كتب حكيم أَلَادَيْ نجم الدين، على موقع مركز الجزيرة للدراسات، أن، الأحزاب السياسية بنيجيريا، لم تكن تشاركية، لكون السياسة النيجيرية متركزة على الأفراد والشخصيات وليست على السياسات والبرامج التي تؤثر في تقدم البلاد وإرساء دعائم القانون والمساءلة القضائية، كما أن هناك أثر واضح للثروة في تكوين العرابين السياسيين، أو الذين باتوا يُطلق عليهم “رجال السياسة النيجيرية الأقوياء”.
وأن، نيجيريا بوصفها، أكبر دولة إفريقية، من حيث عدد السكان الذي يُقدَّر بـ200 مليون نسمة، وكمعظم أخواتها الإفريقيات لا يمكن تناول تحولاتها السياسية دون التطرق إلى دور الجيش فيها، من حيث الانقلابات العسكرية وخطط الانتقال إلى الإدارة المدنية، وتنظيم العملية الانتخابية.
وإذا كانت التحديات الراهنة بمناطق في البلاد تدفع بعض النيجيريين إلى الحنين إلى حقبة الحكم العسكري ومقارنتها بالحكم المدني من حيث الإنجازات والتعامل مع الأزمات؛ فإن التطورات السياسية في الآونة الأخيرة تؤشر إلى أن البلاد تواصل إحراز تقدم في تعزيز ديمقراطيتها الهشة؛ ما جعل البعض الآخر يرون أن هذه السنوات من التجارب الديمقراطية أفضل بكثير من الحكم العسكري.
لذلك، تناولت الورقة البحثية خاصته، التحول الديمقراطي وعسكرة السياسة في نيجيريا من خلال تناول موجز التحولات السياسية ما قبل الجمهورية الرابعة (ما قبل عام 1999)، وتأثير العامل العسكري في التداول السلمي للسلطة بين عامي 1999 و2015، ودور الجيش في تنظيم انتخابات 2019 الأخيرة والتوقعات المتعلقة بانتخابات 2023 القادمة.
وحول هذا الاستحقاق القادم، خلص نجم الدين إلى أن، من مجمل التوقعات حيال انتخابات 2023 القادمة أنه بعد ثماني سنوات من حكم رئيس مسلم من الشمال، سيحل دور حُكم مسيحي من الجنوب، ولكن تبقى المفارقة أن “حزب الشعب الديمقراطي”، الذي كان رائدًا لصفقة تناوب السلطة بين الأقاليم والأديان في العام 1999، قد اختار مسلمًا من الشمال ليكون مرشحه الرئاسي للعام 2023.
في حين أن الأحزاب السياسية الرئيسية الأخرى، بما في ذلك حزب “مؤتمر الجميع التقدميين” الحاكم الذي “لم يتبنَّ رسميًّا صفقة التناوب على الرئاسة”، قد اختار مسلمًا من الجنوب ليكون مرشحه الرئاسي
للعام 2023.
وإذا كان إجراء الانتخابات 2023 وتسليم السلطة للفائز المنتخب سيعززان ما حققته نيجيريا من حيث الانتقالات الديمقراطية السلمية؛ فإن متابعة الحملات الحزبية المختلفة لهذه الانتخابات تؤشر إلى أنها قد تكون المرة الأولى التي لن يكون فيها دعم النخبة العسكرية والعصبة المدنية مهميْن، وأنها قد تكون النهاية الحتمية لصفقة العامين 1998 و1999 حول تناوب السلطة نظرًا لتجاهل الأحزاب مؤخرًا هذا المبدأ في اختيار مرشحيها.
وقد تكون بداية حقيقية لفترة ما بعد الجيش، لأن معظم المتنافسين الكبار في هذه الانتخابات القادمة، ليسوا جنرالات عسكريين متقاعدين.
جدير بالذكر أنه رغم التوقعات السابقة هناك من جادل بأن الخلفيات السياسية لبعض المرشحين الرئيسيين في انتخابات 2023 تعود إلى فترات الانقلابات العسكرية وحقبة الحكم العسكري. وعلى سبيل المثال؛ عمل الحاج “أتيكو أبو بكر” مرشح الحزب المعارض الرئيسي (حزب الشعب الديمقراطي) في العام 2023، مع دائرة الجمارك النيجيرية لمدة 20 عامًا قبل تقاعده في العام 1989 للعمل مع الجنرال الحاج “شيهو يارادوا” وأصبح لاحقًا أحد زملائه السياسيين الموثوق بهم.
وكان “أتيكو” نائب رئيس “الجبهة الشعبية لنيجيريا” (Peoples Front of Nigeria) التي قادها “شيهو يارادوا” وأشرفا مع غيرهما على ضمان نجاح البرنامج الانتقالي الذي بدأه الجنرال “إبراهيم بابانغيدا”، وقد شارك أتيكو أيضًا في سياسات محلية مختلفة وكان من عام 1999 إلى عام 2007 نائبًا للرئيس “أوباسانجو” (وهو أيضًا جنرال متقاعد).
وفي جهة أخرى، كان الحاج “بولا أحمد تينوبو”، مرشح حزب “مؤتمر الجميع التقدميين” الحاكم لرئاسيات 2023، رجلَ أعمال من لاغوس بدأ حياته السياسية عندما انضم إلى “الحزب الاشتراكي الديمقراطي” حيث كان عضوًا في “الجبهة الشعبية لنيجيريا”؛ مما يعني أن كلا المرشحين الرئيسيين للحزب الحاكم والمعارض الرئيسي، “تينوبو” و”أتيكو”، صديقان قديمان.
وقد شارك “تينوبو” أيضًا في التحركات ضد الحكم العسكري وأُجبِر على مغادرة نيجيريا والبقاء في المنفى خلال الديكتاتورية العسكرية في تسعينيات القرن الماضي، إضافة إلى أنه عضو سابق بمجلس الشيوخ في الجمهورية النيجيرية الثالثة (بين 1992 و1993)، ثم حاكم لولاية لاغوس من 1999 إلى 2007، وكان الزعيم الوطني لحزب “مؤتمر الجميع التقدميين” الحاكم منذ تشكيله عام 2013؛ ما يعني تلقائيًّا أن لديه علاقة استثنائية مع الجنرال المتقاعد “محمد بخاري”، الرئيس النيجيري الحالي الذي ستنتهي ولايته الرئاسية الثانية والأخيرة في العام 2023.
وفي الختامم، قال نجم الدين، أن، الوضع الحالي للديمقراطية النيجيرية إنما يشير إلى أن، عملية انتقال طويلة الأجل وحدها لا تكفي، حيث لا تزال هناك حاجة لمعالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والأمنية والأقاليمية التي قد تؤدي إلى عودة الجيش في المستقبل وحدوث عملية انتقال أخرى.
ومن مجمل المقترحات لتعزيز الممارسات الديمقراطية النيجيرية؛ أن تحفز الجمعية الوطنية أنشطة الشباب من خلال سنِّ قوانين إضافية تسهِّل المشاركة الشبابية في السياسة ودخول البرلمان للدفع بمصالحهم وأجنداتهم. وهناك من يرى ضرورة إجراء حوار وطني جدي لإعادة تأسيس العلاقات بين الأقاليم والعرقيات التي تكونت منها نيجيريا وتنفيذ مخرجاته على أسس عادلة بما يدعم تحقيق الفيدرالية الحقيقية، بالإضافة إلى دعم استقلال القضاء وإصدار أوامر صارمة تحد من التدخل في شؤون المحاكم وإدارتها.