كتب الباحث كرم سعيد من خلال مركز المستقبل للأبحاث والدراسات تقريراً يناقش فيه السيناريوهات المحتملة للإحتجاجات المعارضة التونسية، حيث شهدت تونس، في 5 يونيو الجاري، تظاهرات نظمها الحزب الدستوري الحر بالقرب من البرلمان، استهدفت كسر هيمنة حركة النهضة على مفاصل المشهد النيابي، فضلًا عن التنديد بتدهور الوضع الاقتصادي، والفشل في توفير العدد المطلوب من اللقاحات في ظل تفشي وباء كورونا في البلاد. وتزامنت هذه الاحتجاجات التي سبقتها احتجاجات مماثلة نظمها الحزب في فبراير الماضي في مدينة سوسة، مع استمرار التجاذبات السياسية بين الرئاسيات الثلاث (الرئيس، والبرلمان، والحكومة(، إضافة إلى الأداء الاقتصادي الضعيف، وتفاقم الأوضاع المعيشية للمواطنين. وقد كشفت الاحتجاجات التي نظمها الحزب عن استمرار حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي في البلاد، خاصة أن التصريحات والتصريحات المضادة بين الكتل السياسية داخل البرلمان زادت من صعوبة التنبؤ بمسار الأزمة المفتوحة على كل الاحتمالات. وبدأ الباحث تقريره بالإشارة إلى دوافع الإحتجاجات والتي يمكن تلخيصها في عدد من النقاط كاتي:
دوافع الاحتجاجات:
1- الانتخابات القادمة: جاءت تظاهرات الحزب الدستوري الحر في سياق تثبيت الحضور في المشهد الانتخابي، خاصة في ضوء صعود زخم دعوات حزبية تطالب بضرورة إجراء انتخابات مبكرة، لا سيما وأن البرلمان الحالي برئاسة راشد الغنوشي فشل في تحقيق الاستقرار السياسي المطلوب، إضافة إلى أن الحزب يقدم نفسه كرأس حربة للمعارضة لحكم الإسلاميين بعد ثورة 2011، وتسود حالة من التوافق في صفوف المعارضة العلمانية، فضلًا عن التوافق بين قطاع واسع منها على ضرورة إنتاج مبادرة لحوار وطني يهدف لوضع خارطة طريق لإنقاذ البلاد.
في سياق متصل، فإن تظاهرات المعارضة التونسية، وفي الصدارة منها الحزب الدستوري الحر، لا تنفصل عن محاولة إثبات القدرة على إمكانية تحريك الشارع، وهو ما يصبّ في مصلحتها، حيث تستفيد من هذه الحالة في محاولة تقليص نفوذ حركة النهضة، وسحب البساط الشعبي من تحت أقدامها مقابل زيادة ثقة الشارع التونسي في المعارضة.
2- إفشال تحركات الخصوم: يضاف إلى ما سبق، مخاوف المعارضة، ومنها الحزب الدستوري الحر من تحركات حركة النهضة لإدخال تعديلات على القانون الانتخابي، حيث تتحرك حركة النهضة منذ نهاية أبريل الماضي نحو تمرير تعديلات على القانون الانتخابي الحالي، تتضمن تقليص صلاحيات الرئيس فيما يخص الدعوة إلى الانتخابات أو الاستفتاء. ويتضمن المقترح تحويل صلاحية الدعوة للانتخابات أو للاستفتاء، من رئيس الجمهورية إلى رئيس الحكومة. وتعي المعارضة التونسية أن حركة النهضة تسعى من خلال هذه الخطوة إلى تجريد سعيّد من إمكانية الدعوة إلى انتخابات مبكرة، في ظل تواصل الأزمة السياسية بين مكونات السلطة الناتجة عن انتخابات 2019.
3- توظيف الأزمات المعيشية: تصاعدت حدة الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها تونس في الآونة الأخيرة نتيجة حدود نجاحات هشام المشيشي بحسب قطاعات واسعة من النخب السياسية التونسية المعارضة، وفي الصدارة منها الحزب الدستوري الحر، وهو ما ترتب عليه تدني المستويات المعيشية للمواطنين.
في هذا السياق، فإن التظاهرات الأخيرة لا تنفصل عن توظيف تدهور الأوضاع المعيشية في البلاد لتشويه حركة النهضة، وحكومة المشيشي المحسوبة عليها، وكذلك التأكيد على حدود نجاحات الحكومة في معالجة الأزمات الاقتصادية عبر الاقتراض من الخارج. والأرجح أن ثمة شكوكًا لدى قطاعات معتبرة من المعارضة التونسية تعتقد أن حكومة هشام المشيشي تمثل ذراعًا مستترة وعصا غليظة لحركة النهضة في مواجهة خصومها من جهة، ومن جهة أخرى تستثمر النهضة حكومة المشيشي للتغطية على الفساد السياسي الذي تمارسه حركة النهضة.
ثم أشار الكاتب إلى التداعيات المحتملة لهذه الإحتجاجات وهي:
تداعيات محتملة:
1- تعقيد الأزمة السياسية: يشير استمرار الاحتجاجات في تونس إلى غياب فرص حلحلة الأزمة السياسية، خاصة بعد أن دخلت البلاد في حلقة جديدة من التوتر المستمر بين القوى السياسية، وخاصة بين الرئيس وعدد من الأحزاب العلمانية من جهة، وحركة النهضة من جهة أخرى.
في هذا السياق، فإن الاحتجاجات التي نظمها الحزب الدستور الحر جاءت كاشفة عن عمق الخلافات بين مكونات المشهد، وظهر ذلك في البيان الذي أصدره الحزب قبيل الاحتجاجات الأخيرة، حيث قال إن دعوته لتنظيم المسيرة تأتي “إثر الانتهاكات الخطيرة والانحرافات غير المسبوقة التي يشهدها البرلمان نتيجة تغول راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة ورئيس البرلمان، وأغلبيته البرلمانية، والتعسف في استعمال السلطة داخل هياكل المجلس”.
2- تفاقم الأوضاع الاقتصادية: من دون شك فإن الاحتجاجات السابقة قد تلعب دورًا مؤثرًا في زيادة الضغوط على هياكل الدولة ومؤسساتها، وبخاصة الحكومة المدعومة من نواب حركة النهضة، كما قد تسفر عن تأخر الحكومة في بدء كثير من الخطوات لإصلاح الاقتصاد في الفترة المقبلة، وذلك على غرار استجابتها في السابق لضغوط الاتحاد العام للشغل في عام 2016 بعدم تجميد زيادات أجور القطاع العام، حيث هدد الأخير بتنظيم إضراب واسع أكثر من مرة لوقف الإجراءات التقشفية للحكومة.
4- ترسيخ نموذج “معركة الشوارع”: تكشف تظاهرات الحزب الدستوري الحر الأخيرة عن أن تونس مقبلة على معركة الشوارع والتحشيد والتحشيد المضاد في الفترة القادمة، مما ينذر بانفجار أزمة اجتماعية وشيكة تعمق أكثر الأزمة الاقتصادية في البلاد. كما ترى بعض التقديرات أن التظاهرات الشعبية الواسعة التي شهدتها تونس في الأشهر الأخيرة، وآخرها تظاهرات الحزب الدستوري الحر في ساحة باردو قرب البرلمان ضد حركة النهضة، قد توفر بيئة خصبة لنمو الحركات الاجتماعية، سواء الداعمة أو المناوئة، وكذلك القانونية منها أو الليلية التي تتم في ظل خرق حظر التجول. ومن ثم تطرق الباحث إلى إلى عدد من السيناريوهات المتوقعة لهذه الإحتجاجات وهي:
سيناريوهات متوقعة:
على الرغم من إشارة بعض المراقبين إلى أن احتجاجات المعارضة قد تفقد زخمها مع إحداث نقلة نوعية في الوضع الاقتصادي، وتحسن الأوضاع المعيشية للتونسيين؛ إلا أن فشل الحكومة في التحايل على الأزمات المعيشية، وتصاعد حدة الخلافات السياسية بين الرئاسيات الثلاث، فضلًا عن استمرار التصريحات والتصريحات المضادة بين حركة النهضة، والتيارات السياسية العلمانية، تشير إلى احتمال انعكاس الاحتجاجات السياسية على استمرار طبيعة الأزمة الراهنة. وفي هذا الإطار، يمكن الإشارة إلى سيناريوهين متوقعين، يتمثلان فيما يلي:
1- احتواء التظاهرات: قد تقوم الحكومة التونسية بالاستجابة لكافة مطالب المتظاهرين في ظل تصاعدها ومطالبتها بتغيير جذري في إدارة البلاد، وربما يتم احتواء التظاهرات بآليات مختلفة لإعادة الأمور إلى نصابها مرة أخرى، من خلال تخفيف حركة النهضة حدة صدامها مع الرئيس، والاستجابة لضغوط القوى السياسية بإعادة تشكيل حكومة جديدة. لكن هذا السيناريو يبدو مستبعدًا في ضوء سعي حركة النهضة إلى تأمين هيمنتها على المشهد التونسي، واستمرار دوران حكومة المشيشي في فلك حركة النهضة.
2- استمرار حالة الصدام: يبدو هذا السيناريو هو الأرجح، خاصة مع تفاقم الخلافات بين الرئاسيات الثلاث حول عدد من القضايا الجوهرية، منها أزمة تشكيل المحكمة الدستورية. كما تتصاعد حدة التباين بين حركة النهضة وخصومها السياسيين على خلفية الحديث عن وجود اتجاه أو نية لدى الأولى لإدخال تعديلات بمعاونة حلفائها في البرلمان على القانون الانتخابي، بهدف توظيفه في تقليص صلاحيات الرئيس من جهة، وفرض معوقات تمنع أحزاب الخصوم من تجاوز العتبة الانتخابية، ومن ثم استبعادها من البرلمان.
على صعيد ذي شأن فإن الحزب الدستوري الحر يعتقد أن استمرار التظاهرات يمثل أحد المداخل المهمة لرفع شعبيته وحضور رئيسته عبير موسى في الشارع التونسي، خاصة أن زعيمة الحزب رغم أنها حازت في عام 2019 نحو 4% من أصوات الرئاسيات، إلا أن استمرارها في قيادة حراك الشارع التونسي ضد النهضة في الأشهر الأخيرة ساهم في زيادة شعبيتها.
واختتم الباحث تقريره بقوله إن التظاهرات المستمرة التي تشهدها تونس تُنذر باستمرار الفشل في اختراق الأزمة السياسية، وأن فرص تسوية الأزمة قاتمة، الأمر الذي انعكس سلبًا بشكل واضح على تعاطي حركة النهضة مع احتجاجات الخصوم، حيث اعتبرت النهضة في 6 يونيو الجاري -على لسان القيادي بها سمير ديلو- أن سلوك رئيسة الحزب الدستور عبارة عن “عبث تستوجب
العقاب عليه”.