بزيارة إلى الأضرحة الملكية خلال مئوية المملكة، في 11 نيسان/أبريل الماضي، أزمة الانقلاب الفاشل في الأردن، خمد أوارها، ثم ما لبثت أن انتشرت تكهنات عدة أشارت إلى دور سعودي في القضية.
ومنذ نحو اليومين، صحيفة “غارديان” البريطانية، فتحت الملف من جديد، منوهة إلى وجود صلة بين محاولة الانقلاب المذكورة، ومخطط أوسع يهدف إلى تغيير صورة الشرق الأوسط برمته.
ونوهت الصحيفة إلى أدلة على أن هذا الخلاف العائلي بين العاهل الأردني، وأخيه (ولي العهد السابق) قد يكون ناجماً عن مؤامرة أوسع، حيث يُنظَر إلى الأفعال المزعومة المنسوبة إلى الأمير حمزة والمتآمرين معه أكثر فأكثر على أنها انعكاس صغير لمخطط أوسع مدعوم من قبل أقرب حلفاء الأردن، كان من شأنه أن يهدد سيطرة عبدالله على العرش حال فوز دونالد ترامب بولاية ثانية كرئيس للولايات المتحدة.
ولفتت الصحيفة كذلك إلى أن عواقب مساعي ترامب الرامية إلى إعادة ترسيم خريطة إسرائيل وفلسطين والمتمثلة بما يعرف بـصفقة القرن تتبلور حالياً على نحو أكثر وضوحاً، مؤكدة أن مسؤولين في إدارة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن يخشون من أن مصالح الأردن كانت ستتضرر في حال إعادة انتخاب ترامب وكان من الممكن أن تصبح قيادة المملكة ضحية في هذا السيناريو.
وأقر مسؤولون أردنيون بارزون، بالسياق عينه، أن العلاقات بين عمان وواشنطن المبنية على التعاون الأمني المستمر لنصف قرن تدهورت حتى نقطة حرجة في عهد ترامب، بسبب اعتماد إدارته في تطبيق أجندتها الخاصة بالشرق الأوسط على مجموعة ضيقة من المسؤولين الموالين الذين اختارتهم بنفسها، وليس على مؤسسات الدولية المختصة والمسؤولين الحكوميين الذين اعتادت المملكة على التعامل معهم.
ومن مؤشرات ذلك، أن إدارة ترامب وعلى الرغم من دور المملكة في تسوية النزاع بين الإسرائيليين والفلسطينيين، لم تبلغ الأردن بتفاصيل “صفقة القرن”، قبل الإعلان عنها رسميا أوائل 2019، حيث كانت هذه الخطة غير مقبولة بالنسبة لعمان، خاصة لكونها تهدد بإلغاء وصاية الأردن على الحرم الشريف وتقاسمها مع إسرائيل والسعودية.
وفي منتصف 2020، أعربت الرياض في اتصالات شخصية لمسؤوليها عن عدم ارتياحها إزاء رفض الأردن قبول نهج ترامب إزاء الشرق الأوسط، وفي المقابل، تزايدت مخاوف الملك عبد الله من خسارة دعم واشنطن والرياض.
وفي آخر أشهر ولاية ترامب، كثف البيت الأبيض الضغوط الرامية إلى تطبيق “صفقة القرن”، وطلب مسؤولون بإدارة الرئيس الأميركي السابق استشارة بخصوص المجالات التي كان بإمكان البيت الأبيض تعليق دعم الولايات المتحدة للأردن فيها دون التشاور مع الكونغرس، وكان ذلك أواخر 2020.
حينها أفادت تقارير أن كوشنر ومحمد بن سلمان كانا بحالة من الغضب، إزاء تصلب قيادة الأردن والرئيس الفلسطيني محمود عباس على رفض “صفقة القرن”.
وكانا (كوشنر ومحمد بن سلمان) يعتبران أنهم (عباس والأردنيون) يشبهون اللبنانيين في يأخذون كثيراً ولا يعطون شيئاً في المقابل، وهذا يعطينا تفسيراً إضافياً لماذا تخلت الرياض عن بيروت.
ويجدر بالإشارة أيضاً أن تعزيز الصداقة بين كوشنر ومحمد بن سلمان جاء بالتزامن مع توطيد الروابط بين رئيس الديوان الملكي الأردني السابق باسم عوض الله، وهو من المتهمين في قضية الانقلاب، والرياض، مذكرة خاصة بأن عوض الله انضم عام 2019 إلى خبراء مبادرة مستقبل الاستثمار السعودية.
ويتصل بذلك أن وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، وبعد اعتقال عوض الله في الثالث من نيسان/ أبريل المنصرم، توجه إلى عمّان للقاء المسؤولين الأردنيين، وطلب الإفراج عن الرجل لكن مضيفيه رفضوا هذا الطلب، فيمَ عمدت الرياض بوقت متزامن إلى نفي رغبتها في الحصول على السيادة بالحرم القدسي.
يُذكَر أنه وفي خضم الأزمة، كان رئيس الوزراء القطري الأسبق حمد بن جاسم آل ثاني قد قال إن بعض المسؤولين في الإدارة الأميركية السابقة، وإحدى دول المنطقة، دون أن يسميها، خططوا لاستبدال النظام الحالي في الأردن.
وأردف ال ثاني عبر تويتر أن محاولة الانقلاب الفاشلة حصلت بسبب وقوف الملك عبد الله ضد أي تطبيع على حساب القضية الفلسطينية، وتابع أن استقرار الأردن والحكم فيه مهم لمجلس التعاون بشكل رئيسي، واشار الى أن المنطقة تحتاج الى مزيد من الاستقرار والمصداقية خدمة لمصالحها.
وبالتالي، يشي كل ما سبق على أن ماحدث هو “فصل جديد” من صراع تاريخي، تجدد بين آل هاشم، وآل سعود، ومباراة إستخباراتية، برعاية واشنطن بدلاً من لندن، ومراقبة أطراف إقليمية أخرى، ستتكشف تفاصيلها أكثر فأكثر في المرحلة المقبلة.