إثر إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان دعم حكومته الليرة التركية المنهارة بمليارات الدولارات من أموال الدولة، وأن حكومة أنقرة ستغطي خسائر الصرف الأجنبي على ودائع بنكية معينة، أسفرت هذه الخطوة عن نتائج “بالغة السوء”.
فقد تراجعت الليرة من أدنى مستوياتها التاريخية – بانخفاض 60٪ على الدولار الأميركي على مدار العام الفائت – لتقفز 38٪ في اليوم التالي، للإعلان سالف الذكر، وارتفعت بنسبة 50٪ بحلول 24 كانون أول 2021، مسجلة بذلك أقوى أسبوع لإطلاق للعملة.
وذهبت وسائل الإعلام “الحكومية” حينذاك إلى المبالغة في الدفع، مدعية أن طوابير طويلة من الأتراك باتوا يحولون دولاراتهم إلى الليرة، فيمَ عمد تجار التجزئة إلى خفض الأسعار، لكن هذه “الانتعاشة” لم تستمر، إذ عاد مسلسل تدهور الليرة الى أسوأ مما كان.
وعلى رُغم “الموجة الانهيارية الكبيرة للعملة المحلية”، لم يكف الرئيس التركي عن استخدام “براجماتية البروباجندا”، وفي مواجهة التدهور السريع، أعلن أردوغان على الفور أن الخطة كانت جزءًا من “حرب الاستقلال الاقتصادية لتركيا”، وأشار أنه في هذا، “سنخرج منتصرين”.
بعد ذلك بوقت قصير، سأل حزب العدالة والتنمية المجلس الأعلى للانتخابات عن المدة التي يمكن أن يدعو فيها إلى إجراء الانتخابات ، الأمر الذي كشف بأن الحكومة كانت تسعى لجني “ربح سياسي قُبَيل رئاسيات 2023 .
هذا، وقد بدأ العام 2022، بسلسلة من الزيادات الجديدة في الأسعار في الطاقة والحبوب والنقل والتبغ والكحول والوقود، مما زاد من مشاكل العديد من الأتراك الذين يعانون بالفعل من أعلى مستويات التضخم منذ عقدين.
في هذا الشأن، قال إردم أيدين من شركة اردم الاستشارية من اسطنبول: “الناس يتأذون حقًا”. “سواء كنت تستقل العبارة أو تسير في الشارع الرئيسي، كل ما تسمعه هو أشخاص يتحدثون عن الاقتصاد وكيفية البقاء على قيد الحياة لأسبوع آخر، وكذلك، أصبحت استدامة السياسة “الجديدة” لدعم الليرة موضع تساؤل بشكل متزايد مع تذبذب الليرة من جديد، بانخفاض وصل الى 40٪.
بهذا الخصوص، كتب جيسون توفي من كابيتال إيكونوميكس في مذكرة حديثة إلى المستثمرين أن، “الانخفاضات الكبيرة في الليرة ستؤدي الآن إلى زيادة احتياجات التمويل للحكومة، ومن ثم، يواجه أردوغان معضلة صعبة بشأن مع اقتراب موعد الانتخابات المقررة في حزيران من العام المقبل.
وتعتمد سياسة أردوغان الاقتصادية “الجديدة” على وعد حكومي بضمان ودائع الليرة التركية في بنوك الدولة ضد التقلبات في سعر الصرف.
جاء ذلك بعد شهور من الانخفاض الساحق في قيمة الليرة، الذي نجم إلى حد كبير عن تخفيضات أسعار الفائدة التي أعلنها “المركزي التركي”.
نظرًا للتضخم المرتفع في تركيا، فقد حلقت هذه الأمور في مواجهة العقيدة الاقتصادية، التي تنص على وجوب رفع أسعار الفائدة، وليس خفضها، لاحتواء الأسعار المتسارعة.
ومع ذلك، ساعدت تخفيضات أسعار الفائدة أيضًا في الحفاظ على الأموال في الاقتصاد، وجادل أردوغان أيضًا بأن أسعار الفائدة تتعارض أيضًا مع المبادئ الإسلامية، وأنها فقط “تجعل الأغنياء أكثر ثراءً والفقراء أفقر”، ومع ذلك، لا ترى أسواق العملات الدولية الأمور بنفس الطريقة، اذ وصلت الليرة إلى أدنى مستوياتها التاريخية – مما أدى إلى ارتفاع الأسعار، حيث يعتمد الاقتصاد التركي بشكل كبير على الواردات التي عادة ما يتم تسعيرها بالدولار أو يورو.
توقعات بتجدد “قمع” المعارضين
ومن مستوى الاقتصاد إلى نظيره السياسي، يمكن القول بأن العام 2023 يمثل “رمزية” بالغة التعقيد بالنسبة للرئيس الإسلاماوي، براجماتي التوجه، حيث يصادف الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية على يد مؤسسها العلماني كمال أتاتورك.
في الوقت نفسه، يشعر المعارضون لحكم أردوغان الممتد منذ عقدين كاملين، بالقلق بشكل متزايد من أن أي تحرك نحو صندوق الاقتراع، قد يسير جنبًا إلى جنب مع “حملة قمع موسعة جديدة ضد المعارضة”.
كما عززت التحذيرات الأخيرة من أردوغان ضد احتجاجات الشوارع ودعوات شركائه في التحالف لمحاكمة منافسه الرئيسي المحتمل على الرئاسة، رئيس بلدية اسطنبول أكرم إمام أوغلو، المخاوف.
ويبقى ملف التضخم قبل أقل من عام من الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها حزيران المقبل.
وما زالت أسعار الاستهلاك في مستويات غير مسبوقة منذ تولي أردوغان السلطة في البلاد العام 2003.
وتواجه هذه الأرقام “الحكومية”، تشكيكا من قبل الاقتصاديين المستقلين والمعارضة الذين يعتبرون أن البيانات الواردة من المعهد الوطني للإحصاء، يجب أن تكون مدعومة بأدلة.
وقالت مجموعة أبحاث التضخم التي تضم اقتصاديين أتراك مستقلين إن، التضخم بلغ 176,4% (في آب) على أساس سنوي وهذا ما يعكس تباطؤا بالمقارنة مع يونيو حزيران (175,6 بالمئة)، لكنه لا يزال أكثر من ضعف المعدل المعلن رسميا.