أزالت الأزمة الأوكرانية الضباب عن المشهد العالمي بقطاعي الغذاء والطاقة، بينما تنادي دول متقدمة بتقليص الاستثمار في الطاقة التقليدية.
لكن اليوم، ذات الدول لا تملك خيارا إلا التوجه للدول النفطية بحثا عن الخام والغاز الطبيعي، وهو الوقود اللازم للإبقاء على اقتصاداتها في حالة نمو.
وبينما كان هدف الدول الصناعية المستهلكة للطاقة، هو تقليل الانبعاثات الكربونية، كانت الدول النفطية بقيادة الإمارات والسعودية، تسيران قدما نحو تدشين أكثر من 4 مصادر للطاقة الجديدة والمتجددة.
حماية الكوكب
لم يعد الحديث عن حماية الكوكب وتقليص الانبعاثات الكربونية، بنفس الزخم الذي كانت عليه خلال العام الماضي، إذ وجد الغرب أن مصالحه الحالية لا تتماشى مع أهداف تغير المناخ.
بالأرقام، فإن 15 دولة صناعية مسؤولة عن أكثر من 70% من الانبعاثات الضارة للغلاف الجوي سنويا، بقيادة الصين والولايات المتحدة، المسؤولتين معا عن 40% من هذه الانبعاثات.
هذه التطورات، دفعت إلى إعادة تشكيل الأولويات العالمية في صناع الطاقة، في وقت يبحث الاتحاد الأوروبي عن مصادر بديلة للغاز والنفط الروسيين المعاقبين، بفعل حرب موسكو على كييف.
الزيارات الغربية لدول أفريقيا والخليج العربي لم تتوقف منذ شهرين، بحثا عن بدائل للغاز الروسي، وإلا فإن هذه الدول ستواجه واقعا تكون تبعاته على اقتصاداتها أكبر من تبعات الحرب العالمية الثانية.
المؤشرات العالمية تقول إن الحكومات ستتدخل في آلية استهلاك مجتمعاتها للطاقة، والاستمرار في تعزيز مصادر الطاقة التقليدية، جنبا إلى جنب مع بناء مجتمعات مستقبلية تعتمد أكثر على الطاقة المتجددة.
على مستوى الدول الخليجية المنتجة للنفط، فإن مشاريع الطاقة الجديدة والمتجددة تسير على قدم وساق، فدولة الإمارات على سبيل المثال هي إحدى أكبر 10 منتجين للنفط الخام في العالم، وصاحبة خامس أكبر احتياطي نفطي مؤكد.
لكنها تملك اليوم أكثر من 5 مصادر للحصول على الطاقة، كالطاقة الشمسية والرياح والطاقة النووية، والطاقة الكهرومائية، وتوليد الطاقة من النفايات، إلى جانب المصادر التقليدية.
هذا المزيج لا تملكه غالبية الدول المتقدمة حول العالم، والتي بدأت اليوم تعيد رسم خارطة إنتاج واستهلاك الطاقة، وما لذلك من تأثيرات على اقتصاداتها خلال فترة انتقالية قد تمتد لما بعد 2040.
كلمة من التاريخ
التاريخ يقول إن كبار مستهلكي الطاقة حول العالم بقيادة الولايات المتحدة لم ينجحوا في إدارة أزمات الطاقة، إذ واجه الاقتصاد العالمي عدة أزمات كبرى للطاقة منها قطع النفط العربي في سبعينيات القرن الماضي.
كذلك، شهدت نهاية السبعينيات أزمة نفطية أخرى، حيث أدت انتفاضة شعبية في إيران إلى توقف إنتاج النفط هناك، مما تسبب في نقص في الولايات المتحدة ودول أخرى ودفع الأسعار إلى الارتفاع.
ويمكن أن تصبح أزمة الطاقة الناجمة عن الحرب الروسية الأوكرانية الأسوأ منذ نصف قرن، حيث أجرى العديد من المحللين بالفعل مقارنات مع أزمات النفط في السبعينيات، لكن هناك اختلافات مهمة.
الاختلاف الأبرز هو أن الاقتصاد العالمي اليوم أقل كثافة في استخدام الطاقة، حيث تجاوز النمو الاقتصادي معدل النمو في استخدام الطاقة، لذلك يستخدم العالم الآن طاقة أقل بكثير لكل وحدة من الناتج المحلي الإجمالي.
كما أن العديد من الشركات التي توزع النفط على مستوى العالم اليوم،أكثر مما كانت في أوائل السبعينيات، إذ أصبحت سلاسل إمداد الطاقة الآن أكثر ديمومة.
ماذا عن استهلاك العالم للنفط والغاز؟
قفز استهلاك النفط العالمي من متوسط 55 مليون برميل يوميا في سبعينيات القرن الماضي إلى 100 مليون برميل يوميا في الوقت الحالي، وتوقعات بـ105 ملايين برميل يوميا في 2025.
أيضا، فإن أزمة الطاقة الحالية تتجاوز النفط بكثير، وبالتالي يمكن أن تؤثر على شريحة أوسع من الاقتصاد العالمي، والإشارة هنا إلى الغاز الطبيعي، الذي يبلغ استهلاكه العالمي سنويا 3856 مليار متر مكعب.
ومن المحتمل أن تتعطل مصادر الطاقة بجميع أنواعها بسبب الاضطرابات، روسيا ليست فقط أكبر مصدر للنفط والمنتجات البترولية المكررة في العالم، ولكنها أيضا المورد المهيمن للغاز الطبيعي إلى أوروبا ومصدر رئيسي للفحم واليورانيوم منخفض التخصيب المستخدم في تشغيل المحطات النووية، ناهيك عن العديد من السلع الأخرى.
الخلاصة، أن الدول النفطية عززت خلال السنوات الماضية من اقتصاداتها بعيدا عن مداخيل الطاقة، كما أن جزءا منها يملك عدة مصادر جديدة ومتجددة للطاقة، يبقى الدور على كبار المستهلكين لبناء اقتصادات توازن بين هذه المصادر (التقليدية والمتجددة).
أزمة الغذاء من الجائحة إلى الحرب
وقبل أن تهب رياح الحرب الأوكرانية كان ينام نحو 828 مليون شخص كل ليلة وهم جوعى، وقد ارتفع عدد الأشخاص الذين يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد -من 135 مليونا إلى 345 مليونا- منذ عام 2019.
كذلك كان هناك حوالي 50 مليون شخص في 45 دولة على حافة المجاعة، بنهاية 2021.
وعلى الرغم من شدة الاحتياجات فقد وصلت الموارد إلى أدنى مستوياتها، ويحتاج برنامج الأغذية العالمي إلى 22.2 مليار دولار للوصول إلى 152 مليون شخص في عام 2022.
ومع ذلك، ومع تأثر الاقتصاد العالمي بجائحة كوفيد-19، أصبحت الفجوة بين الاحتياجات والتمويل أكبر من أي وقت مضى، لتأتي الحرب وتربك كل الحسابات وتقفز الأرقام.
المصدر: وكالات