قمة إماراتية يونانية.. رؤية مشتركة نحو السلام

قمة إماراتية يونانية تعتبر الثانية خلال 3 أشهر تتوج شراكة استراتيجية تستهدف تعزيز التعاون الثنائي ودعم الاستقرار الإقليمي.

قمة تعقد، خلال زيارة يجريها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى اليونان، الخميس، تبرز تنسيق على أعلى مستوى، يربط البلدين، تغذيه زيارات متبادلة ومباحثات متواصلة بين قادة ومسؤولي البلدين، لدعم العلاقات الاستراتيجية.

وتحمل تلك الزيارة أهمية خاصة، كونها الأولى للشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى جمهورية اليونان بعد توليه رئاسة دولة الإمارات العربية المتحدة، خلفا لأخيه الراحل الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان في 14 مايو/أيار الماضي.

أيضا تجسد الزيارة ملامح السياسة الخارجية التي رسمها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في الكلمة التي ألقاها 13 يوليو/تموز الماضي، والذي يعد أول خطاب شامل يتناول فيه رؤيته لسياسة دولة الإمارات الداخلية والخارجية منذ توليه مقاليد الحكم.

ووجه رئيس دولة الإمارات 6 رسائل سياسية واقتصادية وإنسانية للعالم تتعلق بسياسة بلاده الخارجية، تعكس في مجملها التزامها بدورها الرائد في نشر السلام، وتحقيق الازدهار، ومد يد العون للدول المحتاجة، والعمل من أجل خير البشرية.

أكد في تلك الرسائل التزام بلاده “بإقامة شراكات استراتيجية نوعية مع مختلف الدول”، وبين أن “سياسة دولة الإمارات ستظل داعمة للسلام والاستقرار في منطقتنا والعالم.. وعوناً للشقيق والصديق.. وداعية إلى الحكمة والتعاون من أجل خير البشرية وتقدمها”.

وشدد على الاستمرار “في نهج دولة الإمارات الراسخ في تعزيز جسور الشراكة والحوار والعلاقات الفاعلة والمتوازنة القائمة على الثقة والمصداقية والاحترام المتبادل مع دول العالم لتحقيق الاستقرار والازدهار للجميع”.

حفاوة بالغة

ووصل الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، اليوم الخميس، إلى العاصمة اليونانية أثينا في زيارة رسمية، قوبل خلالها بحفاوة بالغة.

وكان في استقباله لدى وصول موكبه إلى القصر الرئاسي كاترينا ساكيلاروبولو رئيسة جمهورية اليونان، حيث جرت له مراسم استقبال رسمية في القصر فيما عزف السلام الوطني لكل من دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية اليونان.

ويبحث الشيخ محمد بن زايد آل نهيان مع كاترينا ساكيلا روبولو رئيسة جمهورية اليونان وكيرياكوس ميتسوتاكيس رئيس الوزراء وعدد من المسؤولين في اليونان، خلال الزيارة، علاقات الصداقة ومختلف مسارات التعاون والعمل المشترك وسبل تعزيزها وتنميتها في إطار الشراكة الاستراتيجية التي تجمع البلدين.

4 قمم

ويعد اللقاء الذي يجمع الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ورئيس وزراء اليونان، خلال الزيارة هو الثاني خلال 3 شهور، بعد لقائهما خلال زيارة أجراها ميتسوتاكيس لدولة الإمارات في 9 مايو/أيار، صدر في ختامها بيان مشترك أعرب فيه البلدان عن تجديد التزامهما الراسخ نحو تعميق شراكتهما الاستراتيجية فيما يخص السياسة الخارجية والقضايا الإقليمية والأمنية والدفاعية.

وأكد الجانبان عزمهما المشترك على تعميق العلاقات بين الجانبين وترسيخها وتوسيعها لتشمل مجالات عديدة، إضافة إلى توحيد جهودهما لمواجهة التحديات العالمية والإقليمية المشتركة واستكشاف فرص جديدة، سعياً لتعزيز السلم والاستقرار والازدهار.

كما تم توقيع 12 اتفاقية ومذكرة تفاهم لتعزيز التعاون، بينها مذكرة تفاهم لإعلان تأسيس صندوق استثماري مشترك للاستثمار في عدد من القطاعات الحيوية في اليونان بقيمة 4 مليارات يورو، بما يستهدف دعم الفرص الاستثمارية في اليونان.

أيضا تعد القمة التي تعقد خلال الزيارة هي القمة الرابعة التي تجمع الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وكيرياكوس ميتسوتاكيس رئيس الوزراء اليوناني منذ توليه مهام منصبه في يوليو/تموز 2019.

وإضافة إلى زيارة مايو/أيار الماضي، سبق أن أجرى ميتسوتاكيس زيارتين إلى دولة الإمارات منذ توليه مهام منصبه في يوليو/تموز 2019، هما في فبراير/شباط ونوفمبر/تشرين الثاني عام 2020، التقى خلالهما الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وتم في الأخيرة الاتفاق على إنشاء “شراكة استراتيجية” بين البلدين.

وتخلل تلك المباحثات زيارات متبادلة لمسؤولين رفيعي المستوى من البلدين لتعزيز التعاون الثنائي وبحث حلول سياسية لأزمات المنطقة، بما يساهم في دعم الأمن والاستقرار بالمنطقة والعالم.

6 لقاءات في 3 شهور

وتتوج زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى اليونان سلسلة لقاءات ومباحثات وزيارات متبادلة، ذات أبعاد سياسية واقتصادية وعسكرية، بلغت نحو 6 لقاءات منذ تولي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئاسة دولة الإمارات قبل نحو 3 شهور.

قمم وزيارات متبادلة خلال وقت قصير تعكس متانة العلاقات بين البلدين، وحرصهما المتواصل على التنسيق وتعزيز التعاون بما يصب في صالح شعبيهما والمنطقة.

تأتي زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بعد شهرين من استقبال الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي، نيكوس ديندياس وزير خارجية جمهورية اليونان في أبوظبي 25 يونيو/حزيران الماضي.

وجرى خلال اللقاء بحث الفرص المتاحة لتعزيز وتطوير آفاق التعاون المشترك في عدد من المجالات والقطاعات الواعدة والمهمة، في إطار الشراكة الاستراتيجية التي تجمع بين البلدين الصديقين.

وفي الشهر نفسه، أجرى الدكتور سلطان بن أحمد الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة الإماراتي، زيارة إلى أثينا، التقى خلالها كيرياكوس ميتسوتاكيس، رئيس الوزراء اليوناني وعددا من المسؤولين.

وتناول النقاش سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين وفرص الاستثمار المشترك والتعاون في المجالات التي من شأنها أن توطد التعاون الاستراتيجي بين البلدين.

وأوضح الجابر خلال اللقاء أن توجيهات القيادة الرشيدة في دولة الإمارات تركز على استكشاف فرص التعاون والاستثمار المشترك في المجالات الحيوية والقطاعات الواعدة التي تسهم في تحقيق النمو الاقتصادي المستدام للبلدين.

أيضا تم خلال الزيارة عقد “منتدى أعمال إماراتي يوناني” برئاسة “القابضة” /ADQ/ وعدد من الرؤساء التنفيذيين لأبرز الشركات الإماراتية الرائدة في مجالات الطاقة والاستثمار والصحة والزراعة والصناعات الدفاعية والبنية التحتية، والتطوير العقاري، والقطاع المالي.

ويهدف هذا المنتدى بشكل رئيسي إلى تفعيل اتفاقية إنشاء الصندوق الاستثماري المشترك بقيمة 4 مليارات يورو، والتي تم الإعلان عنها خلال زيارة رئيس الوزراء اليوناني إلى أبوظبي في شهر مايو/أيار الماضي، كما سيساهم هذا المنتدى في تعزيز قنوات التواصل بين الشركاء من الجانبين وبما يضمن خلق فرص استثمارية تحت هذا الصندوق.

تعاون عسكري

ومطلع الشهر نفسه (يونيو/حزيران) التقى اللواء الركن سعيد راشد الشحي قائد القوات البرية الإماراتية، الفريق أول كوستاندينوس فلوروس رئيس الأركان العامة للدفاع الوطني اليوناني، في إطار التشاور والتنسيق المستمر في مجالات التعاون الدفاعي.

وبحث قائد القوات البرية خلال اللقاء علاقات التعاون والعمل المشترك بين البلدين، إلى جانب تبادل وجهات النظر، بشأن عدد من القضايا والموضوعات ذات الاهتمام المشترك.

كما التقى قائد القوات البرية الفريق خارالامبوس لالوسيس رئيس هيئة الأركان العامة للجيش اليوناني، وتم خلال اللقاء بحث علاقات التعاون الدفاعي والعسكري المشترك وسبل تعزيزها لخدمة مصالح البلدين الصديقين، وتبادلا وجهات النظر حول عدد من القضايا الإقليمية والدولية.

يأتي اللقاءان ضمن تعاون عسكري متناميين بين البلدين، حيث اختتمت في 31 مارس/آذار الماضي أعمال اجتماع اللجنة العسكرية المشتركة بين دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية اليونان، وذلك في مقر وزارة الدفاع بأبوظبي.

وبحث الجانبان، خلال الاجتماع، علاقات التعاون والتنسيق المشترك في المجال الدفاعي والعسكري وسبل تنميتها بما يحقق المصالح الوطنية المشتركة بين البلدين.

وفي ختام اجتماع اللجنة، تم التوقيع على برنامج التعاون العسكري الإماراتي-اليوناني لعام 2023/2022، الذي يركز على عقد التمارين المشتركة والتنسيق في مجال التدريب وتبادل الخبرات بين الجانبين بهدف تطوير وتأهيل القدرات البشرية ورفع كفاءة الخبرات العسكرية والفنية التي تمتلكها القوات المسلحة في كلا البلدين.

جاء هذا الاجتماع بعد عدة شهور من مشاركة البلدين في التمرين العسكري المشترك “ميدوزا -11” الذي أقيم في اليونان نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

تأتي تلك التمرينات بعد شهرين من اختتام قوات خاصة من الإمارات والسعودية ومصر واليونان، التدريب الرباعي المشترك ‏”هرقل 21″، الذي أقيم بمنطقة بيراموس اليونانية.
تعاون إنساني

على الصعيد الإنساني، كانت دولة الإمارات كدأبها من أوائل الدول التي أعلنت تضامنها مع الشعب اليوناني خلال حرائق الغابات التي شهدتها البلاد أغسطس/آب من العام الماضي، وكانت القيادة الإماراتية سباقة في تقديم الدعم والمساندة وتسخير الإمكانيات خاصة اللوجستية منها لتعزيز الجهود المبذولة لإخماد الحرائق ومحاصرتها والحد من انتشارها وامتدادها إلى مناطق أخرى.

ودشنت دولة الإمارات جسراً جوياً لتقديم المساعدات إلى المتأثرين من حرائق الغابات في جمهورية اليونان وتوفير احتياجات المدنيين المتأثرين بالحرائق وتعزيز الحماية لهم، إلى جانب مساهمتها في عمليات إخماد الحرائق التي أدت إلى تدمير مساحات شاسعة من الغابات وفقدان العديد من اليونانيين ممتلكاتهم.

وفي 13 أغسطس/آب من العام الماضي، تلقى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان اتصالاً هاتفياً من كيرياكوس ميتسوتاكيس رئيس وزراء اليونان أعرب خلاله عن شكره للدعم الذي تقدمه دولة الإمارات إلى بلاده ومساعدة المتأثرين من حرائق الغابات وتوفير احتياجاتهم الضرورية، إضافة إلى مساهمتها في إخماد الحرائق التي تشهدها عدد من مناطق اليونان.

أيضا امتدت أيادي الخير الإماراتية لدعم وإغاثة اللاجئين في اليونان.

وقدمت دولة الإمارات على مدار السنوات الـ12 سنة الماضية ما يزيد على 2.1 مليار دولار من المساعدات لغوث اللاجئين السوريين سواء داخل سوريا أو في كل من الأردن ولبنان والعراق واليونان، من خلال توفير الغذاء والإيواء والرعاية الصحية وإنشاء المستشفيات الميدانية، وإنشاء المخيم الإماراتي-الأردني في منطقة مريجيب الفهود الأردنية ومخيمات مماثلة في إقليم كردستان العراق وفي اليونان، لتوفير سبل المعيشة والحماية والخدمات الاجتماعية المختلفة.

علاقات متنامية

ترتبط دولة الإمارات واليونان بعلاقات ثنائية وطيدة على مختلف الأصعدة، ضمن مساع مشتركة للارتقاء بها إلى آفاق أعلى، بما يخدم تطلعات الشعبين الصديقين في التنمية والتقدم.

وبدأت العلاقات الدبلوماسية بين دولة الإمارات والجمهورية اليونانية في 21 يونيو/حزيران من عام 1976، وتم التوقيع على إنشاء لجنة مشتركة للتعاون الاقتصادي والثقافي والفني في 14 يوليو/تموز من عام 1976، ودخلت حيز التنفيذ بالمرسوم الاتحادي رقم 79 لسنة 1980.

وتم افتتاح سفارة اليونان في أبوظبي عام 1989، وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2008 افتتحت سفارة الإمارات في أثينا.

وأسست دولة الإمارات واليونان دعائم شراكة استراتيجية قوية قائمة على الرؤية المشتركة بشأن السلام والازدهار في المنطقة وعززتا من علاقتها الثنائية في مجموعة من الجوانب بما في ذلك المجالات الاقتصادية والسياسية والطاقة والنقل والسياحة والثقافة.

وتتوافق رؤى البلدين بشأن العديد من القضايا والملفات خاصة ما يتعلق بالعمل على إيجاد تسويات سلمية للنزاعات والأزمات التي تشهدها المنطقة ودفع المساعي الدبلوماسية التي تسهم في تحقيق تطلعات شعوبها إلى السلام والازدهار والتنمية وتعزز الأمن والاستقرار الإقليمي والعالمي.

على الصعيد الاقتصداي، ترتبط دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية اليونان بعلاقات تجارية واستثمارية هامة، حيث بلغ إجمالي التبادل التجاري بين البلدين 560 مليون دولار أمريكي في عام 2021، بنسبة نمو بلغت 67.4٪ مقارنة بعام 2020.

كما بلغ إجمالي الاستثمارات المشتركة المباشرة بين الإمارات واليونان بنهاية 2020 نحو 381.1 مليون دولار (1.4 مليار درهم) منها 127.6 مليون دولار (468 مليون درهم) إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر القادم من اليونان إلى الإمارات، وحوالي 253.5 مليون دولار (931 مليون درهم) إجمالي الاستثمارات الإماراتية المباشرة إلى اليونان حسب بيانات المركز الاتحادي للتنافسية والإحصاء.