شهدت أميركا اللاتينية فترة من الصراع على السلطة، بين اليمين واليسار، وبعد فترة قصيرة من تراجع اليسار، نجده قد عاد من جديد للسيطرة على المشهد السياسي في بعض الدول، وذلك بعد ظهور المشاكل الاقتصادية، وتزايد فضائح الفساد والاضطرابات الاجتماعية، وتجلى هذا الأمر في العديد من الاحتجاجات، وتوطد مع جائحة كوفيد.
ويجدر بالإشارة، أن 11 من أصل 12 انتخابات رئاسية، كانت قد اكتملت بأميركا اللاتينية منذ العام 2019 بالتصويت لتغيير الحزب الحاكم، باستثناء نيكاراغوا التى شهدت انتخابات فى تشرين الثاني من العام 2021، وتمكن الرئيس دانييل أورتيجا من إعادة انتخابه، بعد أن قامت حكومته بسجن منافسيه المحتملين.
وأفاد مراقبون للشأن اللاتيني، بأن، “ثمة استياء عام من الطبقة السياسية ولهذا، فإن مَن ينتهى به الأمر إلى دفع الفاتورة هو الحزب الحاكم”، وتكتمل صورة السخط هذه خلال العام الجاري(2022)، لاسيما مع ثلاثة انتخابات بالقارة، اثنتان منها فى أكثر البلدان اكتظاظًا بالسكان في أميركا الجنوبية: البرازيل وكولومبيا.
وأُجريَت أول انتخابات عامة فى أميركا اللاتينية للعام 2022 في 6 شباط، تحديداً في كوستاريكا، التي شهدت جولة إعادة بالثالث من نيسان المنصرم، وأسفرت عن فوز رودريجو تشافيز، تلتها كولومبيا، في حزيران، وفيها تغلب مرشح اليسار غوستافو بيترو، فيمَ لاتزال رئاسيات البرازيل، قيد الترقب حتى تشرين الأول القادم.
ويرى بعض المحللين أن الاضطرابات الاجتماعية قد تعود مرة أخرى إلى الواجهة، إذ يجري التحذير من أن احتجاجات مثل تلك التى شهدتها كولومبيا، خلال السنوات الأخيرة، قد تعود إلى عموم أميركا اللاتينية.
وأكدت دراسة اسكندنافية، صدرت مؤخراً عن أحد معاهد دراسات النظم السياسية، أن،”الهجمات على الهيئات الانتخابية أصبحت أكثر تكراراً” بأميركا اللاتينية، سواءً من الحزب الحاكم أو المعارضة، في كلٍ من، البرازيل والسلفادور والمكسيك، والبيرو.
كوستاريكا: من اليسار إلى اليمين:
كشفت النتائج الخاصة بلجنة الانتخابات في كوستاريكا أن الخبير الاقتصادي والمسؤول السابق بالبنك الدولي رودريجو تشافيز قد فاز برئاسة البلاد.
وجرت جولة الإعادة، في نيسان الفائت، حيث أظهرت النتائج حصول تشافيز على نحو 52.9 في المئة من الأصوات، فيما حصل المرشح المنافس ورئيس كوستاريكا الأسبق خوسيه ماريا فيجيريس على 47.1 في المئة.
وشارك أكثر من 20 مرشحاً في الانتخابات لانتخاب رئيس جديد خلفاً لكارلوس ألفارادو، الزعيم الديمقراطي الاشتراكي الذي تولى السلطة قبل نحو أربعة أعوام.
وفي علامة أخرى على السخط الشعبي من الحكومات اللاتينية، كان ترشح ويلمر راموس، عن حزب العمل المواطن الذي ينتمي إليه الرئيس ألفارادو، وهو ما يشي بوجود وجوه جديدة، بخلاف تلك التي اعتادت ملء مقاعد السلطة، والترشح، لسنوات.
ويحظر دستور كوستاريكا إعادة انتخاب الرئيس حيث ينص على توليه فترة رئاسية واحدة.
وعدد سكان كوستاريكا، التي تُعرف بأنها وجهة سياحية، 5 ملايين نسمة، وتشتهر بالتنوع البيولوجي وجهودها لحماية الطبيعة.
كولومبيا أعطت الغَلَبة لليسار:
في ال20 من حزيران الفائت، بات غوستافو بيترو أول رئيس يساري في تاريخ كولومبيا، بعد حصوله الأحد على 50,47 في المئة من الأصوات في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية.
وحصل خصمه المليونير رودولفو هيرنانديز على 47,27 في المئة من الأصوات، بحسب النتائج التي نشرتها الهيئة الوطنية المكلفة تنظيم الانتخابات، أي بفارق نحو 700 ألف صوت، بحسب النتائج التي نشرتها الهيئة الوطنيّة المكلّفة تنظيم الانتخابات.
وقال هيرنانديز، في بث حي عبر فيس بوك حينذاك،: “اليوم اختارت غالبية المواطنين المرشح الآخر… أنا أقبل النتيجة كما هي”. وأضاف: “آمل أن يعرف غوستافو بيترو كيف يقود البلاد وأن يكون مخلصًاً لخطابه المضاد للفساد”.
ومن جهته كتب الرئيس المحافظ المنتهية ولايته إيفان دوكي على تويتر: “اتصلتُ بغوستافو بيترو لتهنئته بصفته رئيسا منتخبا للشعب الكولومبي”، مضيفا: “اتفقنا على الاجتماع لبدء انتقال سلس ومؤسساتي وشفاف”، وكانت تلك، المرة الثالثة التي يخوض فيها بيترو (62 عاما) انتخابات رئاسية، ورأى العديد من الناشطين في ائتلافه اليساري “الميثاق التاريخي” الذي تصدر الانتخابات التشريعية في آذار الفائت، أن هذه الانتخابات هي محطة فاصلة بالسياسة الكولومبية.
ويمثل فوز بيترو أمر غير مسبوق، كما أسلفنا الذكر، فهذه هي المرة الأولى التى يتم فيها انتخاب مرشح يسارى رئيساً لكولومبيا، ومع ذلك، مازال يمكن للبلاد أيضًا الالتفاف على الاستقطاب بين اليسار واليمين الذى كان موجودًا فى انتخابات أميركا اللاتينية الأخيرة.
البرازيل: (لولا) إلى واجهة استطلاعات الرأي:
وفيمَ تتهم الشرطة الاتحادية البرازيلية الرئيس جايير بولسونارو، بثني السكان عن استخدام الكمامات خلال جائحة كوفيد، وادعاء أن الذين تلقوا التطعيمات المضادة لفيروس ”كورونا“ المستجد، معرضون لخطر الإصابة بـ“الإيدز“، حيث أُرسلت وثيقة إلى المحكمة العليا في البرازيل، أفاد خلالها مفوض بالشرطة إن ”مساعي بولسونارو، للحض على عدم الامتثال للتدابير الاحترازية المرتبطة بالوباء تصل إلى مستوى جريمة، في حين أن جهوده لربط الإيدز بالتطعيم ترقى إلى مرتبة الجنح“.
وبعد انتقادات شديدة لبولسونارو بسبب استجابته (المخزية) للوباء، والأداء الاقتصادى الضعيف للبرازيل، ظهر الرئيس الأسبق، لولا دي سيلفا كمفضل واضح في استطلاعات الرأى خلال الاقتراع ضد الرئيس الحالي والمقرر نهاية تشرين الأول المقبل.
ويرى المختصون بالشأن اللاتيني، أن فوز لولا في البرازيل (حال حدوثه)، وكذلك، فوز بيترو في كولومبيا، من شأنه أن يعطي دفعة جديدة لليسار بأميركا اللاتينية، ويُعزى هذا إلى الوزن النسبي الكبير لهاتين
الدولتين بالأساس.
بيد أن، فوز المرشحين اليساريين فى معظم الانتخابات التى أجريت بالقارة الجنوبية: مثل، لويس آرس فى بوليفيا، وبيدرو كاستيلو في البيرو، وزيومارا كاسترو في هندوراس، وجابرييل بوريتش في تشيلي، باستثناء حالة نيكاراغوا الخاصة، لا يعني توقع “مد وردى” إقليمى جديد من الآن فصاعدًا، وذلك على رُغم ما حدث فى العقد الأول من القرن بالترافق مع انتخاب العديد من الحكومات اليسارية، التي تمكنت من توحيد صفوفها، وإعادة انتخابها.