمة عبر خطوط الأنابيب الأوروبية، رغم أن الإمدادات ستكون ضعيفة، مع تقييد روسيا التدفقات.
المعاناة “أوروبية”، وليست “بريطانية” فحسب
تسعى الحكومات الأوروبية جاهدة لإيجاد سبل يمكن من خلالها دعم وحماية الأسر والشركات الرازحة تحت تأثير الارتفاعات القياسية لأسعار الطاقة.
التشيك
في التشيك، التي تتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، تمت الدعوة إلى قمة طارئة للتكتل قد تناقش تحديد سقف للأسعار، ومن ثم عقدها.
ووفق ما قال وزير الصناعة جوزف سيكيلا الذي نقلت عنه وسائل إعلام تشيكية عدة تصريحات قبيل القمة المذكورة، فإن “السوق خرج عن نطاق السيطرة إلى حد ما.. المشكلة في كل أوروبا، وبالطبع، إذا كان لديك سوق أوروبية ومشكلة أوروبية، فيمكن إيجاد الحل الأسهل على المستوى الأوروبي.”
وأضاف سيكيلا أن فرض حد أقصى لسعر الطاقة على المستوى الأوربي سيكون أحد الإجراءات الممكنة، وأن جمهورية التشيك ستدعم ذلك إذا قرر الاتحاد الأوروبي النظر فيه.
“ارتفاع أسعار الكهرباء..معاناة أوروبية”
فرنسا…إعادة تشغيل المفاعلات حلاً
وفيمَ تواجه أوروبا ارتفاعاً حاداً في فواتير الكهرباء مدفوعاً بالارتفاع الهائل في أسعار الغاز، أعلنت وزيرة الطاقة الفرنسية أنييس بانييه روناتشر أن، عملاق الكهرباء الفرنسي ”إي دي إف” تعهد باستئناف العمل في جميع مفاعلاته النووية بحلول الشتاء، لمساعدة الدولة خلال أزمة الطاقة واسعة النطاق والتي تفاقمت من مغبة الحرب في أوكرانيا.
وقالت أنييس بانييه روناتشر أن، الحكومة تتخذ خطوات لـ ”تجنب الإجراءات التقييدية” بشأن استخدام الطاقة في ذروة موسم البرد الشتوي، وذلك في أعقاب اجتماع خاص للحكومة بشأن قضايا الطاقة.
في ذلك، تعتمد فرنسا على الطاقة النووية في توليد 67% من كهربائها -أكثر من أي بلد آخر- وعلى الغاز لتوليد 7% من الكهرباء.
وفي الوقت الحالي، تم إغلاق 32 مفاعلا نوويا من مفاعلات فرنسا البالغ عددها 65، وجميعها تديرها شركة “إي دي إف”، من أجل أعمال الصيانة الدورية وفي بعض الحالات لإصلاح مشكلات التآكل.
وذكرت الوزيرة أن ”هناك جدول زمني ينص على أنه ابتداءً من تشرين الأول، سيتم تشغيل محطة نووية جديدة مرة أخرى كل أسبوع”.
وكانت رئيسة الوزراء إليزابيث بورن، قد حذرت، الثلاثاء الماضي، من أن “السيناريو الأسوأ هذا الشتاء قد يؤدي إلى انقطاعات دورية في التيار الكهربائي لمدة ساعتين بالمنازل الفرنسية”.
كما قالت وزيرة الطاقة إن شركة “إي دي إف”، ”بدأت في اتخاذ إجراءات ويجب أن تؤكد لنا أنها تحرز تقدماً “مثلما كان مخططا”.
وكانت باريس قد أطلقت خطة ”رصانة في مجال الطاقة” حزيران الفائت، وتستهدف خفض استخدام الطاقة بنسبة 10% بحلول العام 2024.
من جانبه، كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قد دعا إلى ما أسماه “الوحدة في حكومته” في مواجهة ما وصفه بـ “اضطراب كبير” و”نهاية الوفرة”.
ما رأى فيه معلقون سياسيون محاولة من ماكرون “أن يعد البلاد لأوقات عصيبة في المستقبل”، لكنه تعرض بالمقابل لانتقادات من “شخصيات يسارية” اتهمته بالاغتراب عن الملايين، الذين يعانون بالفعل ولا يمكن اعتبار أن حياتهم وتجاربهم اليومية فيها “وفرة”.
إيطاليا ودول أوروبية أخرى..نحو الترشيد
قال رئيس الوزراء ماريو دراغي إنه يتعين على دول الاتحاد الأوروبي الاتفاق على حد أقصى لسعر الغاز الذي تستورده من روسيا.
أما إسبانيا والبرتغال فقد حدتا بالفعل من أسعار الطاقة المحلية القائمة على الغاز، بينما حدت فرنسا من ارتفاع أسعار الكهرباء.
تأتي هذه الإجراءات وسط مخاوف من أن روسيا ربما تقطع إمدادات الغاز وأن هذه الواردات من الغاز الطبيعي المسال لن تكون كافية لتلبية احتياجات أوروبا من الطاقة.
هذا، وقد وافقت مجموعة الدول السبع رسمياً على فرض حد أقصى لسعر النفط الروسي، وذلك بهدف تقليص العائدات لموسكو مع الحفاظ على تدفق النفط إلى الأسواق العالمية، وصرح المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي إن بلاده، وأوروبا تتعاونان لضمان توافر الإمدادات الكافية.
بينما أوقفت شركة الطاقة الروسية “غازبروم” التي تديرها موسكو تدفق الغاز الطبيعي عبر خط أنابيب رئيسي من روسيا إلى أوروبا هذا الأسبوع، مشيرة إلى أعمال صيانة مؤقتة مخطط لها.
تداعيات الجفاف على أزمة الطاقة
ولأن المصائب لا تأتي فرادى، فإنه خلال الأشهر الـ3 الأولى من عام 2022، انخفض معدل هطول الأمطار في إنجلترا بنسبة 26%، وفي ويلز بنسبة 22%.
وهذا يعني أنه حتى قبل بدء فصل الصيف، كان متوسط تدفقات الأنهار أقل من المعتاد.
ومع إعلان الجفاف في بريطانيا، اضطرت شركات المياه لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة للحفاظ على الإمدادات، وبذلك، فإنه ومن المتوقع أن يسفر عن حظر استخدام خراطيم مياه متصلة بمصدر إمدادات رئيس، وأصبحت شركة “تايمز ووتر” أحدث شركة تفرض حظرًا على خراطيم المياه في مواجهة الصيف الحار، إلى جانب “ساوث إيست ووتر”، و”ساوثرن ووتر”، و”يوركشاير ووتر”.
ويمكن أن يؤدي إعلان الجفاف إلى إغلاق القنوات أمام القوارب، واتخاذ تدابير إضافية لحماية الحياة البرية، وقد تستمر هذه الإجراءات حتى العام المقبل (2023).
وكانت مستويات الخزانات في جميع أنحاء إنجلترا وويلز أقل من المعتاد بنسبة 20% في نهاية يوليو/تموز 2022، وهو أكبر عجز منذ بدء التسجيلات في العام 1990.
وكان آخر جفاف قد اجتاح البلاد في العام 2018، واستمر حتى 2019، لكن هطول الأمطار في وقت مبكر حَدَّ من فرض قيود على استخدام المياه.
وبين العامين 2010 و2012، واجهت البلاد جفافًا استمر لمدة طويلة، واضطرت إلى فرض حظر على استخدام خراطيم المياه، مدفوعًا بفصول شتاء جافة متتالية.
ورغم أن حالات الجفاف المستمرة لعدة مواسم نادرة الحدوث؛ فإن العلماء يرون أنها يمكن أن تصبح شائعة مع ارتفاع درجات الحرارة.
“الجفاف في بريطانيا”، صورة من صحيفة “تلغراف” الإنكليزية
وعن علاقة الجفاف بأزمة الطاقة، نجد أن، ارتفاع درجات الحرارة والجفاف في أوروبا يعني توقف الرياح، ويُعَد ذلك بمثابة ناقوس خطر -وتحديدًا- لبريطانيا، ولا سيما أن، لندن استثمرت مليارات الدولارات على مدى 10 سنوات في طاقة الرياح، لكنها عاجزة عن الاستفادة منها، في أشد أوقات احتياجها.
ويجدر بالتنويه أن بريطانيا كانت قد تعرّضت تحديداً خلال العام 2021 إلى توقف مفاجئ في الرياح، وأدى ذلك إلى خفض الإنتاج من 11 ألف توربين رياح، أي بما يعادل 20% من توليد الكهرباء بالبلاد.
ومن ثم، تُضاف تداعيات أزمة الجفاف، إلى الارتفاع في أسعار الكهرباء والغاز، في ظل شح الإمدادات وأزمة الطاقة، وكلها عوامل “تفاقم معاناة البريطانيين”، والأوروبيين أيضاً، إلى أجل “غير معلوم”.