خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، والنقابات العمالية في فرنسا، تعتزم إضرابا عاما للمطالبة بزيادة الرواتب، وسط تضخم هو الأعلى منذ عقود، ليواجه الرئيس إيمانويل ماكرون أحد أصعب التحديات منذ انتخابه لفترة ثانية في آيار/ مايو الفائت.
هذا وقد شهدت العاصمة باريس خروج آلاف الأشخاص في احتجاجات واسعة بالشوارع، اعتراضا على ارتفاع تكاليف المعيشة وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين وإضرابات أدت إلى إغلاق العديد من محطات الوقود في أنحاء عديدة من البلاد.
كما تزامنت الاضطرابات التي تشهدها فرنسا، وأجواء سياسية متوترة، منها اقرار الحكومة ميزانية العام 2023 باستخدام صلاحيات دستورية خاصة تمكنها من اجتياز تصويت في البرلمان، وكذلك مع إصرار ماكرون على المضي في دعم أوكرانيا،- ولو على حساب الفرنسيين-، وتوجيه ملايين من اليوروات، لمساعدات خارجية، أو بالأحرى، للتوسع في دوائر إقليمية، ودولية لإرضاء الطموح السياسي لسيد الإليزيه.
بهذا السياق، نجد باريس قد أعلنت في 17 من كانون الثاني/يناير عن تقديمها مساهمة إضافية قدرها مليون يورو لخطة الإنقاذ التابعة للأمم المتحدة لناقلة النفط (صافر) المهددة بالانفجار قبالة السواحل اليمنية على البحر الأحمر، وقالت الخارجية الفرنسية في بيان ان هذه المساهمة الإضافية التي ترفع إجمالي مساهمة فرنسا إلى 26ر2 مليون يورو تؤكد التزام باريس بحماية البيئة في المنطقة ودعمها المستمر لخطة الأمم المتحدة لانقاذ الناقلة (صافر).
ويرسو الخزان العائم (صافر) قبالة شواطئ الحديدة في ساحل البحر الأحمر وهي عبارة عن ناقلة نفط عملاقة ومتهالكة معرضة للانفجار في أي لحظة.
وبمقابل ذلك، فإن مجموعة “أطباء من أجل الغد”، أعلنت إضرابها لمطالبة الحكومة باتخاذ تدابير جادة تجاه ما تريد، وهو مضاعفة رسوم الاستشارة الأساسية، من 25 إلى 50 يورو فقط.
احتجاجات وإضرابات بالتزامن مع أعياد الميلاد، وما بعدها
⦁ عدد المشاركين في الاحتجاجات وصل إلى 30 ألف شخص، بحسب تقديرات الشرطة.
⦁ قال المنظمون إن عددهم بلغ نحو 140 ألف متظاهر.
⦁ المظاهرات نظمتها أحزاب اليسار الفرنسية المعارضة لسياسة الرئيس إيمانويل ماكرون.
⦁ شارك في المسيرات عدد كبير من نشطاء “السترات الصفراء” والمتقاعدين، احتجوا ضد غلاء المعيشة في ظل استمرار تشبث الاتحاد العام للعمال بمواصلة إضرابه.
⦁ شمل الإضراب القطاعات العامة مثل المدارس والنقل والرعاية الصحية.
⦁ شركة يوروستار ألغت بعض خدمات القطارات بين لندن وباريس بسبب الإضراب.
⦁ امتدت الإضرابات بالفعل إلى أجزاء أخرى من قطاع الطاقة، ومنها شركة الطاقة النووية العملاقة “إلكتريستي دو فرانس”، حيث ستتأخر أعمال الصيانة الضرورية لإمدادات الطاقة في أوروبا.
ومع ذلك، يرفض ماكرون ربط أي علاقة بين الإضرابات والاحتجاجات وتداعيات الحرب إلا أن مطالب المتظاهرين مرتبطة بارتفاع أسعار الغذاء والطاقة وتحسين إصلاح المعاشات التقاعدية وتأمينات ضد البطالة، لافتا إلى “خيارات صعبة قد تضعف أكثر الحكومة الفرنسية التي تجابه من جهة اقتصادا متدهورا بسبب الحرب ومن جهة أخرى غضبا شعبيا قد يفاقم الأزمة الراهنة”.
وفي بريطانيا، بدأت طواقم فرق الإسعاف في الإضراب بالأسبوع الأخير من كانون الأول/ديسمبر، ليتسع الخلاف مع الحكومة بشأن رفضها زيادة الأجور فوق معدلات التضخم، بعد إضرابات الممرضين الأخيرة.
وتسببت سلسلة من الإضرابات في إشاعة شعور بالبؤس في المملكة المتحدة في أعياد الميلاد، مع تهديد قام به عمال السكك الحديد وشرطة مراقبة الجوازات أيضاً بإفساد عطلة الأعياد في ظل رفض الحكومة قبول المطالب المتعلقة بالأجور.
إلى ذلك، وتوقف موظفو سيارات الإسعاف في الخدمة الصحية الوطني (NHS)، التي تديرها الدولة، بمن فيهم طواقم الإسعاف ومسؤولو الاتصالات عن العمل.
وتشهد بريطانيا سلسلة واسعة من الإضرابات في الشهر الجاري نتيجة تجمد الاستجابة لمطالب المضربين، حيث بدأ إضراب عمال الطرق السريعة في الأول من كانون الثاني/ يناير، تلاه إضراب طواقم المسعفين، ثم إضراب لقطاعات في شبكة السكك الحديدية وعمال الطرق السريعة ، وإضراب فاحصي قيادة السيارات في الفترة من الرابع إلى العاشر من الشهر عينه.
مخاوف من الفوضى
فرنسا تشهد أزمة كبيرة قد تدخل البلاد في انتخابات مبكرة على خلفية هذه التداعيات حيث هددت المعارضة من اليمين واليسار والاشتراكيين أيضا بأنه حال الإقدام على استخدام الصلاحيات الدستورية الاستثنائية فإنهم سيقدمون على سحب الثقة وسيطيحون بالحكومة ما قد يدفع ماكرون لحل البرلمان، وكذلك، تخشى حكومة بورن أن تعود “حركة السترات الصفراء” إلى الشوارع، وفي السياق ذاته، ليست بريطانيا ببعيد عن هذه التحديات المتعلقة بإسقاط الحكومة، والدخول إلى دائرة الفوضى السياسية.