أخبار عاجلة

في مصر ..تضييق غير مبرر على حرية الباحثين

أفاد مركز كارنيغي للشرق الأوسط، في تقرير بتاريخ 23 آيار/مايو أنه إلى جانب محيط المناطق العسكرية في القاهرة ومدن وادي النيل يعجّ بتحذيرات ممنوع الإقتارب أو التصوير، باتت أغلب المناطق المتاخمة لحدود الدولة أيضًا مناطق عسكرية بموجب الق ا رر الرئاسي رقم 444 للعام 2014 . وأدّى هذا الق ا رر إلى مزيد من التقييد على حركة الباحثين العاملين في مصر،
وخصوصًا حول القضايا الحدودية، فأصبح إج ا رء الأبحاث السياسية أو الثقافي مهمة شبه مستحيلة .وليست هذه القيود المفروضة سوى جزءٍ من توجّه أوسع تبديه الدولة المصرية للتحكم بتدفّق المعلوما ت، فمع أن مصر تمتلك كن اً ز من البيانات والأرشيفات من شأنه مساعدة صنّاع الق ا رر على تبنّي سياسات تصبّ في خير المجتمع، تسعى الدولة إلى منع المواطنين العاديين كما الباحثين من الحصول على هذه المعلومات .


يُضاف إلى ذلك أن الدولة اتّخذت إجراءات تعيق بشكلٍ كبير قدرة المعنيين على إجراءات الأبحاث الميدانية،
فبات هذا الأمر في غاية الصعوبة مثلًً في المناطق الحدودية المصرية التي تعتبرها السلطات مواضيع حساسة
للغاية. وتشير هذه القيود بالدرجة الأولى إلى عجز الدولة عن فهم إيجابيات إعداد مثل هذه الأبحاث.
وهذا مستغربٌ جدًّا نظ اً ر إلى أن مصر تضم م ا ركز أبحاث عريقة مثل مركز المعلومات ودعم اتخاذ الق ا رر التابع
لمجلس الوز ا رء المصري، ومركز الأه ا رم للد ا رسات السياسية والاست ا رتيجية التابع لم ركز الأه ا رم الإقليمي
للصحافة، والمجلس القومي للسكان، وهو معهد يُعنى بإج ا رء أبحاث متعلقة بسكان مصر ويرفع التوصيات إلى
الهيئات التنفيذية .


نتيجةً لإج ا رءات التأميم التي شهدتها مصر عقب ثورة العام 1952 ، أصبحت الأبحاث، كما الفنون والصحافة،
واقعة ضمن صلًحيات الدولة حص اً ر. ففيما يواجه الباحثون المرتبطون بالدولة ع ا رقيل بيروق ا رطية تقيّد نطاق
أبحاثهم، يواجه الباحثون المستقلون تحديات أكبر، أبرزها عدم الحصول على الاعت ا رف من الحكومة .
يؤدي عجز الباحثين المستقلين عن نيل الاعت ا رف اللًزم، إضافةً إلى عدم فهم قيمة الأعمال البحث ية، إلى إدامة
الشكوك المُحيطة بالباحثين ومشاريعهم.
وغالبًا ما تعامل السلطات الباحثين كالصحافيين، ما يدفع الشرطة أو القوى الأمنية إلى اعتقالهم وسجنهم فيما
هم يجمعون المعلومات الضرورية. وهذا تحديدًا ما حصل مع الصحافية بسمة مصطفى، التي ألقي القبض
عليها أثناء تغطيتها احتجاجات الأقصر في تشرين الأول/أكتوبر 2020 ، واحتُجزت لأيام عدّة .
كذلك، أُلقي القبض على صحافي آخر هو إسماعيل الإسكند ا رني، على خلفية أبحاث أج ا رها حول الوضع
السياسي في منطقة حدودية مهمة هي سيناء. واحتُجز لمدة خمس سنوات وحوكِم أمام محكمة عسكرية اتُّهم
خلًلها بنشر أخبار كاذبة ومغلوطة. والجدير ذكره أن هذا الاتهام وُجّه إلى الكثير من المواطنين من دون وجود
أدلة تثبته. وفي نهاية المطاف، حُكم على الإسكند ا رني بالسجن عشر سنوا ت .


وفي حالات أخرى، كانت الشبهات وحدها كفيلة بأن تودي بحياة باحثين، كحال الطالب الإيطالي جوليو
ريجيني، الذي كان يجري أبحاثًا حول محاولات الباعة المتجولين في القاهرة لتأسيس نقابة، عندما اختُطف في
كانون الثاني/يناير 2016 ، وتوفي على ما يبدو إثر تعرّضه للتعذي ب .
لا بدّ من الإشارة إلى أن القيود الأمنية التي تفرضها الدولة غير محدّدة بدقة وتشمل مجموعة كبيرة من المسائل.
وتنطبق القيود نفسها على التوثيق الفوتوغ ا رفي، المتاح للجميع تقريبًا بفضل الهواتف الذكية. لكنه بات خطي اً ر
اليوم، لأن الشرطة قد تحقّق مع المصوّر، ما قد يؤدّي أحيانًا إلى تداعيات أشدّ خطورة .
لذا، من الضروري أن يحصل الباحثون على الاعت ا رف والاعتبار اللًزمين، كي تأخذ الأبحاث المكانة التي


تستحقها كوسيلة لتطوير المعارف المتعلقة بمصر وتعزيزها. ويُعتبر هذا الأمر ملحًّا، إذ إن المناطق الحدودية
المصرية على وجه الخصوص تعاني عوامل عدة مُزعزِعة للًستق ا رر، بدءًا من الن ا زع المسلح ضد الجماعات
الإرهابية في سيناء ووصولًا إلى الخلًفات مع السودان حول مثلث حلًيب وشلًتين. إن الحكومة، إذ تستمر
في عرقلة الأبحاث، تمنع بذلك الباحثين من التعمّق في فهم القضايا المجتمعية، وبالتالي تحول دون إنتاج
المعارف الضرورية لتخفيف حدّة الأزمات والص ا رعات التي تشهدها المناطق الحدودية المصرية .


أخيراً، يتعيّن على الدولة اتّخاذ الإج ا رءات الضرورية وحماية الباحثين العاملين في ظروف محفوفة بالمخاطر،
وغالبًا ما يقعون بين مطرقة الجماعات الإرهابية التي تعتقد أنهم يعملون لحساب المخاب ا رت المصرية من جهة،
وسندان الدولة من جهة أخرى. وإذا ما ق ررت الدولة حماية الباحثين، فهذا يعني أنها تعترف بفوائد إج ا رء
الأبحاث، وهو ما فعلته السلطات للمفارقة م ا ر اً ر في السابق مع بعض الأبحاث المستقلة، ودعوة الوز ا رء للباحثين
والخب ا رء المستقلين للًستفادة من أبحاثهم. لهذا السبب، يُعتبر تحسين ظروف إج ا رء الأبحاث في مصر جزءًا
لا يتج أ ز من عملية التصدّي إلى التحديات الاجتماعية والاقتصادية الكثيرة التي تواجهها البلً د .