قال مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة إن “القاعدة الأساسية، التي تنطلق منها دول الخليج في مواقفها السياسية تجاه الأزمات التي تحدث في العالم، تتلخص في بُعدين؛ هما صعوبة ترك مصالح الشعوب تتحكم بها الأهواء السياسية لبعض القيادات في العالم، وضرورة وجود رؤية استراتيجية شاملة لأبعاد أي قرار، خصوصاً إذا تعلق الأمر بدول مؤثرة في السياسة الدولية”.
وأشار مركز المستقبل، في مقال للكاتب الإماراتي محمد خلفان الصوافي، إلى أن “التصعيد المُبالغ فيه، الذي تطور سريعاً من أزمة ثم حرب في أوكرانيا، كان يجب أن يُمثل درساً لما ينبغي تجنبه في إدارة العلاقات الدولية من خطوات أو قرارات غير مدروسة”، قبل أن يقارب الموضوع انطلاقا من محاور “المسؤولية الدولية”، و”رؤية للاستقرار”، و”سياسة واقعية”.
وأشار المقال أيضاً، إلى أن، دول مجلس التعاون الخليجي فاجأت العالم مرتين هذا العام؛ الأولى عندما اختارت عدم الانحياز إلى الموقف الأميركي والغربي بشأن الأزمة الأوكرانية، بعدما تم استفزاز روسيا بمحاولات حلف شمال الأطلسي (الناتو) ضم أوكرانيا، بالرغم من وجود اتفاق مع واشنطن في عام 1991 بعدم السعي لتوسع الحلف شرقاً على الحدود مع روسيا. وكان موقف دول الخليج صريحاً ومُتسقاً مع الاتفاقات الدولية، وقالت الإمارات بوضوح إن لروسيا الحق في ضمان أمنها.
وتمسكت دول الخليج بموقفها المتوازن، بالرغم من المحاولات المُتكررة من الولايات المتحدة لتغييره، على الأقل بمحاولة زيادة إنتاج النفط لتعويض العجز الذي تسببت به العقوبات على موسكو. ويُلاحظ هنا أن موقف دول الخليج، خاصةً الإمارات والسعودية، كان منطقياً وموضوعياً في عدم الزج بنفسها في الأزمة الأوكرانية؛ كي تحتفظ بمساحة للحركة والمساعدة في إيجاد حل أو مخرج للأزمة.
أما المرة الثانية التي فُوجئ العالم فيها بموقف خليجي، فتمثلت في إعلان دولة الإمارات يوم 4 أغسطس الجاري دعمها لسيادة الصين ووحدتها وأهمية احترام مبدأ “الصين الواحدة”.
ودعت الإمارات، النشطة دبلوماسياً على مستوى العالم والعضو غير الدائم في مجلس الأمن الدولي حالياً، إلى الالتزام بقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، كما أعربت الدولة عن قلقها من تأثير أي زيارات استفزازية على التوازن والاستقرار والسلام الدولي.
ويمكن الوقوف على ما وراء هذه المواقف الخليجية من منطلقات موضوعية، بالرجوع إلى مُحددات السياسة الخارجية الخليجية بشكل عام، خصوصاً تجاه القوى الكبرى والتفاعلات داخل النظام العالمي.
فالقاعدة العامة التي تحكم هذه السياسة هي إقامة وتطوير علاقات تشاركية مع مختلف الدول، وترتيب أولويات تلك العلاقات وفقاً للمصالح الخليجية، مع مراعاة الأسس والمبادئ الخاصة بالأمن والاستقرار في العالم، وفي مقدمتها عدم التدخل في الشؤون الداخلية واحترام سيادة الدول. علاوة على عدم الانخراط في أزمات أو مشكلات ليست دول مجلس التعاون الخليجي طرفاً فيها، مع الحرص على تبني “الحياد الإيجابي” تجاهها؛ أي تجنب الانحياز إلى أي طرف من دون مبرر موضوعي أو بمعزل عن قواعد القانون الدولي.
وفي هذا السياق، تمثل مواقف دول مجلس التعاون الخليجي من التوتر الصيني – الأميركي بشأن تايوان، تجسيداً عملياً لتلك المبادئ والقواعد الحاكمة.
وهذا ما يمكن أن نعتبره بحق ترجمة عملية لمفهوم “المسؤولية الدولية”، الذي ربما تُخفق بعض الدول في الالتزام به أو تتجاهله إذا تعارض مع سياساتها أو مصالحها. بينما تتمسك به دول الخليج دائماً وأبداً، حتى وإن تعارض مع مصالحها المُباشرة أو نتجت عنه أعباء سياسية أو اقتصادية أو من أي نوع. فكيف الحال بالنسبة لأزمة مثل الصين وتايوان، التي تُقدم مثالاً على الاندفاع غير المبرر من طرف ما (واشنطن) نحو سلوك أو تصرف لا ضرورة له ولا أساس قانونياً أو موضوعياً يبرره.
وبالتالي فإن التصعيد المُبالغ فيه، الذي تطور سريعاً من أزمة ثم حرب في أوكرانيا، كان يجب أن يُمثل درساً لما ينبغي تجنبه في إدارة العلاقات الدولية من خطوات أو قرارات غير مدروسة. وبعد تكبد العالم كله ثمناً فادحاً، ولا يزال، بسبب تلك الحرب الدائرة وما نجم عنها من أزمات في الغذاء والطاقة وسلاسة الإمداد لكثير من السلع والصناعات في مختلف مناطق العالم؛ كان يُفترض أن تفجير أزمة جديدة مع قوة كبرى مثل الصين وبسبب غير واضح، هو آخر ما يحتاجه العالم حالياً.
وورد في ختام المقال، الذي يحمل عنوان “لماذا يدعم الخليج مبدأ ‘الصين الواحدة’ في أزمة تايوان؟”، أن “نظرة دول الخليج إلى أزمة تايوان ليست وليدة حسابات لحظية، بل تنطلق من رؤية مستقبلية واستشراف لما يمكن استباقه من مخاطر وأزمات، والتفاعل معها من خلال توضيح تلك المخاطر بشكل صريح وواقعي لكل من يمضي بعمد أو بغير عمد نحو تهديد الاستقرار العالمي”.