هل تصمد التهدئة بين حركة الجهاد الإسلامي وإسرائيل؟

كتب د. عزام شعث الباحث بجامعة محمد الخامس، على موقع مركز تريندز للدراسات البحثية، دراسة بعنوان:” هل تصمد التهدئة بين حركة الجهاد الإسلامي وإسرائيل؟”، ومما ورد فيها:
يطرح الاتفاق بين “الجهاد الإسلامي” وإسرائيل أسئلة ضرورية بشأن ضمانات عدم تجدد المواجهة واستئناف القتال بين الطرفين، وما إذا كان يُؤسس لاتفاق تهدئة طويلة في غزة، أو يمتد لاستئناف مسار التسوية السياسية المعطلة منذ عام 2014، بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل.
المؤكد أن اتفاق التهدئة لا يحمل ضمانات بعدم تجدد القتال كلما أراد طرفاه الدخول في جولة جديدة مثلما هو حال كل الجولات السابقة 2008/2009- 2012- 2014- 2019- 2021، صحيح أن مصر تُعدّ وسيطاً وضامناً لمراقبة ومتابعة اتفاق التهدئة وتنفيذ بنوده بحكم وساطتها الدائمة بين الطرفين، لاسيما وأنها ترعى ملف إعادة الإعمار في القطاع منذ العام الماضي 2021، لكن الصحيح أيضاً أن المسؤولية الأولى في عدم تجدد جولات المواجهة مرةً أخرى، تقع على عاتق الطرفين.
وهذه المسألة مرهونة بمدى استجابة إسرائيل للوساطة بشأن إطلاق سراح الأسيرين والاكتفاء بما حققته في مواجهة “الجهاد الإسلامي”، فضلاً عن تبنيها لإجراءات تخفيف الحصار مع ما خلّفه من تفاقم للأوضاع الإنسانية والمعيشية لنحو مليوني نسمة من سكان القطاع، يعانون من جراء تدني مستوى الخدمات الصحية والتعليمية، وغيرها من الخدمات، ومن ارتفاع معدلات الفقر والبطالة جراء السياسات الإسرائيلية، كمقدمة لاستثمار الهدوء في تثبيت التهدئة المؤقتة وتحويلها إلى تهدئة طويلة ودائمة عبر استثمار موقف “حماس” الأخير، وموقف بعض قادته الذين يُجدّدون الدعوة للتفكير الجدي في عقد هدنة مع إسرائيل لمدة 3 أو 5 سنوات برعاية أممية، بديلاً عن المواجهة التي يخوضها الفلسطينيون دون أن يكون لهم دور في توقيتها وتمتلك فيها إسرائيل عناصر المفاجأة وتفرض قواعد الاشتباك في الميدان.
وفيما يتصل بممكنات استئناف مسار التسوية السياسية المعطَّل بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل بعد التوصل لاتفاق التهدئة، فإن الدول العربية طالبت بضرورة الانتقال إلى مسار التسوية السياسية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، ومن ذلك ما أكدته دولة الإمارات العربية المتحدة في إحاطتها لمجلس الأمن عبر السفير محمد أبو شهاب، نائب المندوبة الدائمة والقائم بالأعمال بالإنابة، أنه “لا يمكن الحديث عن سلام دائم في المنطقة من دون تسوية للقضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين، عبر استئناف الجهود الدولية لإيجاد حل عادل وشامل وسلمي وفقاً لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة؛ ما يضمن لجميع الأطراف الكرامة والأمن والاستقرار، مؤكدة بأن الوضع سيظل قابلاً للانفجار في ظل غياب إرادة سياسية حقيقية لدى الأطراف لاستئناف المفاوضات وكسر الجمود في عملية السلام.
وأبدت دولة الإمارات استعدادها لدعم كافة الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى الدفع قدماً بعملية السلام في الشرق الأوسط وتحقيق حل الدولتين، عبر قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وفقاً لقرارات الأمم المتحدة، ومرجعيات مدريد، ومبادرة السلام العربية.
وهذا هو الموقف الذي عبر عنه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لرئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد: “تتطلع مصر لتجديد الأمل لدى الشعب الفلسطيني في تحقيق السلام المنشود، والحصول على حقوقه المشروعة وفق المرجعيات الدولية، وهو ما يفرض حتمية إنهاء دائرة العنف والتصعيد المتكرر، سعياً لفتح الباب أمام فرص وجهود التسوية وتحقيق الاستقرار والهدوء، تمهيداً لإطلاق عملية السلام بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي، التي من شأنها تغيير واقع المنطقة بأسرها”.
في مقابل ذلك، فإن الدول التي تدعم إسرائيل بما فيها الإدارة الأميركية لا تتقدم بمبادرات لاستئناف مسار التسوية السياسية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، وأكثر ما يمكن أن تقدمه هذه الدول بعد توقف جولة المواجهة في غزة هو التسهيلات الاقتصادية ودعم موازنة السلطة الفلسطينية، ودعم مشاريع إعمار قطاع غزة كما هو الحال في كل جولات المواجهة السابقة.
وهذا ما يمكن أن يُستدل عليه من لقاء الرئيس الأميركي جو بايدن مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس خلال جولته الأخيرة إلى المنطقة في تموز/ يوليو الماضي؛ إذ لم تكن زيارة الرئيس الأميركي إلى بيت لحم زيارة محورية، بل وُصفت بـ”الزيارة البروتوكولية”، بالنظر إلى القضايا التي ناقشتها، وهى تخلو تماماً من معالجة قضية الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، ولم تطرح مبادرات جديدة للتسوية السياسية، بحيث تحول اهتمام الإدارة الأميركية بطرح “المعونات والتسهيلات الاقتصادية بديلاً عن القضايا السياسية الجوهرية”، وكان ذلك واضحاً أيضاً في اقتصار الجهد الأميركي والعلاقة مع المستوى الرسمي الفلسطيني في نطاق المساعدات الإنسانية لمستشفيات مدينة القدس المحتلة، ودعم موازنة (الأونروا).