يبدو أن الصراع الروسي الأميركي على وقع الأزمة الأوكرانية تتسع نطاقاته أكثر لتطال الفضاء الخارجي هذه المرة، مع تصريحات الرئيس الجديد لوكالة الفضاء الروسية، يوري بوريسوف، التي قال فيها إن بلاده ستتخلى عن المحطة الفضائية الدولية بعد العام 2024، على أن يتم إنشاء محطة مدارية وطنية روسية.
ويرى خبراء أن هذا القرار يعكس خطورة ما يحدث من شقاق بين روسيا والغرب، وأن تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وما جرته من عقوبات وضغوطات متبادلة بين موسكو والعواصم الأطلسية، لن تقف عند حد، فبعد ما تسببت به من أزمات زعزعت أمن الأرض غذائيا وطاقيا وفي مختلف المجالات ها هي تنتقل للفضاء .
وحذر الخبراء من أن انهيار التعاون الدولي بين القوى العالمية الكبرى في مجال استكشاف الفضاء وبحوثه العلمية، سيكون له كلفة باهظة سترتد سلبا على كل ما أنجزته وراكمته البشرية من نجاحات كبيرة في هذا القطاع العلمي الحيوي، وأنه يهدد باستحضار أجواء الحرب الباردة بين الروس والأميركيين والتي عرفت في شقها الفضائي آنذاك بحرب النجوم .
وحول موجبات القرار الروسي وتداعياته المتوقعة، تقول لانا بدفان الباحثة الروسية والخبيرة في العلاقات الدولية، في حوار مع سكاي نيوز عربية :”انسحاب روسيا من المحطة الدولية سيقود ولا شك لضرر بالغ وتغيرات كبيرة في مجمل عمليات الملاحة الفضائية، وما تتضمنه من مجالات وأطر التعاون المشترك بين الولايات المتحدة وروسيا وكندا واليابان وغيرها من الدول المنضوية فيها، لكن هذا القرار الروسي أتى بطبيعة الحال على وقع العقوبات الغربية الكبيرة التي تتعرض لها، وشملت قطاع استكشاف الفضاء وتكنولوجياته وبعض تقنيات الأقمار الصناعية”.
وبالتالي، تضيف بدفان :”فروسيا كانت أمام خيارين، إما القبول بذلك والاستمرار بالانخراط في جهود المحطة الدولية مع دول تعاديها وتفرض عليها العقوبات، وإما أن تقوم بتأسيس محطتها الفضائية الوطنية الخاصة بها، ولتعنى بتطوير صناعة استكشاف الفضاء الروسية وبالتعاون مع دول حليفة وصديقة ليست مشاركة في العقوبات عليها كالصين مثلا، وهذا الخيار الثاني فضله خبراء وعلماء الفضاء الروس، الذين قرروا أن تستقل روسيا بمحطتها الفضائية بحلول العام 2024″.
وتستدرك الباحثة الروسية :”لا ننسى هنا أن موسكو أطلقت مثلا قبل أشهر مجموعة أقمار صناعية تصنف عسكرية، واجهتها تحذيرات أميركية جراء ذلك، ما يعكس حقيقة أن الروس حتى خلال تعاونهم مع الأميركيين فضائيا، لكن مع ذلك فإن واشنطن كانت ولا زالت تعمل على تقييد نشاطاتهم الفضائية ووضعها تحت المراقبة والمساءلة، بعكس تعاطيها فضائيا مع دول حليفة لها مثل كندا أو اليابان”.
وعن الآثار المترتبة على قرار الانسحاب على القطاعات القضائية الروسية والدولية، تجيب بدفان :”روسيا ومنذ زمن الاتحاد السوفييتي السابق كانت رائدة عالميا في مجالات علوم الفضاء وبحوثه واستكشافه، لكن مع انهيار ذلك الاتحاد وانضمام روسيا بعيد ذلك لمحطة الفضاء الدولية، بات قطاع بحوث الفضاء الروسي وصناعاته ينخره الفساد والرتابة والتراجع، ولهذا فإن قرار انسحاب موسكو من محطة الفضاء الدولية، هو بمثابة بصيص أمل للارتقاء مجددا بمكانة الروس ودورهم الريادي في غزو الفضاء، وهو ما سيخدم بالمحصلة العالم ككل”.
هذا وجاء قرار الانسحاب الروسي خلال مؤتمر صحفي لرئيس وكالة الفضاء الروسية، الذي شدد على أن روسيا تعمل في إطار التعاون الدولي في محطة الفضاء الدولية، وسوف تفي، بطبيعة الحال، بجميع التزاماتها تجاه الشركاء.
وأكد المسؤول الروسي على أن قرار مغادرة المحطة الدولية في الفترة المحددة “قد تم اتخاذه بالفعل”.
وردت وزارة الخارجية الأميركية، على ذلك بالقول إنها أصيبت بالدهشة من إعلان روسيا، ووصفته بأنه “تطور مؤسف”.
وقال المتحدث باسم الوزارة نيد برايس :”إنه تطور مؤسف بالنظر إلى العمل العلمي البالغ الأهمية الذي تم في محطة الفضاء الدولية، وكذلك إلى التعاون المهني القيم الذي تم بين وكالتينا للفضاء على مدى السنوات وخاصة في ضوء اتفاقنا الذي تم تجديده بشأن التعاون في مجال الرحلات إلى الفضاء”.
وتعد محطة الفضاء الدولية المشروع العلمي والتكنولوجي الأكثر تطورا، والأعلى تكلفة على الإطلاق، في تاريخ استكشاف الفضاء .
ويعود تاريخ بناء المحطة إلى العام 1998، حيث شيدت بتعاون كل من الولايات المتحدة وروسيا، وبتمويل من كندا واليابان و10 دول أوروبية.
وتعتبر المحطة مختبرا للأبحاث والتجارب في الفضاء، لإجراء دراسات وبحوث علمية عميقة في مختلف التخصصات العلمية الفضائية والفيزيائية والبيولوجية وعلوم الأرض، وتستخدم لاختبار أنظمة وعمليات استكشاف الفضاء في المستقبل، كما تعمل على تحسين نوعية الحياة على الأرض عن طريق زيادة المعرفة العلمية من خلال الأبحاث التي أجريت خارج كوكبنا.
وتعتبر المحطة الدولية أغلى بناء أنشئ عن طريق البشر على الإطلاق، حيث قدرت تكلفتها بأكثر من 150 مليار دولار.