أُجريت الإنتخابات النيابية في لبنان 2022 على وقع تفاقم الإنهيار الإقتصادي الذي خلّف وما يزال تبعات اجتماعية كارثية، وقد أشارت آخر الإحصاءات الأممية أنّ نسبة الأسر اللبنانية التي تفتقر إلى ما يكفي من المال لشراء الأغذية وصلت إلى نحو الثمانين في المئة.
أّمّا إقليمياً ودولياً، فإنّ الانتخابات حصلت في ظلّ جمود للمفاوضات بين الولايات المتحدة وطهران حول الاتفاق النووي، فضلاً عن تحوّلات ضخمة يمكن وصفها بالجذرية ربما، على خريطة العلاقات بين دول المنطقة بعدما حفّزت الحرب الأوكرانية وتبعاتها الإقتصادية والسياسيّة والأمنية هذه الدول على مراجعة حساباتها الجيوسياسيّة على وقع المتغيرات في “النظام العالمي”، ولذلك كلّه أصداءٌ خيمت على الداخل اللبناني، وكيف لا؟ ما دام لبنان ساحة رئيسية في المنطقة لصراع النفوذين الإقليمي والدولي.
اقترع اللبنانيون، بنسبة أقل من كل المرات السابقة، بنسبة تضاهي تلك التي صوتوا بها بُعَيد انتهاء الحرب الأهلية في العام 92 تحديداً، ويئس كثيرون من إحداث أي تغيير في المشهد السياسي، والصورة الطائفية الجامدة التي أوصلت البلاد إلى الانهيار غير المسبوق.
ولعل أولى الخلاصات التي سارع المراقبون إلى استنتاجها من نتائج الإنتخابات النيابية أنّها امتدادٌ للأزمة السياسيّة – الإقتصادية التي يرزح تحت وطأتها المواطن اللبناني منذ 17 تشرين الأول 2019، وأنها لم تشكّل لمجرد حصولها وصدور نتائجها مدخلاً سريعاً وسهلاً إلى معالجة جذرية لهذه الازمة، بالرغم من التغييرين الأساسيين اللذين حملتهما إلى المشهد السياسي، وهما خسارة حزب الله وحلفائه الغالبية النيابية ووصول عدد غير متوقّع من المرشحين الممثلين لإنتفاضة 17 تشرين إلى الندوة البرلمانية.
وبقراءة أكثر عمقاً للمشهدية الانتخابية، وفي الواقع الطائفي المحض، نحن أمام محصّلة أساسية تتمثّل في “تراجع” لحزب الله في البيئتين الدرزية والسنيّة وفي الحاضنة المسيحية كذلك، بينما كان الحزب يسعى بجهد استثنائي لإيصال أكبر عدد ممكن من حلفائه السنّة والدروز والمسيحيين.
ففي البيئة السنية لم يفز سوى نائب سنّي وحيد من الاحباش حلفاء الحزب في بيروت في وقت خرج أبرز حلفاء الحزب في طرابلس، أي فيصل كرامي، من الندوة البرلمانية، وفي صيدا فاز أسامة سعد وعبد الرحمن البزري وهما غير مدعومين من الحزب، وهذه عيّنة عن الحضور السياسي للحزب في المدن السُنّية
الرئيسية الثلاث.
وبالرغم من أن تراجع حزب الله حقيقي، إلا أنه ربما ليس وازناً إلى حد الوشاية بفقدان كتلة المقاومة لزخمها بالنسبة للبنانيين، أو لإحداث تغيير قح على مستوى الأدوات السياسية للحزب أو حتى شريكه الأساسي حركة أمل، وفي ذلك، فإن مشهدية إعادة انتخاب نبيه بري، والتي بلغت بها مصادر عين التينة على نحو استباقي عشية التصويت، ليست ببعيد، حيث أن المعادلة في المجلس النيابي، ورغم محاولات المستقلين للمقاومة مازالت كعهودها السابقة، لصالح حزب الله- حركة أمل، و”الحليف” التيار الوطني الحر والذي فاز بنيابة الرئاسة عبر إلياس بو صعب.
وهو ما يدفع للقول بأن الفاعلية ليست بعدد النواب، ولكنها فاعلية التأثير التي ما يزال يمتلكها حزب الله، وحلفاؤه وتعطيه هامشاً من حرية الحركة ربما يتجلى بشكل أكبر، في عقد تشكيل الحكومة، وإحياء مفاوضات ترسيم الحدود، واستكمال إجراءات المفاوضة مع صندوق النقد، خاصة وأن حكومة الرئيس ميقاتي باتت تعتبر نفسها بلا عمل طالما أنجزت الانتخابات.
وفي الختام، يمكن القول بأن الخريطة البرلمانية الجديدة بانقساماتها تبشّر بانسدادات سياسيّة جديدة أكثر تعقيداً من السابق في ظلّ ضياع الأكثرية وتشتت التحالفات والمواقف من الإستحقاقات والملفات السياسية والإقتصادية المطروحة، وهذه الحالة لن يستفيد منها سوى القوى الطائفية المعتادة والأكثر تنظيماً وفاعلية على الأرض، وبالتالي، ليس غريباً أن يقول السيد حسن نصر الله لناخبيه: كفيتم ووفيتم.