مطلع هذا العام، تحديداً في كانون الثاني/ يناير الماضي، أفرجت بريطانيا عن الإفراج عن وثائق تفيد بأنها فكرت في شراء أبو موسى وطنب الكبرى والصغرى من الشارقة ورأس الخيمة وإهدائها لإيران. وبعيداً عما ورد بهذه الوثائق من تفصيلات إلا أنها أعادت إلى الواجهة ملف الاحتلال الإيراني للجزر الثلاث، طنب الصغرى، وطنب الكبرى، وأبو موسى.
ورغم المواقف المعلنة من الجانب الإماراتي في هذا المجال، والدراسات التي تعدها أبوظبي، والحديث الدائم عن الأهمية الاستراتيجية للجزر المحتلة إيرانياً، إلا أن للواقع رأي آخر، حيث تمضي الإمارات قدماً في تقاربها مع إيران على الرغم من توتر العلاقات بين الأخيرة وأهم حلفاء أبو ظبي بتل أبيب والرياض، وتبني الإمارات مع جارتها المنبوذة من قبل الولايات المتحدة علاقات اقتصادية وأمنية متينة، ما يثير الانتباه إلى سياسة أبو ظبي وتناقضاتها.
وتلعب دولة الإمارات العربية المتحدة على التناقضات كافة، فعلى الرغم من ميولها الصريحة إلى المحور الإسرائيلي-الأمريكي المناوئ لإيران، وسعيها الدؤوب للعب دور كبير في المنطقة، إذ تقيم سراً وعلانية علاقات واسعة مع إيران التي تُعد العدو الرئيس لحلفائها في واشنطن وتل أبيب.
إلى جانب ذلك، تعمد أبوظبي إلى القفز من سفينة تحالفها مع الرياض، من حين إلى آخر، وقد بدا ذلك دون تحفظ في اليمن بالطبع، حيث كان الانسحاب الإماراتي من اليمن كان أول ما لفت الأنظار إلى إنفتاح إماراتي على إيران، والسيادة للغة المصالح.
كذلك، وفي الوقت الذي تتبنى فيه السعودية موقفاً صريحاً ضد إيران تحافظ أبو ظبي التي كانت تعد في خندق واحد مع الرياض على علاقاتها بطهران، هذا على الرغم أيضاً من أن التقارب الإماراتي-الإسرائيلي الذي أفضى إلى توقيع اتفاق تطبيع بين الجانبين، كان عنوانه الأبرز الخشية من التهديد الإيراني كما يرى مراقبون، وكما حاولت جهات إماراتية تبريره.
ولعل من أبرز ما أثير حول العلاقات الإيرانية-الإماراتية هو فرض الإدارة الأمريكية عقوبات على شركتَي ألفا تك تريدينج وبتروليانس تريدينج اللتين تتخذان من الإمارات مقراً لهما، بسبب تسهيلهما تصدير منتجات بتروكيماوية إيرانية بواسطة شركة تريليانس للبتروكيماويات المحدودة التي استهدفتها واشنطن بعقوبات أواخر العام الماضي.
ولم تكن هذه أوّل عقوبات أمريكية تستهدف شركات إماراتية بسبب العلاقة مع إيران، إذ فرضت الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات على خمس شركات إماراتية في مارس/آذار 2020، بتهمة نقل نفط إيراني وتجاوز الحظر الأمريكي.
وقالت وزارة الخزانة الأمريكية في حينه إن هذه الشركات اشترت “مئات الآلاف من الأطنان المترية من المنتجات البترولية من شركة النفط الوطنية الإيرانية”، بزعم أنها جاءت من العراق أو عن طريق إخفاء منشئها، وفي ظل التوتر المزعوم في العلاقات بين الجانبين، لا تزال الإمارات العربية المتحدة تحافظ على علاقات تجارية واسعة جداً مع إيران، بل تعد شريان الحياة الرئيسي لإيران في ظل العقوبات الأمريكية.
وقد احتلت الإمارات المرتبة الثانية في سلم أكبر مصدِّري البضائع إلى إيران بعد الصين الربع الأول من العام الجاري، فيما بلغ حجم التبادل بين الدولتين، في العام 2019، 11 مليار دولار منها 6 مليارات دولار صادرات إيران إلى الإمارات.
كما تشكل المواد البتروكيماوية والمواد المعدنية والمنتجات والمعدات الصناعية والمحاصيل الزراعية أهم السلع التي تصدرها إيران، كما تحظى صادرات المحاصيل الزراعية الإيرانية إلى الإمارات بأهمية كبيرة والتجار نشطون في هذا المجال.
ويتوقع المراقبون زيادة حجم التبادل التجاري بين طهران ودبي مقارنة مع العام الماضي، في ظل عزم قيادات البلدين على خفض التوتر والتعاون في مجال ضمان الأمن واستقرار المنطقة.
إلى هنا، يمكن ألا يكون التناقض صارخاً بالنسبة لثلة من المراقبين تدافع عن أبوظبي ويقول أنها تفصل السياسة عن الاقتصاد، لكن ماذا عن التعاون الأمني بين أبوظبي وطهران، هل ينضوي تحت مظلة فصل التعاون عن قضية احتلال الجزر؟ بالطبع لا.
ويجدر باللإشارة في هذا المجال، أن مسار العلاقات العسكرية والأمنية بين أبو ظبي وطهران لايزال يتسع، وأبرز ما وضّح تلك الصورة وكشف حقيقة العلاقات هي الزيارة التي أجراها قائد قوات خفر السواحل الإماراتي محمد علي مصلح الأحبابي إلى طهران منتصف 2019، والتقى خلالها قائد قوات حرس الحدود الإيراني قاسم رضائي، وهو ما أثار جدلاً واسعاً في الخليج، في ظل حالة العداء المتنامي لإيران هناك.
وقد اتفق الجانبان خلال اللقاء على تعزيز العلاقات وضمان أمن مياه الخليج وأمن الحدود بين البلدين، وقال قائد قوات حرس الحدود الإيراني: سبق لنا أن أقمنا علاقات تاريخية عريقة وفي مختلف الأصعدة والمجالات مع الإمارات، وهذه العلاقات اليوم متواصلة.
وأشار إلى أنه من شأن هذا اللقاء أن يشكل انطلاقة لبلوغ مستوى أمني جيد، وأن النهوض بمستوى العلاقات الثنائية يسهم في توفير الأمن المستدام لشعبَي البلدين.
بدوره أعرب قائد قوات خفر السواحل الإماراتي عن ترحيبه بتنمية العلاقات الحدودية بين البلدين، وأكد ضرورة الرقي بمستوى العلاقات الحدودية ومواصلة الإجراءات المشتركة والتنسيق المستدام بهدف تأمين التجارة وسلامة الملاحة البحرية.
إذن، فلا عداء، والإمارات على ما يبدو تنازلت عن جزرها الثلاث بصك غير معلن، ومن الواضح أنه لا الإمارات ولا إيران، سيلجأون لتصعيد النزاع حول الجزر الثلاث، وذلك، لوجود مصالح إقتصادية وتجارية بل وترتيبات أمنية بين البلدين، تستفيد منها أبو ظبي، وطهران معاً، وأي حديث آخر هو من قبيل الاستهلاك المحلي أمام الرأي العام والصحافة في داخل الإمارات وحسب.