لا يزال التصعيد العسكري مستمراً بين الجيش الإسرائيلي والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، وسط مطالبات عربية ودولية بضرورة إنهائه مع وقوع عشرات القتلى والجرحى بين الجانبين، بالإضافة إلى الخسائر المادية الكبيرة.
ويرى مراقبون أن الوضع المتأزم بين الطرفين قد يرقى إلى حربٍ وشيكة بينهما مع استمرار القصف الصاروخي بشكلٍّ يومي، وبعد كشف الجيش الإسرائيلي عن نيته في توغلٍ بري محتمل نحو قطاع غزة.
الكثير من الأسئلة حول احتمالية تحول التصعيد بينهما إلى حربٍ وشيكة وسبب استهداف أماكن معينة ودلالات التوقيت وعلاقته بالاتفاق النووي الإيراني، بالإضافة إلى الهدف من انتقال الصراع من القدس إلى قطاع غزة. للوقوف على كل هذه الأسئلة حاورت وكالة “ستيب الإخبارية” كل من الدكتور مئير مصري، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية في القدس وعضو اللجنة المركزية لحزب العمل الإسرائيلي والمحلل السياسي الفلسطيني عزيز المصري.
قرار إطلاق الصواريخ من غزة
يذهب مراقبون للوضع الفلسطيني إلى أن حماس اتخذت قرار إطلاق الصواريخ بالاتفاق مع إيران، في ظل المفاوضات حول النووي الإيراني والانتخابات الفلسطينية، ما قراءتك لذلك؟
يقول الدكتور مئير مصري: “لا شك في ذلك، حيث أن إيران تعد إحدى الرئتين التي من خلالها تتنفس حماس”، مضيفاً “أرادت الحركة أن تحرز نقاط في صراعها الممتد مع فتح، ولا سيّما بعد إلغاء الأخيرة الانتخابات، وأن تفرض نوعاً من الوصاية على الحالة المقدسية”.
وتابع القول: “في ذات الوقت، للنظام الإيراني مصلحة دائمة في زعزعة الاستقرار في المنطقة، إرباك إسرائيل ومحاولة إحراج معسكر الاعتدال العربي المعني بمد الجسور مع إسرائيل منذ عدّة سنوات”.
القبة الحديدية
تمكن نظام القبة الحديدية (الدرع الصاروخي الإسرائيلي) من اعتراض مئات الصواريخ القادمة من غزة. والسؤال هنا هل تقف دول وراء كل هذا التصعيد لضرب سمعة إسرائيل العسكرية وخصوصاً نظامها الدفاعي؟
السياسي الإسرائيلي، يقول: “بالتأكيد، وهذه هي مصلحة النظام الإيراني في المقام الأول”، متابعاً “أما عن الصواريخ، فهي صواريخ بدائية الصنع وقوتها لا تكمن في كفائتها وإنما في كميتها الفائقة، وهذا التراكم هو نتاج سبع سنوات من الهدوء وغض النظر من قبل حكومات نتنياهو المتعاقبة التي لم ترى في السلطة الفلسطينية شريكاً جاداً لمساعدته على حسم معركته مع حماس، وتصورت أنه قد يكون بالإمكان ترويض حركة حماس على المدى الطويل، وهذا كان خطأً بحسب اعتقادي”.
لماذا تركز حماس على ضرب عسقلان؟
وحول هذا السؤال، يرى عضو اللجنة المركزية في حزب العمل الإسرائيلي أن السبب هو لأن أغلب القذائف والصواريخ التي في حوزة حماس هي قصيرة المدى، وتعد عسقلان أقرب المدن الكبرى لحدود القطاع.
وبشأن أبرز الأهداف التي من المتوقع أن يستهدفها الجيش الإسرائيلي في غزة؟ قال مصري: “مخازن الصواريخ، منصات إطلاقها، العقول المدبرة، العناصر القيادية ومعسكرات التدريب”، مضيفاً “هدف إسرائيل ليس انتقامياً وإنما هو جعل حماس غير قادرة على مهاجمة إسرائيل لعدة سنوات”.
في هذا التوقيت ستوقف إسرائيل القتال وتعقد هدنة مع حماس
نددت الكثير من الدول العربية والإسلامية كتركيا بالقصف الإسرائيلي، وطالبت بوقفه فوراً. برأيك هل ستفعل هذه الدول شيئاً ضد إسرائيل في ظل وجود علاقات مشتركة بينهم؟
الدكتور مئير مصري، يؤكد أن تركيا بالذات تستطيع الكثير، حيث أنها تأوي المكتب السياسي لحماس ولديها قدرة كبيرة في التأثير على قيادات الحركة”، قائلاً: “ولكني لا أظن أن لديها تلك الرغبة. أما بقية الدول التي لديها علاقات مع إسرائيل فقدرتها على التأثير محدودة للغاية بسبب عدم وجود علاقات جيدة بينها وبين حماس”.
وفيما يتعلق بتداعيات التصعيد على إسرائيل وفلسطين، وإذا ما كانت لدى إسرائيل نيّة قريبة في عقد هدنة مع حماس لوقف القتال، كشف السياسي الإسرائيلي أن “إسرائيل عازمة على القضاء نهائياً على قدرات حماس الصاروخية وتقليص قدراتها القتالية بشكل نوعي لعدة سنوات، ولديها قائمة طويلة بأهداف تقوم بقصفها كل يوم، وفور الانتهاء من تلك المهمة وفقط بعد تأمين حدودها، أظن أنها سوف تقبل بوقف إطلاق النار وذلك من خلال الوساطة المصرية لتبدأ مرحلة جديدة من الهدنة”.
وبخصوص وقف إطلاق النار من خلال الوساطة المصرية دون غيرها من الدول، قال مصري: “لأنها بادرت بحل الأزمة، وكذلك لأن للمخابرات المصرية خبرة طويلة في التعامل مع حماس”.
إلى أين يتجه التصعيد بين إسرائيل و غزة؟
ردّاً على هذا السؤال يقول المحلل السياسي الفلسطيني عزيز المصري: “التصعيد يتجه لتصعيد أصعب وأقوى من السابق حسب المؤشرات والتصريحات الإسرائيلية. إذ صرح نتنياهو بأن العملية لم تنتهِ بعد”.
ويضيف: “السيناريو الأقرب الوصول إلى التهدئة بعد وصول مسؤول ملف فلسطين في الخارجية الأمريكية هادي عمر، إلى تل أبيب ودخول المستوى الرسمي المصري للضغط نحو الذهاب إلى التهدئة”، متابعاً “وبنفس الوقت قد تنقلب الأوضاع إلى تصعيد أكبر في حال فشل المفاوضات بين الأطراف المعنية”.
غزة في حالة حرب
يرى الكثير من المراقبون بأن الوضع المتأزم في غزة قد يتحول إلى حرب، فهل يرقى التصعيد إلى حرب بينهما؟
المصري يرى بأن “ما يجري هو حرب بكل معنى الكلمة، وليس تصعيداً عسكرياً محدوداً”، مضيفاً “كل قطاع غزة في مرمى النيران الإسرائيلية، من غارات جوية متواصلة إلى قصف مدفعي متواصل طوال الوقت”.
هدف حماس من التصعيد مع إسرائيل
ذهب البعض إلى القول إن التنظيم الإسلامي صعّد الصراع مع إسرائيل من أجل تحسين موقعه تجاه حركة (فتح)، في الضفة الغربية، وأمام الرأي العام العربي، ما تفسيرك لذلك؟
المحلل الفلسطيني، يقول: “هذا صحيح نوعاً ما. حماس اختارت هذا التوقيت بعد قرار الرئيس عباس بتأجيل الانتخابات التشريعية إلى وقت غير محدد، وتشكيل المعارضين لقرار عباس إطار وطني في غزة يرفض هذا الإجراء”.
ويواصل حديثه: “رأت حماس أن الوقت مناسب لإخراج السلطة الفلسطينية من المشهد السياسي والذهاب إلى مواجهة عسكرية تحت غطاء قضية القدس وبموافقة شعبية”.
قائلاً: “هذه الحرب رفعت رصيد حماس الشعبي وحولت الغضب الشعبي باتجاه السلطة الفلسطينية، التي لم تقم حتى اللحظة بخطوات عملية تجاه هذا العدوان الإسرائيلي، وبالتالي يمكن القول إن حماس قد تكون هي قائدة المشروع الوطني في الفترة القادمة بديلاً عن حركة فتح ولديها إجماع فصائلي على هذا الدور”.
انتقال الحرب من القدس إلى غزة
وفيما يتعلق بالهدف من انتقال الصراع والحرب من القدس إلى قطاع غزة، أكد المصري أن “الضغط الشعبي ومطالب أهالي القدس بهتافات من قبيل (يلا يا غزة وإحنا رجال محمد الضيف، في إشارة لرئيس هيئة أركان القسام)، شجعت حركة حماس على دخول المواجهة متسلحةً بغطاء القدس، بالإضافة إلى السبب السابق وهو رغبة حماس في الحلول مكان فتح في صدارة المشهد السياسي الفلسطيني”.
سياسة استهداف الأبراج بغزة
دمرت الطائرات الإسرائيلية حتى اليوم، العديد من الأبراج في قطاع غزة. لماذا تستهدف الغارات الإسرائيلية الأبراج بالتحديد؟
يعتقد المحلل السياسي الفلسطيني، أن “سياسة استهداف الأبراج أو ما تعرف باستراتيجية الضاحية، قائمة على إيقاع أكبر خسائر في الخصم لضرب جبهته الداخلية وتحويل الضغط إلى داخل جبهته”.
ويتابع: “إسرائيل أرادت من قصف الأبراج، تدمير البينة التحتية لقطاع غزة، حيث أن الأبراج التي قصفت تضم شركات ومكاتب إعلامية ومحال تجارية وشقق سكنية، مما سبب خسائر فادحة قد لا يمكن تعويضها في المدى المنظور، وهي رسالة إذا استمر ضرب الصواريخ من غزة سندمر كل شيء والبداية من الأبراج”.
التوغل البري داخل قطاع غزة
أفادت الكثير من التقارير الإعلامية أن الجيش الإسرائيلي ذكر في بيان أن قواته ستتوغل براً إلى قطاع غزة، لينفي الجيش بعد ساعات الخبر ويؤكد عدم صحته، ولكن إذا ما توغل الجيش الإسرائيلي براً إلى غزة، هل ستكون حماس قادرة على الرد والصمود لوقتٍ طويل؟
عزيز المصري، تعليقاً على هذا السؤال يقول: “أعتقد أن الجيش الإسرائيلي قد لا يقدم على الدخول البري لقطاع غزة، خاصةً أن له تجارب سابقة باءت بالفشل، نظراً لجغرافية قطاع غزة ووجود أعداد كبيرة من الأنفاق المعدة بالأصل لمواجهة هكذا سيناريوهات وإن حصل ودخل براً سيتكبد خسائر فادحة في الأرواح وقد يخسر جنوداً في الأسر”.
ويضيف: “حماس وبقية الفصائل لديها قدرة كبيرة جداً على خوض حرب الشوارع عكس الجيش النظامي الإسرائيلي”.
الوساطة ودورها في إنهاء الأزمة الفلسطينية
المصري يؤكد بأن مفاوضات ومباحثات عربية ودولية، تجري الآن لاحتواء الأمر والذهاب إلى اتفاق تهدئة في قطاع غزة وإسرائيل، وتحديداً من جمهورية مصر العربية ومبعوث الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وقطر ودخول الإدارة الأمريكية على خط المفاوضات متمثلةً بمسؤول ملف فلسطين في الخارجية الأمريكية هادي عمر، الذي وصل تل أبيب لهذا الغرض.
وبحسب المحلل الفلسطيني، المفاوضات “ستنجح هذه الأيام”، متسائلاً “ولكن المحك الأساسي في بنود اتفاق التهدئة هل سيكون مناسباً لحجم التضحيات الفلسطينية في هذه المواجهة أم لا”.
قائلاً: “باعتقادي حماس لن تقبل بأن تخرج باتفاق يصورها بمهزومة أمام قواعدها والجمهور الفلسطيني. الآن كلا الطرفين يبحثان عن صورة النصر الأخير قبل الذهاب إلى اتفاق تهدئة لوقف إطلاق النار”.