برسائل سياسية وأجندة مكتظة بالعديد من الملفات، تلتئم القمة الروسية – الإفريقية بمدينة سان بطرسبورغ، محاولة طمأنة مخاوف دول القارة السمراء، ومجابهة الضغوط الأمريكية الهادفة لعزل موسكو.
قمة تأتي في توقيت “حساس”؛ فعلى أنغام الأزمة الأوكرانية التي لم ترسُ على شاطئ بعد؛ كان تعليق اتفاق تصدير الحبوب عبر البحر الأسود، في وقت سابق من الشهر الجاري، بمثابة ضربة لدول أفريقية تحاول التغلب على أزماتها الاقتصادية.
وتحاول روسيا من تلك القمة، التي تعقد في “مدينة الجسور” طمأنة تلك الدول من التأثير المحتمل لانسحابها من المبادرة على سلاسل إمدادات القمح، بالإضافة إلى إيصال رسالة للغرب، بأنها قادرة -رغم العقوبات- على منافسته على النفوذ والتأثير بأفريقيا.
فهل تنجح موسكو؟
يقول الخبير المصري في العلاقات الدولية، الدكتور طارق فهمي، إن القمة الأفريقية الروسية “هامة للغاية” لعدة اعتبارات تتعلق بالجانب الروسي؛ في مقدمتها، بناء مقاربات اقتصادية مع دول القارة السمراء، مشيرًا إلى أن موسكو تحاول إيصال رسالة بأنها دولة كبيرة قادرة على ممارسة دور ونفوذ سياسي واستراتيجي في العالم، ردا على مساعي الولايات المتحدة لـ”شيطنتها” في قمة حلف الناتو التي عقدت مؤخرا.
وأوضح أن روسيا تسعى للتأكيد على كونها قادرة على مناكفة السياسة الأمريكية، عبر جذب أكبر عدد من الدول الأفريقية إليها، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة تخشى بناء تحالفات روسية أفريقية جديدة.
وأشار إلى أن القمة الروسية – الأفريقية الثانية، تأتي في ظل تنافس موسكو والغرب على النفوذ بالقارة السمراء.
وحول المشاركة المصرية في القمة، أكد خبير العلاقات الدولية، أن “الحضور المصري هام؛ كونه سيعطي زخمًا كبيرًا لدول القارة السمراء التي تستقوي بمصر؛ باعتبارها دولة هامة، ومشاركتها تعكس دلالات كبيرة في ظل إحداث توازن في العلاقات المصرية مع الجانبين الأمريكي أو الروسي”.
محاور القمة
وحول محاور القمة، قال خبير الشؤون الأفريقية والأمن القومي، اللواء محمد عبد الواحد، إن المحاور العريضة التي ستركز عليها القمة الثانية، تتمثل في: المحور الاقتصادي، والأمن المتكامل وخاصة الأمن الغذائي، والتعاون في مجالات التعدين العلوم والتكنولوجيا والتجارة، والمجال الإنساني والاجتماعي، إضافة إلى عقد ورش عمل تناقش ملفات متعددة”.
وأوضح خبير الشؤون الأفريقية، أن القمة ستناقش بشكل مكثف تلك المحاور، بالإضافة إلى عدد من الملفات الاقتصادية؛ بينها فتح استثمارات جديدة، وتقديم رسائل طمأنة للجانب الأفريقي، يتعلق بتأمين وصول المساعدات الغذائية والأمن الغذائي وخاصة القمح، لاسيما بعد خروج روسيا من اتفاقية الحبوب.
كما تولي “روسيا اهتماما خاصا بالقارة السمراء، من منطلقات التنافس الغربي الأمريكي على القارة”، بحسب خبير الشؤون الأفريقية، الذي أكد أن “القمة تأتي في توقيت بالغ الحساسية، في ظل تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على دول المنطقة وأفريقيا”.
وأشار إلى أن روسيا تمتلك 3 ملفات رئيسية تعزز من حضورها الدولي والأفريقي، وهى: الطاقة والحبوب والسلاح، ما يمنحها فرصًا تنافسية وأدوات تجعلها متقدمة نسبيا.
وبحسب الخبير في الشؤون الأفريقية، فإن روسيا “هامة” في ظل حاجة بعض الدول الأفريقية لتأمين احتياجاتها من القمح، بالإضافة إلى الجانب العسكري، الذي تستحوذ من خلاله موسكو على 44% من واردات أفريقيا من السلاح.
وأكد أن روسيا تتقدم على الغرب أيضا في توطين التكنولوجيا، وعمليات التعدين والذهب والماس، والطاقة وإنتاج الكهرباء، وتقدم نفسها كشريك استراتيجي مهم، لافتا إلى أن موسكو تسعى للاستفادة اقتصاديا من التقارب مع دول القارة السمراء؛ عبر فتح أسواق جديدة، لتخفيف حدة العزلة والضغوط عليها مع استمرار العقوبات الغربية، وسياسيًا من خلال محاولة تحقيق مكاسب سياسية، وتأييد مواقفها في المحافل الدولية، والترسيخ لنظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، وهو ما يحظى بترحيب أفريقي.
ضغوط أمريكية
إلا أن الخبير في الشؤون الأفريقية، قال إن مستوى التمثيل الأفريقي في قمة سانت بطرسبورغ أقل من سابقتها؛ بسبب الضغوط الأمريكية، على عدد من دول القارة السمراء، وتأثير الأزمة الأوكرانية.
وكان المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، اتهم الأربعاء، الحكومات الغربية بـ”محاولة تخريب” القمة الروسية الأفريقية، قائلا ردًا على سؤال حول سبب حضور 17 رئيس دولة فقط القمة؛ أي حوالي نصف العدد الذي حضر في عام 2019: “يسعدنا الترحيب برؤساء الدول الذين وصلوا، يسعدنا أن نرحب بجميع الممثلين الآخرين الذين يأتون من الغالبية العظمى من الدول في أفريقيا”.
في السياق نفسه، قال مساعد وزير الخارجية الأسبق، السفير حسين هريدي، إن قمة سانت بطرسبورغ هامة في إطار تداعيات أزمة أوكرانيا، مؤكدًا أن “الأمن الغذائي سيتصدر مباحثات القمة، وسيستمع الأفارقة من الجانب الروسي إلى كيفية التخفيف من آثار القرار الروسي على القارة السمراء”.
هل تؤثر القمة على أزمة أوكرانيا؟
أكد اللواء محمد عبد الواحد، على عدم وجود أي تأثير لقمة سانت بطرسبورغ على أزمة أوكرانيا، أو قدرتها على وقف الحرب، مستدلا على قوله باللقاءين المنفصلين اللذين عقدهما قادة وزعماء أفريقيا مؤخرا مع الرئيسين الروسي والأوكراني، برعاية الاتحاد الأفريقي، واللذين لم يسفرا عن أية نتائج.
وأكد السفير هريدي أن “الحديث عن مسار التهدئة في الحرب الروسية في أوكرانيا سيكون فقط على هامش القضية الأساسية وهي الأمن الغذائي والحبوب”.
ومن المقرر أن يعقد خلال القمة، “المنتدى الاقتصادي الروسي – الأفريقي”، الثاني والذي يعتبر حدثا فريدا من نوعه في علاقات روسيا مع دول القارة السمراء، ويهدف إلى تنويع مجالات التعاون بين الجانبين، وتحديد تطور هذه العلاقات على المدى الطويل.
وكان سفير المهمات الخاصة بوزارة الخارجية الروسية أوليج أوزيروف، أكد لوكالة الإعلام الروسية الرسمية، أن القمة الروسية – الأفريقية، ستتناول صادرات موسكو من الحبوب والأسمدة بالإضافة إلى “إنشاء ممرات لوجستية، ومراكز ليس فقط للأغذية والأسمدة، لكن لأي منتجات أخرى من روسيا”.
وأشار الدبلوماسي الروسي، إلى أن بلاده تعتزم تقديم حلول لمشاكل الغذاء للدول الأفريقية في ظل إنهاء العمل بصفقة الحبوب، مؤكدًا أنه من المقرر إجراء مناقشة حول الأمن الغذائي الدولي في القمة الروسية الأفريقية.
المصدر: وكالات