من ركل كراتٍ مصنوعة من أوراق الجرائد في شوارع مقديشو، إلى قيادة مباريات كرة قدم في إنكلترا، باتت الصّومالية جواهر روبل حديث الصّحف بعدما أصبحت أول حكَمة محجّبة في بريطانيا. دخلت جواهر التاريخ بعد مشوارٍ صعب وطفولة ظلمتها قسوة الحرب في الصومال، لتنجح أخيراً في ملاحقة حلمها وتسجيل انتصار جديدٍ للسّيدات في عالم الكرة، متجاوزةً كلّ الصعوبات.
لم يكن في حسبان فتاةٍ صغيرة في الصومال أنها ستسجّل اسمها يوماً ما في تاريخ كرة القدم الإنكليزية. جواهر لم تخطّط سابقاً لدخول عالم التحكيم، بل حدث الأمر بالصّدفة. حلمها في الأساس كان أن تصبح لاعبة كرة قدم محترفة، لكنّ الظروف ساقتها إلى قدرٍ مختلف، ليتمظهر شغف ابنة الـ26 عاماً بشكلٍ آخر.
حبّها لكرة القدم نشأ في شوارع العاصمة الصّومالية مقديشو التي مزّقتها الحرب الأهلية والاقتتال العنيف في البلاد. حينها، لم تكن جواهر تملك كرة قدم مناسبة لتلعب بها، لذا كانت تبتكر كرات مصنوعة من أوراق الصّحف أو الملابس البالية، أو حتى تستخدم حبّات البطاطا للّعب مع أطفال حيّها. لكنّ الأمر لم يطُل على هذا الحال، إذ إنّ عائلتها قرّرت اللجوء إلى لندن هرباً من جحيم الحرب حين كانت تبلغ من العمر 10 سنوات فقط.
بطبيعة الحال، واجهت جواهر صعوباتٍ في التّأقلم والتواصل مع زملائها في مدرستها الجديدة بسبب عدم تحدّثها الإنكليزية. إلا أنّها نجحت لاحقاً في الاندماج معهم وتعلّم اللغة خلال لعب كرة القدم سوياً. كانت «جي جي» تحلم باحتراف اللعب وتمثيل المنتخب الإنكليزي للسيدات، إلا أنّ والديها وقفا عائقاً أمام ذلك، مفضّلين أن تكمل تعليمها وتمارس مهنة عادية مثل سائر الفتيات. إلا أنّ ذلك لم يثبط من عزيمتها ولم تترك عالم الكرة، لتقرّر المضي قدماً بحلمها، ولكن عبر بوابة التّحكيم.
بدأت جواهر بالتطوّع في الدوري المحلي للفتيات شمال غربي لندن، وشاركت في عدّة دوراتٍ تدريبية اكتسبت فيها المؤهلات اللازمة للتحكيم الاحترافي، لتنتقل بعدها إلى قيادة مباريات الهواة للسيدات والرجال. قوبل وجودها على أرض الملعب في البداية بالضحك من بعض اللاعبين، واستغرق الأمر بعض الوقت للحصول على الاحترام منهم. لكنّها الآن فخورة بما تقدّمه، بعدما أصبحت عام 2018 حكَمة معتمدة رسمياً من قبل الاتحاد الإنكليزي لكرة القدم.
تحلم الصومالية الشابة اليوم بالتحكيم في نهائي بطولة للسّيدات أو نهائي بطولة للرجال. وهذا الأمر ليس من المستحيل تحقيقه، إذ شهد نهائي دوري السوبر الأوروبي بين ليفربول وتشيلسي الصيف الماضي قيادة 3 سيدات للمباراة. حينها، دخلت الفرنسية ستيفاني فرابّار التاريخ كأول امرأة تحكّم مباراة في مسابقة أوروبية كبرى للرجال. نجحت فرابّار إلى جانب الإيرلندية ميشيل أونيل والفرنسية مانويلا نيكولوزي في إدارة اللقاء على مستوىً عالٍ من الاحترافية والمسؤولية، ليُحيينَ بذلك الآمال في منح كرة القدم النسائية فرصاً أكبر في المستقبل.
النساء الحكّام في كرة الرّجال
إلا أنّ فرابّار ليست الوحيدة التي نجحت في قيادة مباراةٍ احترافية للرجال، إذ سبقتها الحكَمة الألمانية بيبيانا شتاينهاوس عام 2017 حين أصبحت أول أمرأة تدير مباراةً في بطولة أوروبية محترفة، بتولّيها التّحكيم في مباريات الدوري الألماني. أمّا عربياً، فقد نجحت التونسية درصاف القنواطي بكتابة تاريخٍ جديد خارج أوروبا بعدما أصبحت العام الماضي أول حكَمة عربية وأفريقية تدير مباراة في الدرجة الأولى من الدوري المحلي، عقب قيادتها مباراة جمعت بطل تونس الترجي والنادي البنزرتي.
أصبح من الواضح إذاً التقدّم الذي أحرزته النساء في عالم كرة الرجال في السنوات الأخيرة، بعد عقودٍ طويلة عانينَ فيها من الإهمال والتهميش. على درب هؤلاء السيدات، تسير جواهر واضعةً نصب عينيها القمّة. وهي الآن تستمتع بتدريب وإلهام لاعبات كرة القدم الشابّات في بريطانيا لملاحقة شغفهنّ، وتخطّي العوائق والضغوطات التي تفرضها البيئة الذكورية المحيطة باللعبة.