كشفت وكالات إنفاذ القانون في ثلاث قارات الثلاثاء عن عملية أمنية واسعة النطاق قادها مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي “إف. بي. آي” وبيعت خلالها الآلاف من الهواتف المحمولة المشفرة لمنظمات إجرامية مما مكّن الشرطة من تتبع رسائلها لسنوات.
تكشف روايات الشرطة ووثائق قُدمت إلى القضاء الأميركي عن مكيدة عالمية طموحة استغرق إعدادها وقتاً طويلاً.
ما هو “آنوم”؟
يوصف “آنوم” بأنه هاتف محمول مشفر آمن تماماً يعد المستخدم بالسرية التامة في الاتصالات. وهو في الأساس عبارة عن هاتف مُخترق يستخدم نظام تشغيل معدلاً أزيلت منه كل خدمات الرسائل العادية والاتصالات الهاتفية أو نظام تحديد الموقع العالمي التي تجعله قابلاً للتتبع والتعقب.
ظاهرياً، يبدو الجهاز مثل هاتف محمول عادي، لكنه يحتوي على خدمة مراسلة يفترض أنها “آمنة” مخفية خلف تطبيق للآلة الحاسبة.
من الناحية النظرية، يعمل الهاتف ضمن شبكة مغلقة – يمكن لهواتف “آنوم” الاتصال فقط بهواتف “آنوم” الأخرى باستخدام تشفير “عسكري” ينقل البيانات عبر خوادم وكيلة (بروكسي) آمنة أو غير قابلة للاختراق.
هاتف “أنوم”
احتوت الهواتف أيضاً على مفتاح حذف لمحو جهات الاتصال أو أي بيانات أخرى مخزنة محلياً.
استخدمت الشبكات الإجرامية سابقاً خدمات مماثلة مثل “فانتوم سكيور” و”سكاي غلوبال” و”سيفر” و”إنكروتشات” طيلة سنوات للتخطيط والاتصال – ولجأت جهات تطبيق القانون كذلك إلى استغلالها في مكافحة الجريمة.
كيف تدخّل مكتب التحقيقات الفيدرالي؟
في مارس 2018، اتهمت هيئة محلفين كبرى الرئيس التنفيذي لشركة “فانتوم سكيور” فينسينت راموس، الذي أقر في النهاية مع زملائه بالذنب في مجموعة من التهم المتعلقة بالاتجار بالمخدرات.
بعد ذلك بوقت قصير، عرض “مصدر بشري سري” على مكتب التحقيقات الفيدرالي جهازاً مشفراً من الجيل التالي – سيُطلق عليه اسم “آنوم” – صُمِّم ليحل محل الأنظمة السابقة التي فقدت مصداقيتها أو انتهت صلاحيتها أو تم اختراقها.
وافق المصدر نفسه على نشر الأجهزة التي اخترقها مكتب التحقيقات الفيدرالي بين شبكة من موزعي السوق السوداء الذين باعوا في السابق “فانتوم سكيور” لأفراد خضعوا لفحص دقيق أو حصلوا على توصية، وهؤلاء يكونون عادة أعضاء في عصابات إجرامية منظمة.
كيف انطلى الأمر على المجرمين؟
في البداية، وُزع 50 هاتف “آنوم” في اختبار تجريبي وانتهى معظمها بين أيدي أفراد العصابات الإجرامية المنظمة الأسترالية. لكن من خلال الترويج لها شفهياً، اكتسبت هذه الهواتف شعبية بين زعماء عصابات إجرامية قيل إنهم أوصوا أصدقاءهم باقتنائها.
استخدام هواتف “أنوم” كان يتطلب دعوة من مستخدم آخر لها
ازدادت شعبية “آنوم” في عام 2020 عندما اخترقت السلطات الأوروبية “إنكروتشات” واعتقلت العشرات وبعد اعتقال الرئيس التنفيذي لشركة “سكاي غلوبال” جان فرانسوا إيب.
في النهاية، تمكن مكتب التحقيقات الفيدرالي والسلطات الأسترالية و”دولة ثالثة” لم يُذكر اسمها من الوصول إلى أكثر من 20 مليون رسالة من 11800 جهاز في 90 دولة.
راجت هذه الهواتف خصوصاً في ألمانيا وهولندا وإسبانيا وأستراليا وصربيا.
لماذا توقفت العملية؟
لا يوجد تفسير واضح حول سبب توقف العملية الآن. ولكن، قد يكون وراء الأمر مزيج من الشكوك والعقبات القانونية وتحول في الاستراتيجية.
لم يكن لدى جهات تطبيق القانون إمكانية الوصول في الوقت الفعلي إلى النشاط الذي يُستخدم الهاتف من أجله. لكن بدلاً من ذلك، نُسخت جميع الرسائل المرسلة بشكل مخفي أو أرسلت على نحو مخفي الوجهة إلى خوادم مكتب التحقيقات الفيدرالي حيث تم فك تشفيرها.
هاتف “أنوم”
كان أحد الخوادم في بلد ثالث حيث كانت صلاحية مذكرات توقيف المتورطين ستنتهي في 7 يونيو 2021. لكن حتى قبل هذا التاريخ النهائي، بدأت تثار شكوك حول العملية.
ففي مارس، نشر المدون “كان-يو-غيس67” على موقع “ووردبرس” مقالاً قال فيه إن “آنوم” مجرد “خديعة” وأن الجهاز الذي اختبره كان “على اتصال دائم” بخوادم “غوغل” وينقل البيانات إلى خوادم غير آمنة في أستراليا والولايات المتحدة.
والمقال الذي تم حذفه لاحقاً أشار إلى ارتباط “عدد من عناوين الانترنت بروتوكول (آي. بي) بالعديد من المؤسسات ضمن حكومات مجموعة فايف آيز”، التي تضم أستراليا والولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة ونيوزيلاندا والتي تشارك المعلومات مع بعضها بعضاً.
بالإضافة إلى ذلك، كان أحد الأهداف المعلنة لعملية “درع طروادة” هو تقويض الثقة في الأجهزة المشفرة، وهو هدف لا يمكن تحقيقه على نطاق واسع إلا عندما يُعلن عن العملية.