عادت حقبة “النتنياهوية” بجملة من المستجدات في المشهد السياسي الداخلي لإسرائيل، فالحديث في الوقت الراهن في الشارع الإسرائيلي يدور حول خطة وزير القضاء ياريف ليفين، التي يرمي من خلالها إلى تعديل بعض الأنظمة الخاصة بالجهاز القضائي.
ولم تلق الخطة، حسب دراسة لمركز تريندز، إلى الآن استحسان الجمهور، حيث إن سيل الانتقادات كان حاضرا في الإعلام الإسرائيلي بشقيه اليميني واليساري، ووصل البعض إلى وصف الخطة بمثابة الانقلاب على الديمقراطية الإسرائيلية، وبالرغم من ضرورة عدم الاستغراب من المفاجآت السياسية في إسرائيل فإن تحليل المشهد الحالي وتداعياته من شأنه أن يوسع مداركنا لما قد تؤول إليه الأحداث مستقبلا.
وكان المفكر والأكاديمي الإسرائيلي الراحل جوزيف راز يرى أن أحد الأدوار التي تم تصميمها لعمل القانون هو تقليل المخاطر الناجمة عن القانون نفسه، هذا هو الهاجس الرئيسي في إسرائيل في الأيام الحالية مع خطة ليفين المثيرة للجدل.
والمتتبع لحيثيات خطته سيلحظ أنها تتمحور في 4 محاور، أولا: تغيير تشكيلة لجنة اختيار القضاة. ثانيا: إلغاء “حجة اللامعقولية” التي تستند إليها المحكمة العليا في إلغاء الأمور الإدارية كرفض تعيينات المسؤولين الرسميين.
وثالثا: تمرير “بند التغلب” عبر تشريع يمنع المحكمة العليا من الاعتراض على القوانين الصادرة عن الكنيست، حتى ولو كانت تتعارض مع “قوانين الأساس” الإسرائيلية التي تُعد بمنزلة الدستور في إسرائيل. رابعا: تعديل عملية اختيار المستشار القضائي للحكومة والمستشارين القضائيين للكنيست والوزارات، ليكون الاختيار سياسيا عبر المسؤول المعني لا عبر لجنة تخضع لمكتب المستشار القضائي.
كل هذه التغييرات التي يسعى ليفين لإجرائها لا شك أنها تضرب في صميم عمل السلطة القضائية، حيث إن نقد المحكمة العليا ونقضها القوانين “غير العقلانية” عبر مقارنتها مع “القوانين الأساس” يُعد المصدر الرئيسي لاستقرار الدولة وديمومتها.
والحاصل هو ليس تهديدا للديمقراطية الإسرائيلية وحسب، بل تهديدا للنظام السياسي الإسرائيلي برمته، هذا ما دفع آلاف الإسرائيليين للاحتجاج في تل أبيب على حكومة نتنياهو.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، وإنما أبدى خبراء القانون الإسرائيليون المخضرمون، مثل أهارون باراك الذي شغل منصب رئيس المحكمة العليا سابقا، اعتراضهم على الخطة، حيث أوضح باراك أن الجميع سيتأثر بهذه الخطة، سواء اليهود أو العرب، أو الحريديم أو غير الحريديم.
ولعل السؤال الذي قد يتبادر إلى الأذهان هو: هل ستؤدي هذه المستجدات إلى عدم استمرار الحكومة الحالية؟ في الحقيقة لا أظن ذلك، فالنظام السياسي الإسرائيلي برلماني، وكفة الميزان تذهب لصالح نتنياهو مع عدد مقاعد ائتلافه في الكنيست.
سيناريو عدم استمرار الحكومة الحالية مرتبط بعدم تفكك الائتلاف عبر تغيير أعضاء الأحزاب المنضوية تحته لمواقفهم، والذي يُعد مستبعدا في الوقت الراهن، ما يُميز الحكومة الحالية هو عدم وجود مناكف لنتنياهو على منصب رئاسة الحكومة، وأغلب توجهات أحزاب الائتلاف ذاهبة في نفس الاتجاه الذي يقوده نتنياهو، الذي عمل عبر براغماتيته الأخيرة (بالتعيينات الوزارية) في كسب مواقفهم بشكل أكبر.
وأخيرا، فإن الاحتمالات جميعها واردة، سواء عبر المضي قُدما في تمرير الخطة بالكنيست، أو تخفيفها، أو التراجع عنها عبر المساومة في أمور أخرى. والمساومة هنا ستكون مع شخصيات الجهاز القضائي، فثمة شخصيات تُعرقل عمل الحكومة الحالية وعلى رأسها المستشارة القضائية للحكومة غالي بهاريف ميارا، التي أبدت معارضتها لبعض التعيينات التي قام بها نتنياهو، ناهيك أن حزب الليكود يرى ميارا بنظرة سلبية منذ فترة الحكومة السابقة.
والثابت في هذه المعادلة أنه على الرغم من أن جميع الاحتمالات ستؤدي إلى خلق ردود أفعال لدى أطياف المعارضة، فإن عامل نتنياهو سيكون الغالب في نهاية الأمر، وذلك باحتوائه الشارع عبر تسريع المشاريع الحكومية، وزيادة الدعم لجميع مكونات المجتمع الإسرائيلي.
المصدر: وكالات