بحلول نهاية أبريل/نيسان المنصرم، أعلن الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، خلال حفل إفطار الأسرة المصرية إطلاق “حوار سياسي” مع كل القوى بدون استثناء ولا تمييز، ورفع مخرجات هذا الحوار له شخصياً، وقد تأتى ذلك تحت مظلة حكم قضائي مصري بوضع التنظيم الإخواني على قوائم الإرهاب.
ومن جهتها، انقسمت جبهات التنظيم المحظور إثر التورط في أعمال عنف وإرهاب، حول دعوة الحوار، فقال ما يُعرَف باسم “معسكر إسطنبول” والذي دخل منذ شهور في صراع عنيف على المال والسلطة مع جبهة القائم بأعمال المرشد إبراهيم منير في لندن، إن الحوار إنما يمثل أداة سياسية وأمر لازم وضروري، وأن الإرادة الصادقة لإجرائه ينبغي أن تتوفر لها شروط النجاح والاستمرار، وفي مقدمتها توفر حسن النية وبناء الثقة.
وبناء عليه، لم يأتِ إخوان الدرجة الثانية باسطنبول إلا بكلام مرسل بشأن الحوار، وما كان هذا إلا من قبيل حفظ ماء الوجه أمام جبهة لندن.
فيمَ أعلن يوسف ندا، القيادي البارز بجماعة الإخوان المسلمين والمفوض الدولي باسمها سابقاً، مايو/آيار الماضي أنه يطرح للمرة الثانية إمكانية الحوار مع النظام المصري، مشيراً إلى أن باب الإخوان مفتوح لطي صفحة الماضي، وذلك بعد ما وصفه بـ “رد المظالم”.
بهذا المجال، جاء رد (ندا) من المملكة المتحدة على دعوة رأس النظام المصري، في رسالة عبر بوابة الإخوان الإليكترونية، واقترح الرجل أن تكون البداية عبر “رد المظالم ووقف العدوان، وإنهاء معاناة المسجونين مـن النساء والرجال، ومعاناة أسرهم” – بحسب تعبيره -.
وأوردت الرسالة المذكورة نص المادة الدستورية التي تنص على “يلتزم مجلس النواب في أول دور انعقاد له بعد نفاذ هذا الدستور بإصدار قانون للعدالة الانتقالية يكفل كشف الحقيقة والمحاسبة، واقتراح أطر المصالحة الوطنية، وتعويض الضحايا، وذلك وفقا للمعايير الدولية”.
ويجدر بالإشارة، أن هذه ليست المرة الأولى التي أبدى خلالها فرع التنظيم ببريطانيا، مرونة تجاه نظام السيسي، ففي مارس/آذار 2021، أكد إبراهيم منير، القائم بأعمال المرشد العام للإخوان المسلمين، استعداد الجماعة قبول أي عرض يخدم مصلحة الشعب المصري، وكان ذلك عقب مصالحة العلا بنحو الشهرين، وبعد أيام من إعلان أنقرة بدء اتصالات دبلوماسية مع القاهرة من أجل إعادة العلاقات إلى طبيعتها.
ومن ثم، بمقاربة أكثر اتساعاً، يأتي الانقسام المذكور حول الحوار الوطني المصري ليعكس تصدع التنظيم الإخواني، ومحاولته للبقاء والإلتفاف على سقوطه في الدول العربية، مضافاً إليها عملية تدويل منصب المرشد، و الإيحاء بسقوط الهالة والقداسة التي كانت تغلف هذا المنصب تحديدا،ً بل وقصره على إخوان مصر باعتبارهم كانوا الأحق والأقدر على إدارة التنظيم دولياً.
ويعتبر مراقبون أن، إظهار خلافات التنظيم هي محاولة خفية لإعادة تموضع تشكيل كياناته من جديد، وهنا، يعد مكتب لندن هو المقر الحقيقي لإدارة المشهد خلال المرحلة الحالية والمقبلة سيما، في ظل هروب قيادات إخوان مصر واحتمائهم ببريطانيا التي تضم مئات المؤسسات والكيانات الإخوانية.
ولكن التساؤل الحقيقي بهذه الحالة يظل عن ماهية رد النظام المصري على هذا الانفتاح الإخواني، حتى مع التسليم أن القول الفصل في المسألة هو لإخوان لندن، لأن القرار بإشراك التنظيم من عدمه بحوار سياسي، هو مسألة تقررها نخبة السيسي دون غيرها.