منذ إعلان تشكيل الحكومة الليبية الجديدة وظهور بداية لانفراجة سياسية في البلاد، وسعت كثير من الدول خاصة التي تمتلك حدودا مع ليبيا إلى إعادة حجم التبادل التجاري إلى سابق عهده والذي تعطل كثيرا بسبب الفوضى الأمنية والسياسية في البلاد.
ومن مصر مرورا بتونس ثم الجزائر عقدت ليبيا لقاءات ومؤتمرات كان المحور الرئيسي للمناقشات فيها يذهب للجانب الاقتصادي وإمكانية عودة العمل بالحدود البرية والجوية لرفع حجم التبادل التجاري بين البلدين وتعويض حجم الخسائر الذي ضرب ليبيا وجيرانها منذ تحجيم التبادل التجاري.
اتفاقيات تعيد الأمور لنصابها
وفي وقت سابق اتفقت ليبيا وتونس على رفع درجة تشغيل معبر رأس جدير الحدودي بين البلدين لرفع حجم التبادل التجاري وتسهيل سفر المواطنين بين الجانبين.
كما وقّع البلدان اتفاقية تعاون مشترك نص أحد بنودها على ضرورة تسهيل إجراءات سفر الأفراد وتسخير كافة الحدود بين الجارتين لدعم حرية التجارة وزيادة التبادل الاقتصادي اللذين أصبحا في مأمن بعد وقف إطلاق النار في ليبيا، وتشكيل حكومة وحدة وطنية.
مباحثات مكثفة مع الجزائر
وقبل يومين أعلنت وزيرة الخارجية في حكومة الوحدة الوطنية الليبية، نجلاء المنقوش، عن إعادة تفعيل اجتماعات اللجنة العليا المشتركة بين ليبيا والجزائر قريبا، لدراسة مختلف الملفات في المجال الأمني والتجاري والصحي.
وجاءت تصريحات الوزيرة خلال زيارتها مطلع الأسبوع للجزائر ضمن وفد يرأسه رئيس الحكومة، عبد الحميد الدبيبة، بحث فيها استعجال فتح الحدود البرية والجوية والبحرية بين البلدين.
وخلال الزيارة شارك الدبيبة في المنتدى الاقتصادي بين حكومتي البلدين، وزاد أهميته حضور رئيس الجزائر عبد المجيد تبون، و400 اقتصادي، بينهم 150 ليبيا، وناقش التعاون في مجالات الكهرباء والصحة وعودة شركة “سونطراك” الجزائرية لاستئناف العمل في مجال النفط الليبي، فضلا عن فتح المجال الجوي والمنافذ البرية، من بينها المعبر البري بين الدبدباب وغدامس وتسهيل نقل
البضائع والمسافرين.
تسهيلات بين ليبيا ومصر
وخلال شهر مايو أيضا التقى وفد من وزارة الخارجية الليبية بمسؤولين مصريين بالقاهرة لبحث مطالب ليبية بتسهيلات في المرور والعبور من المنافذ البرية والجوية للمسافرين والبضائع.
وترأس الوفد الليبي محمود خليفة التليسي، وكيل الشؤون الفنية في وزارة الخارجية الليبية، وشملت المباحثات، تسهيل حركة مرور المسافرين والبضائع بمنفذ السلوم البري، وتفعيل الاتفاقيات السابقة بين الجانبين بعد أن استقرت الأوضاع في ليبيا.
وبحسب تصريحات رئيس الغرفة الاقتصادية الليبية المصرية إبراهيم الجراريعن تفاصيل اللقاء فإن المفاوضات اتسمت بالانسيابية الشديدة، بهدف تحقيق مكتسبات فورية وقوية بين الجانبين دون أن يؤثر ذلك على تأمين حدود البلدين وحماية الأمن القومي للدولتين.
مكاسب متبادلة بين ليبيا وجيرانها
ويعلق المحلل السياسي معاذ الثليب على هذه الانفراجة بأنها “جاءت بعد أن أصبحت هناك حكومة ليبية واحدة تستطيع جميع الأطراف التعامل معها دون تشتت. ويوضح الثليب أن الليبيين عانوا فترات عدم الاستقرار من عدم حرية التنقل نظرا للإجراءات التي تم فرضها على بعض الحدود والتي أدت لإغلاق بعضها فترات طويلة.
مصر وليبيا.. 11 وثيقة لتوسيع أطر التعاون المشترك
وأوضح أن كل الدول الـ6 التي لها حدود مع ليبيا تأثرت بشكل كبير من الأوضاع في البلاد ليس فقط على المستوى الأمني بل وصل الأمر إلى المستوى الاقتصادي الذي تأثر كثيرا بسبب وقع الأحداث. وبحسب الثليب فإن الجزائر وتونس ومصر خاصة يعرفون جيدا أن ليبيا سوق جيد لبضائعهم، وتريد استغلال حالة شبه الاستقرار داخل البلاد لتعويض بعض الخسائر التي طالت اقتصادات الدول المجاورة جراء الأحداث في ليبيا.
وهذه الإجراءات- يتابع الثليب- لم تقتصر فقط على فتح الحدود البرية وزيادة قوة العمل بها، بل وصل الأمر لإعلان الجزائر وتونس تدشين خط بحري لتسهيل التنقل ودخول البضائع والسلع والعكس. كذلك يقول المحلل الاقتصادي علي الفايدي إن الدول المجاورة اضطرت لتشديد الإجراءات على حدودها وإغلاق بعضها في وقت سابق؛ نظرا لما عانته من انطلاق عمليات إرهابية من داخل ليبيا إلى أراضيهم.
ويقدر المحلل الاقتصادي حجم الخسائر التي نتجت عن سوء الأحوال التجارية البرية بين ليبيا والحدود بأكثر من 10 مليار دولار. وعن انعكاس هذه الانفراجة على ليبيا، يلفت الفايدي إلى أن ليبيا تعاني من فقر في مواد البناء وبعض السلع فضلا عن نقص في بعض المستلزمات الطبية وكل هذا يرجع للاضطرابات التي شهدتها تلك الحدود.
وأوضح الفايدي أن استقرار ليبيا قد يدفع باقتصاد دول الجوار الليبي 10 نقاط للأمام فبحسب إحصائيات رسمية أن هناك تبادل تجاري بين ليبيا ومصر وتونس والجزائر يصل إلى أكثر من 10 مليار دولار سنويا وهذا الرقم يوضح ما تمثله ليبيا من أهمية لجيرانها.
وأشار الفايدي إلى أن تونس والجزائر أصيبا بأزمة اقتصادية مؤخرا ليس بسبب قلة التبادل التجاري مع ليبيا بالطبع ولكن الجانبان أسرعا من توقيع اتفاقيات مع ليبيا فور استقرار الأوضاع نظرا لأن السوق الليبي يكلفهم القليل في عرض بضائعهم وبيعها.
وأوضح الفايدي أن البضائع المصرية إذا غطت متطلبات شرق ليبيا فهذا كفيل في مساهمة قوية لليبيا في تحسين الاقتصاد المصري وكذلك إذا توفرت العوامل للجزائر وتونس لتغطية بضائعهم غرب ليبيا وجنوبها سينتعش اقتصادهم أيضا.
وأكد أن إغلاق الحدود ووقف التبادل التجاري دفع ليبيا للجوء إلى دول آخرى ذات تكاليف أكبر مثل السوق التركي، الذي إذا قمنا بمقارنة بينه وبين السوق المصري والتونسي والجزائري لن يكون هناك فرق ولكنه يكلف ليبيا كثيرا نظرا لبعد المسافة بين البلدين.