في الخامس من (نوفمبر/ تشرين الثاني2020)، اندلعت اشتباكات عسكرية مسلحة بين الحكومة الفدرالية الإثيوبية وجبهة تحرير شعب تيغراي (TPLF)، أحد المكونات الأساسية للحزب الحاكم السابق «الجبهة الديمقراطية الثورية لشعوب إثيوبيا (EPRDF)، الذي حكم البلاد لنحو ثلاثة عقود.
وعلى ضوء خلفيات عميقة للصراع مع رئيس الوزراء الحالي آبي أحمد، أدت أسباب ظاهرة إلى اندلاع النزاع في ذلك التوقيت، إذ أرجأت حكومة آبي الانتخابات الرئاسية بسبب جائحة (كوفيد-19)، الأمر الذي أثار اعتراضات واسعة بين مختلف القوى السياسية والأحزاب، فضلاً عن استهداف أعضاء الحزب من جبهة تحرير شعب تيغراي، وقد دفعت هذه الإجراءات جبهة تحرير شعب تيغراي إلى إجراء إنتخابات داخلية في الإقليم من دون موافقة أديس أبابا، ما أدى إلى تفجر الأزمة.
هنا ثار التساؤل، إلى أين تتجه إثيوبيا؟… إلى التفكك أم الإصلاح في عهد آبي أحمد؟ منذ وصوله إلى السلطة في العام 2018، شرع الرجل في تسويق نفسه رائداً لإصلاح الهيكل السياسي والاقتصادي لإثيوبيا بسجلات متناقضة، فأقام السلام مع إريتريا، وحصل على نوبل للسلام، وقام بإطلاق سراح السجناء السياسيين والصحافيين.
غير أن تعزيز الانقسام العرقي والنزعة الانفصالية وعدم الاستقرار وعدم توافر الأمن طغت في مجموعها، حتى بات السخط العرقي الحالي يمهد الطريق إلى تفكيك الدولة صاحبة أكبر عدد من السكان في أفريقيا بعد نيجيريا، حيث يبلغ تعدادها 115 مليون نسمة.
بات السيناريو الأسوأ أن تتحول إثيوبيا إلى يوغوسلافيا جديدة في القرن الأفريقي ما ينذر بتغير جذري في المشهد الجيو- سياسي والجيو- اقتصادي لمنطقة القرن الأفريقي بأسرها.
في مقابل ذلك، البراجماتية السياسية لآبي أحمد غدت واضحة، فأثيوبيا على شفا الانزلاق لحرب أهلية عرقية، والكراهية العرقية التاريخية السابقة بين عرقيتي الأمهرة والأورومو تحمل بين طياتها أسباباً لاندلاع حرب أهلية بنوازع عرقية، وقد لعبت إدارة آبي أحمد دوراً كبيراً في تجذر هذا الانقسام.
قاد تفكيك الائتلاف الحاكم والمطاردة المتعمدة والمحسوبة لأعضائه السابقين من منطقة تيغراي، ثم إعلان إقتحامها عسكرياً في الخامس من (تشرين الثاني/ نوفمبر) الماضي إلى حالة متجذرة من عدم التوافق لا يمكن إصلاحها بين تيغراي وإدارة آبي.
كان إقامة تيغراي المستقلة أمرا موجودا منذ عام 1976 في ظل بيان تيغراي الكبرى، لكن الانفصال وضم الأراضي الإريترية سيكون مستحيلاً.
ومع ذلك، وبدون ضم الخطوط الساحلية الإريترية واستعداء الإريتريين، يمكن أن تصبح تيغراي المستقلة حقيقة واقعة، وبداية لتفكك كبير، ربما بدأ منذ صوتت (السيداما) لأجل الإنفصال في العام 2019.
من زاوية أخرى، فإن تشكيل ميليشيات عرقية في إثيوبيا هو مؤشر آخر على السخط والكراهية العرقية بين الجماعات العرقية الأكثر نفوذا في إثيوبيا.
في المقابل، يُحسب لآبي أحمد عديد من الإصلاحات قام بها منذ مجيئه إلى السلطة في العام 2018، على الصعيدين السياسي والإقتصادي، سياسياً، تم إسقاط التهم عن جماعات وحركات معارضة مسلحة، ورحب بعودة قياداتها من المنفى.
وفي سياق سياساته الإصلاحية، تم إطلاق سراح المعتقلين والسجناء المعارضين بالإضافة إلى رفع حركات المعارضة المسلحة: “قنوب سبات” و”جبهة تحرير أوغادين”، من لائحة المجموعات الإرهابية في البلاد.
وعلى المستوى الإقتصادي، سيما الجانب التنموي، تسعى الحكومة الإثيوبية الحالية إلى تحويل أديس أبابا إلى عاصمة أفريقيا، من خلال عدة مشروعات أبرزها مشروع النقل السريع (القطار) المخطط تنفيذه خلال سنوات قلائل، وعن مشروع سد الألفية، فإنه يعد الأضخم على الإطلاق في تاريخ إثيوبيا، حيث تصل سعته التخزينية للسد لـ 74 مليار متر مكعب، من أجل توليد نحو ستة آلاف ميجاوط من الطاقة الكهربائية، ستحقق لإثيوبيا نهضة تنموية كبيرة، خلال وقت قصير.
وأخيراً، تتعدد مؤشرات التحذير واضحة على أن إدارة آبي أحمد برغم كل مساعيها الإصلاحية جلبت انفلاتا أمنيا في ثاني أكبر دول أفريقيا سكاناً، وأن الإصلاحات السياسية التقدمية التي قدمها آبي هي نوافذ فرص لتفكك إثيوبيا، وتحولها إلى (يوغوسلافيا) في قرن أفريقي مأزوم.