3 سنوات مضت على “بريكست”، ولا يزال الميزان التجاري للمملكة المتحدة الخاسر الأكبر، مع الاتساع القياسي لفجوة العجز مع الاتحاد الأوروبي.
أكبر فجوة تجارية منذ 1997
ووفق تقرير صادر عن وكالة بلومبرغ للأنباء، اتسع العجز التجاري للمملكة المتحدة مع الاتحاد الأوروبي ليسجل مستوى قياسيا في الربع الأخير من 2022، حيث قفزت الواردات من الكتلة.
وتضخم العجز في الميزان التجاري للسلع ليصل إلى 32.9 مليار جنيه استرليني (ما يُعادل 39.9 مليار دولار) في الأشهر الثلاثة حتى ديسمبر/كانون الأول 2022، وفقاً للبيانات الرسمية، ما يُعدّ أكبر فجوة تشهدها البلاد منذ بداية رصد البيانات في 1997.
يتزامن ذلك مع تسجيل الواردات من الاتحاد الأوروبي، باستثناء المعادن الثمينة، مستوى قياسياً بلغ 82 مليار جنيه استرليني، حسب ما أظهرت بيانات المكتب الوطني للإحصاء الجمعة 10 فبراير/شباط 2023، بينما بلغت الصادرات 49.2 مليار جنيه استرليني.
وارتفعت واردات السلع بمقدار 1.6 مليار جنيه استرليني، أو بنسبة 2.9% في ديسمبر/كانون الأول 2022، بينما تراجعت الصادرات بمقدار 800 مليون جنيه استرليني أو 2.3%. ويعكس هذا التراجع وجود بعض الحواجز الجمركية التي برزت بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
“بريكست” يكبح الصادرات
من جهتها، قالت غابرييلا ديكنز، كبيرة الاقتصاديين البريطانيين في “بانثيون ماكرو إيكونوميكس”: “لا يزال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يشكل عاملاً مهماً، حيث يواصل كبح الصادرات”.
وأضافت: “تراجعت صادرات المملكة المتحدة من السلع -باستثناء السلع المتقلبة- بنسبة 9.4% عن المستوى الذي سجلته في 2018، قبل تأثير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وتفشي جائحة كورونا” على البيانات.
وارتفعت الواردات من الاتحاد الأوروبي في ديسمبر/كانون الأول الماضي وحده، بنسبة 3.8% لتصل إلى 28.5 مليار جنيه إسترليني، مسجلةً بذلك مستوى قياسياً جديداً؛ حيث شكلت زيادة مشتريات الآلات ومعدات النقل، وخاصة السفن المستوردة من ألمانيا، والوقود دافعاً أساسياً وراء هذا الارتفاع.
ولا يزال هذا الرقم أعلى بـ1.3 مليار جنيه استرليني مقارنةً بالواردات من باقي دول العالم، رغم فرض ضوابط جمركية كاملة بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا في يناير 2022. ومع ذلك، أشار المكتب الوطني للإحصاء إلى التأثير المحتمل للتغييرات في طريقة قياس التجارة مع الاتحاد الأوروبي منذ ذلك التاريخ على البيانات.
من جهتها، قالت كاثرين مان، إحدى صانعي السياسة في بنك إنجلترا الأسبوع الماضي، إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يؤدي إلى تفاقم أزمة غلاء المعيشة في المملكة المتحدة، ويجعل البلاد “وحيدة” في محاولتها لكبح جماح التضخم.
وأضافت: “لم تختر أي دولة أخرى فرض حواجز تجارية من طرف واحد على أقرب شركائها التجاريين”.
وتراجع الميزان التجاري في السلع والخدمات مع العالم بكامله إلى مستوى قياسي منخفض، بلغ سالب 11.4 مليار جنيه إسترليني في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وفقاً للمكتب الوطني للإحصاء، وهو ما يعود جزئياً إلى الارتفاع الكبير في أسعار الغاز.
في المقابل، كانت الصادرات من جميع الاقتصادات المتقدمة أعلى بنسبة 3.8% عن متوسطها لعام 2018 في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وفقاً لــ”مرصد التجارة العالمية” الصادر عن المكتب الهولندي لتحليل السياسات الاقتصادية (CPB).
وتشير تقديرات المكتب الوطني للإحصاء إلى ارتفاع واردات الخدمات بمقدار 0.1 مليار جنيه إسترليني، أو بنسبة 0.4%، بينما تراجعت الصادرات بمقدار 0.2 مليار جنيه استرليني أو 0.4%، ما يشكل مصدر قلق لقطاع الخدمات المهيمن في بريطانيا.
وأشار تقرير موجز ظروف العمل الذي أصدرته مجموعة من وكلاء بنك إنجلترا في جميع أنحاء البلاد، في الربع الرابع من 2022، إلى تأثير تردد الأسر في التخلي عن أموالها على الشركات التي تتعامل مباشرةً مع المستهلكين.
هل تتجنب بريطانيا الركود؟
فيما تتوقع صحيفة الفايننشال تايمز، مستقبلًا قاتمًا للاقتصاد البريطاني بعد مخاوف من أن تمتد حالة الركود التي تخيم عليه إلى 2023.
ويشهد الاقتصاد البريطاني تدهورا متزايدا في الآونة الأخيرة فلا يزال يتجه بقوة إلى دائرة الركود، ليس فقط بسبب تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية والجائحة، وإنما أيضا جراء بريكست.
وقد أظهرت بيانات نشرها مكتب الإحصاء الوطني البريطاني، الجمعة 10 فبراير/شباط 2023، أن الناتج المحلي الإجمالي للبلاد لم يشهد أي تغيير في الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2022.
وكان خبراء اقتصاديون استطلعت “رويترز” آراءهم، توقعوا نموًا صفريًا في الربع الرابع من العام. وتوقع بنك إنجلترا الأسبوع الماضي، أن تدخل بريطانيا فترة من الركود الطفيف، لكنها ستكون طويلة، تبدأ في الربع الأول من هذا العام وتستمر خمسة أرباع.
وتتأثر مستويات المعيشة في بريطانيا من ارتفاع التضخم الذي وصل إلى أعلى مستوى في 41 عامًا عند 11.1% في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كما تستشعر الشركات والأفراد تأثيرا متزايدا من الرفع السريع لأسعار الفائدة من جانب بنك إنجلترا منذ ديسمبر/كانون الأول 2021.
وكان الاقتصاد البريطاني، انكمش بوتيرة أسرع من المتوقع خلال الربع الثالث من العام الماضي، نتيجة تباطؤ استثمار الشركات وانخفاض دخل الأسر.
وأظهرت بيانات مكتب الإحصاءات الوطني تراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.3% خلال الأشهر الثلاثة المنتهية في سبتمبر/أيلول 2022، مقارنة بتوقعات سابقة بانكماشه بنسبة 0.2%.
فيما امتدت المخاوف إلى القطاع الخاص، فقد أظهرت نتائج مسح أن النشاط الاقتصادي للقطاع الخاص في بريطانيا تراجع في يناير/كانون الثاني بأسرع وتيرة له في عامين.
وعزت الشركات ذلك إلى رفع بنك إنجلترا أسعار الفائدة إلى جانب الإضرابات وضعف طلب المستهلكين.
وتراجع مؤشر ستاندرد اند بورز جلوبال/سي.آي.بي.إس المجمع لمديري المشتريات إلى 47.8 في يناير/كانون الثاني مقابل 49.0 في ديسمبر/كانون الأول، عند الحد الأدنى لنطاق توقعات الخبراء في استطلاع أجرته رويترز، كما أن هذه القراءة هي الأقل منذ يناير/كانون الثاني 2021. وتشير أي قراءة دون 50 إلى انخفاض الإنتاج.
وقال كريس ويليامسون كبير اقتصاديي الأعمال في ستاندرد اند بورز جلوبال “ضعف قراءة مؤشر مديري المشتريات بأكثر من المتوقع في يناير/كانون الثاني تؤكد احتمالية دخول المملكة المتحدة في ركود”.
وأضاف أن “الخلافات في قطاع الصناعة ونقص العمالة وخسائر الصادرات وارتفاع تكاليف المعيشة وزيادة أسعار الفائدة كلها عوامل أدت إلى تفاقم وتيرة التراجع الاقتصادي مرة أخرى في بداية العام”.
المصدر: وكالات