في خضم التكهنات حول مصير الإخوان الهاربين بتركيا، بعد تقليص المساحات الممنوحة لهم، بدأ الحديث عن الوجهة التالية للتنظيم، بعد أن اعتبرتهم اسطنبول “غير مرغوب بتواجدهم”.
وجاء التضييق على الإخوان في تركيا، انعكاسا لسياسات جديدة لأنقرة تجاه الجماعة بعد التقارب مع دول الخليج العربي والتطبيع الجاري للعلاقات مع مصر، الذي أشرت عليه بجلاءٍ زيارة وزير خارجية أنقرة مولود تشاووش أوغلو إلى القاهرة الشهر الجاري.
إلى ذلك، وردت تقارير بشأن لقاء جرى الاسبوع الفائت بمقر جمعية الأبرار بالعاصمة البريطانية بين جبهة لندن الإخوانية المنشقة وبين ايرانيين حضره محمد سودان ممثلاً عن الجماعة، والتقى بعض الاشخاص الإيرانيين، وكان برعاية شخص يدعى سعيد حبشي.
يُذكر أن جمعية الأبرار تتبع الطائفة الشيعية، مما يعيد إلى الواجهة كُنه العلاقة بين الجماعة وطهران، حيث يدور السجال حول ماذا لو ضيقت تركيا الخناق على الاخوان هل هناك امكانيه للترحيب بهم لزيارة ايران شريطة التعاون معهم.
بهذا الصدد رشح بعض المراقبين إيران كوجهة تالية، نظرا لخبراتها في توفير ملاذات آمنة لبعض الشخصيات المتطرفة في السابق، وللتقارب الفكري بين النظام الحاكم في إيران وتنظيم جماعة الاخوان الإرهابية، وما يقوي هذا الاحتمال ما رصده بعض الخبراء من محاولات الجماعة الإرهابية إرسال قيادات من الصف الثاني للتفاهم مع الجانب الإيراني مؤخراً.
ولا يمكن فهم العلاقة بين الإخوان والنظام الإيراني دون الرجوع إلى تاريخهما المشترك، إذ تعود الروابط بين رجال الدين في إيران والجماعة إلى ما قبل تأسيس ما يعرف بـ“الجمهورية الإسلامية” عام 1979، حيث تتلاقى المفاهيم الأيديولوجية والأفكار والمرجعيات لكل منهما.
جذور العلاقة
بدأت العلاقة مع زيارة يد روح الله مصطفى الموسوي الخميني في العام 1938 لمصر، ولقائه مؤسس جماعة الإخوان حسن البنا.
ومن غير المعلوم على وجه اليقين من أثر في الآخر، فبعد هذه الزيارة لمسنا تغييراً كبيرا في كتابات حسن البنا عن الحكم والولاية يتطابق مع الفكر المؤسس للنظام الإيراني، حيث يقول في رسالة المؤتمر الخامس: “وهذا الإسلام الذي يؤمن به الإخوان المسلمون يجعل الحكومة ركنا من أركانه”، وهي فكرة طارئة على أفكار الفكر السني.
ثم أضاف البنا: “والحكم معدود في كتبنا الفقهية من العقائد والأصول، لا من الفقهيات والفروع”.
كما تأثر آية الله الخميني بفكر حسن البنا في كتابته عن “الحكومة الإسلامية”، حيث تبنى وجهة نظر مؤسس الإخوان في أن يتولى الفقهاء من أبناء الحركة السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية.
ويقول الخميني في الصفحة الـ٣٤ من كتابه “الحكومة الإسلامية”: “فيجب أن نعتقد بضرورة تأسيس الحكومة الإسلامية ويجب أن نسعى لإقامتها للاعتقاد بالولاية”، ثم قال: “وتذكروا أنكم مكلفون بتأسيس الحكومة الإسلامية واعتمدوا على أنفسكم”.
ولم يكن آية الله الخميني وحده من تأثر بفكر الإخوان، فقد تأثر “مجتبي ميرلوحي” المعروف بـ”نواب صفوي” بفكرة التنظيم الخاص الإخواني، فقام بتأسيس تنظيم سري مسلح يقوم باغتيال الحكام ورجال الدولة من أجل التعجيل بقيام الدولة الإسلامية المزعومة، أطلق عليه اسم “فدائيي الإسلام”.
أيديولوجيا مشتركة
ويتفق الإخوان والنظام الإيراني على الفكرة الأساسية للإسلام السياسي وهو الوصول إلى سدة الحكم، وجمع كل المسلمين والأراضي الإسلامية ( الدولة – والأمة) تحت عنوان ( الخلافة – الإمامة) مرتكزين على مفهومين؛ الأول الحاكمية للسنة والثاني ولاية الفقيه للشيعة الإثنى عشرية وكلاهما وجهين لعملة واحدة.
كما يلتقي الطرفان في ضرورة حمل السلاح لتطبيق أفكارهما الأيديولوجية؛ ففي الفكر الإخواني، قامت الجماعة بتأسيس “النظام الخاص”، وهو جهاز قام باغتيال شخصيات حكومية، فيما قام أحد رجال الفكر الإيراني، بتأسيس جماعة “فدائي إسلام” التي قامت أيضا باغتيالات لصالح الفكرة.
ماذا تريد الجماعة من طهران؟
ماذا تريد الجماعة من إيران إذن، بما لديها معاقل في بريطانيا، وأفريقيا، وكندا، ودول أوروبية عدة على الأرجح يئست الجماعة من النفاذ من جديد إلى المجتمعات العربية، بعد ما حاق بها من هزائم بدأت بخلعها عن سدة الحكم في مصر في العام 2013، إثر ثورة شعبية، لذلك، فإنها تعيد قراءة الدفاتر القديمة.
لذلك، فمن المتوقع أن تكون طلبات الإخوان مجرد توفير حماية لبعض الشخصيات المحكوم عليها بأحكام نهائية في مصر تصل للإعدام، ولا يمكن بقائها في تركيا ولا يمكن المخاطرة بانتقالها للدول الأوروبية، فيكون الحل توفير مضايف أو ملاذات آمنة لهم.
كما تطمح الإخوان من التواصل مع إيران، إلى توفير ممر آمن يسمح بانتقال بعض قيادات الجماعة ممن لا يملكون أوراقا ثبوتية تسمح لهم بالانتقال بحرية بين دول العالم، فينتقلوا إلى إيران كممر مؤقت ثم إلى دولة من وسط آسيا تمتلك حدود برية مع إيران وبها أغلبية مسلمة.
ومن المعلوم أن هذا الدور قام به النظام الإيراني من قبل مع عناصر وبعض قادة تنظيم القاعدة، أثناء معاركه مع القوات الأميريكية، ولم يمنع الخلاف المذهبي بينهما من توفير مضايف آمنة لقادة القاعدة وابن أسامة بن لادن نفسه رغم ادعاء الإخوان والقاعدة العداء الظاهري لإيران.
ولعل في ظل جماعة الإصلاح والدعوة الإخوانية بالداخل الإيراني، لن تكون المهمة التفاوضية صعبة، لكن يظل الاستفهام حول ما إذا كانت الخلافات السنية الشيعية ستتنحى مقابل الأيديولوجيا المشتركة ونقاط التلاقي، وإمكانية تطبيع العلاقات المصرية – الإيرانية، بعد اتفاق طهران والرياض أم لا!
المصدر: وكالات