قال الرئيس الأميركي، جو بايدن، في مقابلة بُثت، في 18 أيلول/سبتمبر 2022، إن القوات الأميركية ستدافع عن تايوان في حالة تعرّضها لغزو صيني، وذلك في أوضح تصريح له، حتى الآن، بشأن هذه المسألة. وردّت الصين على ذلك بالتأكيد أن تصريحاته تمثل «مخالفة شديدة» لسياسة واشنطن تجاه الجزيرة، وأضافت بكين أنها «تأسف وتعارض بشدة» تعهّد بايدن باتخاذ مثل هذه الخطوة.
استفزازات أميركية متواصلة
تبنت الولايات المتحدة عدداً من السياسات الاستفزازية الموجهة ضد الصين على خلفية صراعهما حول تايوان، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي:
1- التخلي عن الغموض الاستراتيجي
بدأت واشنطن تتخلى عن سياسة الغموض الاستراتيجي، وتتبنى سياسات تؤكد أن واشنطن باتت تدعم استقلال تايوان عن الصين. وبدأ ذلك في نهاية إدارة دونالد ترامب حين تم التأكيد على الشراكة الأميركية – التايوانية، ورفع القيود المفروضة على التعاون الدبلوماسي، كما نقض ترامب الاعتراف بقانون العلاقات مع تايوان الذي أبرمه الكونغرس في نهايات السبعينات من القرن العشرين، ويؤكد بوضوح أن حكومة جمهورية الصين الشعبية هي الحكومة الشرعية الوحيدة التي تمثل الصين بأكملها، وأن تايوان جزء من الصين.
2- الالتزام بالدفاع عن تايوان
أكد الرئيس الأميركي، جو بايدن، التزام إدارته بحماية تايوان في تصريحاته الصادرة في 19 سبتمبر، والدفاع عنها في حالة تعرضها لغزو من الصين، مؤكداً أن رده على تايوان سيختلف عن رده عن الحرب الأوكرانية، والتي تحاشت فيها واشنطن التدخل عسكرياً للدفاع عن أوكرانيا.
ويعكس هذا التصريح تأكيداً على أن سياسة واشنطن تتجه للتصعيد ضد الصين، وأنها قد تتجه تدريجياً لفرض عقوبات أكبر على بكين خلال الفترة المقبلة، فقد كشفت الإدارة الأميركية، في سبتمبر، عن عزمها توسيع القيود المفروضة على الشحنات الأميركية إلى الصين من أشباه الموصلات المُستخدمة في الذكاء الاصطناعي، وأدوات صناعة الرقائق في أكتوبر 2022، في مؤشر إلى رغبة واشنطن في الحد من التفوق التكنولوجي الصيني، وتوظيف الأزمة التايوانية لتبني سياسات تستهدف في التحليل الأخير، إضعاف الاقتصاد الصيني، ومن ثم إبطاء تحول بكين إلى إحدى القوى الكبرى القادرة على منافسة واشنطن.
3- دعم واشنطن لتايوان عسكرياً
وافقت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي على مشروع قانون بعنوان «سياسة تايوان 2022»، والذي يستهدف تعزيز الدعم العسكري الأميركي لتايوان بقيمة 4.5 مليارات دولار على مدى أربع سنوات، كما يوفر القانون قروضاً بقيمة ملياري دولار لمساعدة تايوان على شراء أسلحة.
وسبقت ذلك، موافقة الإدارة الأميركية على بيع أسلحة لتايوان بقيمة 1.1 مليار دولار لتعزيز دفاعاتها، والتي شملت 60 صاروخاً من طراز هاربون القادر على إغراق السفن الحربية، و100 صاروخ قصير المدى من طراز «سايد ويندر» القادر على اعتراض صواريخ أو طائرات مسيرة، بالإضافة إلى عقد صيانة لنظام الرادارات التايواني.
كما عبرت سفينتان حربيتان أميركيتان، وهما تشانسلورزفيل وأنتيتام، المياه الدولية في مضيق تايوان، ومن قبل ذلك أُعيدت حاملة الطائرات ريغان إلى بحر الصين الجنوبي.
4- تطويق الصين عبر التكتلات
باتت منطقة المحيطين الهندي والهادئ على رأس أولويات الولايات المتحدة لتطويق نفوذ الصين باعتبارها أحد أهم منافسيها؛ وتجلى هذا في التوصل لاتفاق «أوكوس» مع كل من أستراليا وبريطانيا في سبتمبر 2021، وإعادة الحوار الأمني الرباعي «كواد» لدائرة الضوء، بالإضافة إلى الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ الذي طرحه بايدن خلال جولته الآسيوية الأخيرة، والذي ضم 14 دولة.
رد صيني حازم
بناءً على ذلك، تتبع بكين مجموعة من الخطوات في التعامل مع القضية، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي:
1- الإبقاء على الخيار العسكري
دعا الرئيس الصيني، شي جين بينغ، مجدداً، في 22 سبتمبر، القوات المسلحة في بلاده إلى التركيز في مهمتها للاستعداد للحرب، في إشارة إلى أن الخيار العسكري سيظل حاضراً على الطاولة، إذا ما سعت واشنطن لتحريض تايوان على إعلان استقلالها عن الصين بشكل رسمي، وما يؤكد ذلك أن هذه التصريحات صدرت بعد أربعة أيام من تعهد واشنطن بالتدخل عسكرياً للدفاع عن تايوان، وهو ما يعني أن بكين لا تأبه لإعلان بايدن الأخير، وأن تصريحاته لن تجعل بكين تتراجع عن ضم تايوان عسكرياً.
وتقوم بكين بمناورات بالقرب من الجزيرة، مثل تلك التي تم الإعلان عنها، في أغسطس 2022، والتي كانت أشبه بمحاولة فرض حصار بحري على الجزيرة، إذ حذرت بكين من المرور في النقاط التي تشملها المناورات.
كما شاركت الصين في مناورات «فوستوك – 2022» مع الجيش الروسي وجيوش دول حليفة أخرى. كذلك عززت الصين وجودها الأمني في جنوب الهادئ بتوقيع معاهدة أمنية واسعة مع جزر سليمان لتوسيع وجودها العسكري في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
2- تعزيز القدرات العسكرية
تخطط الصين كي تصبح أقوى جيش في العالم بحلول مئوية جيش التحرير الشعبي عام 2027، وجعلها قوة كبرى بحلول عام 2049 في الذكرى المئوية لجمهورية الصين الشعبية، فقد زادت ميزانية الإنفاق العسكري الصيني لتصبح في المركز الثاني بعد الولايات المتحدة بارتفاع نسبته 7.1% بقيمة 230.16 مليار دولار في عام 2022.
3- الاستعداد للعقوبات الغربية المحتملة
تدعم بكين النظام المالي «كروس بوردر» كبديل لنظام «سويفت»، وذلك للقيام بالتبادل التجاري بين الدول من دون الاعتماد على الدولار الأميركي، بل بالعملات المحلية. وقد أكدت أهمية ذلك خلال قمة منظمة شنغهاي في سمرقند. ويعكس ذلك أن بكين تستفيد من دروس الحرب الأوكرانية، وتدرس العقوبات الغربية، وسبل تقويضها.
كما أقامت الصين تحالفات دولية عدة، مثل بريكس وشنغهاي، وآلية 16+1 بين الصين وبعض الدول الأوروبية، والشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، وهو ما يجعلها قادرة على ضمان وجود دول مؤيدة لها في مواجهتها مع الولايات المتحدة.
4- الحفاظ على الشراكة مع روسيا
صدر بيان مشترك روسي – صيني، في أوائل فبراير 2022، يؤكد أن العلاقات الدولية تدخل عهداً جديداً، بجانب تمديد المعاهدة الثنائية بشأن حسن الجوار والتعاون الودي في عام 2021.
ومن المتوقع أن تتجه بكين لتوطيد علاقاتها مع روسيا عبر الاستمرار في شراء الخام الروسي، الذي تتوقف الدول الأوروبية عن شرائه، بالإضافة إلى فتح المجال للشركات الصينية الصغيرة والمتوسطة لدراسة فرص العمل والاستثمار في روسيا استغلالاً لفراغ الانسحاب الغربي من روسيا، وهو ما يقوّض عملياً من تأثير العقوبات الغربية على الاقتصاد الروسي، ويؤكد في النهاية أن النظام الدولي يسير إلى نظام متعدد الأقطاب.
5- توظيف سلاح العقوبات
تهدد بكين بفرض عقوبات على الدول التي تعترف بتايوان وتقيم معها علاقات دبلوماسية، وهو ما حدث مع بعض جزر المحيط الهادئ، مثل بالاو وجزر مارشال وتوفالو وناورو، بسبب تأكيدهم لعلاقتهم الدبلوماسية مع تايبيه في مارس عام 2022. ووصل الأمر إلى حد فرض فعلي لعقوبات مثلما حدث مع ليتوانيا، في أغسطس 2022، بتعليق جميع أشكال التبادل مع وزارة النقل والاتصالات بعد زيارة الوزير لتايوان، ذلك بجانب فرض عقوبات على سياسيين تايوانيين بسبب دعم النزعة الانفصالية، وتعليق تصدير بعض السلع لتايوان في أغسطس 2022.
وتمتلك بكين خيارات أخرى لتصعيد العقوبات ضد الغرب، وهو ما يتمثل في تعطيل حركة التجارة في مضيق تايوان الذي تمر فيه السفن في طريقها من الصين واليابان إلى أوروبا والولايات المتحدة، ويمر به نحو نصف أسطول الحاويات العالمية، ما يجعل تعطيله ذا تأثير سلبي على سلاسل التوريد الدولية في بحر الصين الجنوبي، وزيادة مدة المرور عبر المضيق البديل المتمثل في مضيق لوزون.
كوابح التصعيد العسكري
هناك مجموعة من الكوابح التي تحد من المواجهة العسكرية بين الصين والولايات المتحدة حول تايوان، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي:
1- كلفة وعائد الغزو الصيني
يلاحظ أن فرص التصعيد المفاجئ للتوتر العسكري، في الأجل القريب، ليست مرتفعة، وذلك استناداً إلى أن بكين لاتزال تتبع سياسات تدريجية حذرة، إذ تدرس الصين العديد من الجوانب، أهمها أن مضيق تايوان يقع عند تقاطع إمداد التجارة العالمية، كما أن تايوان تعد أكبر مصنع في العالم للرقائق وأشباه الموصلات. لذا فإن حدوث أي هجوم يعني تأخير تحقق هدف تجديد الأمة الذي يسعى لتحقيقه الرئيس الصيني، والذي قد يتضرر في حالة حدوث حرب، واتجاه الاقتصاد العالمي لحالة ركود حاد.
2- حدود الموقف الأميركي
على الرغم من التصريحات التي تروج لها الولايات المتحدة بتقديم الدعم العسكري لتايوان، فإن الحل العسكري ليس خياراً واقعياً مطروحاً أمام واشنطن، وذلك بالنظر إلى أن أي مواجهة مباشرة مع الصين ستتطور إلى مواجهة نووية، وهو ما لا تقوى عليه واشنطن.
كما يجب الأخذ في الاعتبار أنه لا توجد دولة أو تحالف ملتزم بشأن حماية سيادة تايوان واستقلالها السياسي، حتى أن الولايات المتحدة لا تعترف بتايوان كدولة رغم رفع كل القيود الدبلوماسية.
مناكفة
يتضح من التفاعل الصيني – الأميركي أن بكين لن تتنازل عن تصعيدها تجاه تايوان، وذلك للإبقاء على الوضع الحالي للجزيرة من دون تغيير، أي جزيرة غير معترف بها دولياً. ومن جانب آخر، تحاول الولايات المتحدة استفزاز بكين عبر اتباع أدوات دبلوماسية وعسكرية، وذلك لتبرير فرض عقوبات اقتصادية ضد بكين، ومحاولة تطويقها بتحالفات عسكرية، على نحو يحدّ من تطور الصين وتحولها إلى قوة كبرى قادرة على مناكفة أميركا في كل الجوانب.
تدعم بكين النظام المالي «كروس بوردر» كبديل لنظام «سويفت»، وذلك للقيام بالتبادل التجاري بين الدول من دون الاعتماد على الدولار الأميركي، بل بالعملات المحلية.
فرص التصعيد المفاجئ للتوتر العسكري في الأجل القريب ليست مرتفعة، وذلك استناداً إلى أن بكين لاتزال تتبع سياسات تدريجية حذرة.
المصدر: مركز المستقبل للأبحاث