لمواجهة استفزاز “الشمال”.. كيف تستعد كوريا الجنوبية؟

تأثيرات تعاظم القدرات الصاروخية لكوريا الشمالية باتت عامل ضغط متصاعد على كوريا الجنوبية بشكل يتجاوز حتى البعد الاستراتيجي أو العسكري.

دخول “الطائرات بدون طيار” في المعادلة العسكرية بين الكوريتين إثر التحليق غير المسبوق للطائرات المسيرة الكورية الشمالية أواخر الشهر الماضي في الأجواء الكورية الجنوبية ودخولها منطقة حظر الطيران المحيطة بمقر الرئيس “يون سيوك يول” بالعاصمة، سببت صدمة في سول جعلتها تراجع حساباتها الدفاعية بشدة.

تلك المؤشرات وغيرها أطلقت جرس إنذار حاد وشكوك حول مدى جاهزية الجيش الكوري الجنوبي، لمواجهة التهديدات التي تمثلها القدرات الشمالية، والتي لم تعد تقتصر على الجانب الصاروخي، بل دخلت من ضمنها أيضًا القدرات المسيرة، ومن قبلها القدرات البحرية.

ولمواجهة تلك التهديدات أطلق رئيس كوريا الجنوبية خطة دفاعية جديدة تصل إلى حد التعديل الجذري للاستراتيجية الدفاعية للبلاد، وتشمل تطوير قدرات الدفاع الجوي، وتعزيز قدرات الضربة الوقائية في النظام الدفاعي “ثلاثي المحاور”.

خطة انتقدتها بشدة كوريا الشمالية، واعتبرتها دليلاً على نية جارتها للاستعداد لـ”غزو” بيونغ يانغ، وأثارت المخاوف من اندلاع حرب ثانية شبيهة بتلك التي ضربت شبه الجزيرة في خمسينيات القرن الماضي.

وخلال الفترة الماضية زادت استفزازات كوريا الشمالية بشدة في ظلّ تعثّر المفاوضات مع الولايات المتّحدة، حيث أجرت بيونغ يانغ عدداً قياسياً من التجارب العسكرية، وفي أبريل/نيسان الماضي، كيم يو جونغ، شقيقة الزعيم الكوري الشمالي هددت كوريا الجنوبية “بقوتها النووية القتالية” إذا تعرضت لهجوم.

كذلك هددت في أغسطس/آب الماضي مرة ثانية بما وصفته بـ “انتقام مميت” ضد كوريا الجنوبية بعد اتهامها بالتسبب في تفشي فيروس كورونا في بلادها، كما أقرت بيونغ يانغ قانوناً جديداً يجيز لها تنفيذ ضربات نووية وقائية في خطوة جعلت من قوتها النووية أمراً “لا رجعة فيه”.

واعتبر مراقبون أن تجارب بيونغ يانغ الصاروخية خلال 2022 كانت أكثر من أي وقت سابق، وعززت قدراتها في مجال الصواريخ الباليستية والأسلحة النووية بشكل كبير الأمر الذي جعل الوضع أكثر خطورة في شبه الجزيرة الكورية.

وأشاروا إلى أن التجربة الصاروخية الأخيرة والتي مرت فوق الأراضي اليابانية تؤكد أن كوريا الشمالية ماضية في مسار تصعيدي مفتوح، وكلما طال أمد هذا النزاع، فإن بيونغ يانغ تواصل الاستفادة من الوقت لتحسين قدراتها، مؤكدين أن “الحل يكمن في الجلوس على طاولة الحوار واستئناف المفاوضات لوقف الاستفزازات ومنع دخول المنطقة حالة الحرب مرة ثانية كما حدث في الخمسينيات”.

خطة كوريا الجنوبية

كل تلك الاستفزازات جعلت كوريا الجنوبية تسعى لتعزيز قواتها وإطلاق خطة دفاعية، تشمل تأسيس قيادة استراتيجية للإشراف على منظومتها الدفاعية الثلاثية، بحيث تكون مكتملة التكوين عام 2024، بهدف تحسين قدرة القوات المسلحة الكورية الجنوبية على استخدام الأصول العسكرية النوعية الحالية والمستقبلية، والتي تشمل مقاتلات “أف-35″، والمروحيات الهجومية، ومدفعية الميدان الثقيلة، والصواريخ الاعتراضية والجوالة والباليستية، والطائرات دون طيار، والقطع البحرية، وأقمار الاستطلاع.

وخصصت سول في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، نحو 21.1 مليار دولار لصالح منظومة الدفاع الثلاثية خلال السنوات الـ 5 القادمة، بداية من العام الجاري، من ضمنها نحو 5.92 مليارات دولار لصالح أربعين مشروعًا خاصًا بالمحور الأول “سلسلة القتل”، و5.8 مليارات دولار لصالح ثمانية عشر مشروعًا خاصًا بالمحور الثاني “منظومة الدفاع الجوي والصاروخي الموحدة”، و3.39 مليارات دولار خاصة بتسعة مشاريع متعلقة بالمحور الثالث “منظومة الرد العقابي والانتقامي الشامل”.

ومن معالم الخطة أيضا والتي كشفت عنها وزارة الدفاع الكورية الجنوبية، في وقت سابق، إقامة قيادة مشتركة للطائرات المسيرة، يكون في مقدرتها تنفيذ مهام مختلفة، بما في ذلك عمليات لمراقبة والحرب السيبرانية.

كما قرر الجيش أيضا الإسراع في تطوير ما تسمى “طائرات مسيرة قاتلة”، يمكن أن تهاجم الطائرات المسيرة.

وذكرت شبكة “كيه.بي.إس.وورلد” الإذاعية الكورية الجنوبية، التي أفادت بهذه المعلومات، أن الخطة الجديدة تأتي وفقا لتعليمات رئيس البلاد، وتوجيهه بإنشاء وحدة مشتركة لطائرات “درون” المسيرة.

وزارة الدفاع الكورية الجنوبية عبرت عن ثقتها في أنه من خلال الاستفادة من تكنولوجيا هيئة التنمية الدفاعية، سيكون من الممكن إنتاج طائرات شبح مسيرة وصغيرة الحجم، خلال هذا العام، طبقا لتعليمات الرئيس الكوري الجنوبي.

مراقبة بيونغ يانغ

كذلك أعلن جيش كوريا الجنوبية، أنه يبحث خطة لاستئجار أقمار صناعية لتكثيف المراقبة على كوريا الشمالية، وتعزيز قدرات الضربة الوقائية في النظام الدفاعي “ثلاثي المحاور”.

ونقلت وكالة “يونهاب” الكورية الجنوبية، عن مسؤول عسكري قوله، إن الجيش ينظر في تأجير أقمار صناعية مصغرة من قبل وكالة فضاء مدنية أوربية مخصصة للقمر الصناعي المصغر والمزود بتقنية رادار الفتحة التركيبية (SAR) في زمن الحرب. 

ويوفر رادار الفتحة التركيبية نتيجة دقيقة من خلال أخذ جميع لقطات الرادار من هدف معين أثناء مروره فوقه ومعالجتها في صورة واحدة حيث تتحرك الأقمار الصناعية بسرعة كبيرة عادة في مدار منخفض.

وتضيء الرادارات المدارية للقمر الصناعي الخاص برادار الفتحة التركيبية، السطح باستخدام أطوال موجية أطول بمئات الآلاف من المرات من الضوء المرئي، وتخترق هذه الأطوال الموجية بسهولة السحب والضباب الدخاني.

ويعني تشغيل الأقمار الصناعية المصغرة المزودة برادار الفتحة التركيبية أنه سيمكن الجيش من رصد حركة قاذفات صواريخ متنقلة (TEL) في كوريا الشمالية وحركة الأفراد والمواد حول منشآت نووية وعلامات على حقن الوقود السائل في صواريخ باليستية وغيرها في وقت حقيقي وحتى في الأحوال الجوية السيئة.

وقال المسؤول إن مراجعة الجيش في تأجير القمر الصناعي المزود برادار الفتحة التركيبية تهدف إلى تعزيز “سلسلة القتل” لمفهوم الضربة الوقائية ضد كوريا الشمالية في حالة الطوارئ.

وأضاف أن “الاكتشاف المبكر عن علامات لاستفزازات كورية شمالية، يُعد أمرا ضروريا لضربة وقائية، ولهذه الغاية يجب تعزيز قدرات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع”.

ويعتمد الجيش الكوري الجنوبي بشكل كبير على الأقمار الصناعية للاستطلاع التي تديرها الولايات المتحدة لأنه لا يمتلك قمرا صناعيا استطلاعيا خاصا به.

تنديد كوري شمالي

ومن جانبها، نددت كوريا الشمالية بالخطة الدفاعية متوسطة المدى لإدارة الرئيس الكوري الجنوبي، يون سوك يول، بوصفها دليلا على نيتها للاستعداد لـ”غزو” كوريا الشمالية في حرب نووية.

ونشر موقع “أريرانج مياري” الإلكتروني الدعائي الكوري الشمالي، السبت، مقالا بعنوان “حفرت قبرها” زاعمة أن جيش كوريا الجنوبية يستعد لزيادة إنفاقه الدفاعي السنوي بواقع 6.8 % في المتوسط، خلال السنوات الخمس المقبلة.

وبحسب شبكة “كيه.بي.إس.وورلد” الإذاعية الكورية الجنوبية، فإن المقال اعتبر تلك الخطوات “مثيرة للضحك”.

المصدر: وكالات