أفادت الباحثة، ياسمين الحملي، عبر “تقدير موقف”، نُشر منذ نحو أسبوع، على موقع المركز الديمقراطي العربي، للدراسات الاستراتيجية الاقتصادية، والسياسية، حاملا العنوان أعلاه، بأن، الحكومة الفرنسية كانت قد اتخذت الخطوة بالإعلان عن إعادة تنظيم التواجد العسكري لها في منطقة الساحل الإفريقي في العاشر من حزيران 2021، وأن ذلك تأتى في إطار تخوفها من تفاقم الأوضاع في الساحل، وبما يؤثر على مصالحها بشكل كبير.
وعليه، فقد أصدرت وزارة الجيوش الفرنسية قرارًا يقضي بالاتجاه نحو تقليل عدد الجنود الفرنسيين في منطقة الساحل الإفريقي بحيث يصل إلى عدد (2000 إلى 3000 جندي بحلول العام 2023)، مع التأكيد على أن هذا الاجراء لا يعني الانسحاب الفرنسي بشكل كامل من الساحل الإفريقي، وتشتمل “خطة الانسحاب” على ثلاث مراحل أساسية أولها، إغلاق بعض القواعد الفرنسية، المرحلة الثانية صيف 2022 وتضمنت خفض القوات الفرنسية بنسبة 30%، أما المرحلة الأخيرة والتي تبدا مع مطلع 2023، وسوف تشهد انخفاضًا إلى النصف من 5000 إلى 2500-3000 جندي في عملية “برخان”، ونقل مزيد من الأصول الفرنسية إلى قاعدة “نيامي” بالنيجر.
هذه الخطوات قد تقود إلى اختفاء الوجود العسكري الفرنسي فعليًا بانتهاء العملية “برخان”، ومن الممكن القول بأن فرنسا ليست مستعدة للانسحاب الكامل من إفريقيا (المستعمرة التقليدية)، ولعل الدليل على ذلك هو محاولة إعادة صياغة التواجد العسكري في إفريقيا من خلال مظلة أوروبية تتمثل في تحالف “تاكويا” الذي تأسس في تموز 2020 وتتكون قوته الأساسية من 600 جندي يبلغ عدد المشاركين من فرنسا 300 جندي، أي نصف قوة “تاكويا”، وهي قوات مشاكرة بالتعاون بين (فرنسا- إستونيا- التشيك- إيطاليا- السويد)، والي تسعى من خلال هذا التحالف إلى دعم خطط الدول في القضاء على الإرهاب، دعم الجيوش الوطنية للدول في ظل محدودية الإمكانيات وارتفاع التهديد والخطر.
إلا أن الانسحاب الفرنسي من الساحل الإفريقي قد يقود إلى:
تزايد النفوذ الصيني بالمنطقة
حيث تنوعت بكين من أدواتها داخل المنطقة الإفريقية، وفقًا لتنوع آليات التواجد الصيني وعدم الارتكاز على الجانب العسكري والتنموي، وهو ما منحها نفوذ قوى داخل المنطقة الإفريقية، لا سيما في ظل اتجاه التواجد الفرنسي نحو التقلص وانسحابها من عدة مناطق بمالي، مع تغيير الإدارة الأميركية سياساتها تجاه إفريقيا التي لم تعد على رأس أولوياتها في الوقت الحالي، فمن المتوقع أن تساهم تلك التطورات في بناء استراتيجية صينية داخل القارة، في ظل عدم وجود ما يعيق النمو الصيني بالمنطقة.
تشابك العلاقات الصينية الروسية في افريقيا
بالتركيز على السياسة الصينية تجاه إفريقيا، والتي نوعت من أدواتها لتعزيز نفوذها الداخلي في القارة، مع وجود مساعي روسية لتعميق العلاقات مع دول إفريقية، لا سيما دول الساحل الإفريقي، وطموحها أن تحل محل فرنسا بعد انسحابها من عدة مناطق في مالي، ورغم أن الصين في عام 2019 احتلت المرتبة الثالثة في مبيعات الأسلحة لإفريقيا، بعد واشنطن “الثانية” وموسكو “الأولي” ، إلا أن التواجد الروسي الصيني في إفريقيا قد يُشكل تعميق للعلاقات بينهم، لا سيما بعد فرض الاتحاد الأوروبي حزمة من العقوبات على عدد من عناصر “فاجنر”، مع التصاعد المتزايد لدور شركات الأمن الروسية الخاصة، فمن المرجع أن تشهد المنطقة الإفريقي تكامل المصالح الصينية الروسية في مواجهة النفوذ الأميركي – الأوروبي، كما حدث في أفغانستان وكانت الصين وروسيا أولى الدول التي اعترفت بحكومة حركة “طالبان” في أفغانستان، كما لا تزال سفارة دولتي الصين وموسكو بأفغانستان ضمن 5 سفارات تعمل بعد سيطرة طالبان على مقاليد الحكم في أفغانستان.
تشتيت جهود مكافحة الإرهاب
كذلك، من المتوقَّع أن يؤدي الصراع بين “ديبي الابن” وفصائل المعارضة المسلحة، ومحاولات المجلس العسكري الانتقالي إحكام قبضته على أقاليم الدولة إلى تشتيت جهود تشاد في مجال مكافحة الإرهاب ريثما تستتب الأوضاع في الداخل التشادي.
ولعل مقتل “إدريس ديبي” في هذا التوقيت يُفاقم من متاعب إقليم الساحل، الذي يحظى بمعدلات إرهاب وعنف متزايدة خصوصًا أن تشاد تُعد من أكثر الدول فاعلية في جهود مكافحة الإرهاب التي تقودها فرنسا.
وفي هذا السياق، تجدُر الإشارة إلى وضع الإقليم وفقًا لأحدث تقرير لمؤشر الإرهاب العالمي الصادر في نوفمبر 2020 على النحو التالي:
⦁ مالي: احتلت المرتبة الأولى على مستوى إقليم الساحل، والـ 11 عالميًا بدرجة 7.04 واعتبرها المؤشر في فئة الدول “عالية” التأثُّر بالإرهاب.
⦁ بوركينافاسو: احتلت المرتبة الثانية على مستوى الساحل، والـ 12عالميًا بدرجة 6.8، واعتبرها المؤشر في فئة الدول “عالية” التأثُّر بالإرهاب.
⦁ النيجر: احتلت المرتبة الثالثة على مستوى الساحل، والـ 24 عالميًا بدرجة 5.6، واعتبرها المؤشر في فئة الدول “متوسطة” التأثُّر بالإرهاب.
⦁ تشاد: احتلت المرتبة الرابعة على مستوى الساحل، والـ 34 عالميًا بدرجة 4.8، واعتبرها المؤشر في فئة الدول “متوسطة” التأثُّر بالإرهاب.
⦁ أما موريتانيا: أكثر دول الساحل الأفريقي استقرارًا، احتلت المرتبة الـ 135 عالميًا بدرجة (صفر)، واعتبرها المؤشر في فئة الدول الخالية من الإرهاب (التي لا تعاني تأثيرات الإرهاب).