يمر لبنان أسير جل التجاذبات الإقليمية، سيما مع نظام الملالي، بعدة تطورات (ضاغطة) على صُعُد مختلفة، ويحيط بذلك أحداث مقررة على كلا المستويين السياسي والاقتصادي، تكسب الربع الأخير من 2022، زخماً كبيراً بالنسبة لجموع اللبنانيين، فبين نهاية شهر آب الجاري، وشهر كانون الأول المُقبل، ستشهدُ الجمهورية اللبنانية، سلسلة من الأحداث المُترقبة، لكنّ ليس معروفاً، أي المسار سوف تسلكهُ تلك الأحداث التي نسردها، بالسياق التالي:
ترسيم الحدود البحريّة مع إسرائيل
أعلنت القناة 12 الاسرائيلية، عشية كتابة هذا التقرير، ورود أخبار تتسم بالإيجابية في أجواء المفاوضة غير المباشرة على ملف ترسيم الحدود، ومن جهته، كان الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، قد أكد، خلال احتفالية وضع الحجر الأساس لـ”معلم جنتا السياحي الجهادي”، في موقع التدريب للمقاومة الإسلامية، أن “موضوع الحدود البحرية وكاريش والنفط والغاز لا علاقة له بالاتفاق النووي الايراني لا من قريب ولا من بعيد سواء وقع من جديد الاتفاق النووي أو لم يوقّع”.
وقد أعاد الحفل بالذاكرة مشهدية رسمها حزب الله، إلى جانب آليات أحاطت بالمكان على تلال ومرتفعات وادي جنتا، وأرّخ للبدايات وثائقي لـ”معسكر جنتا للتدريب والإعداد” منذ الانطلاقة، وفي طليعة المشاركين في الدورة الأولى “سيد شهداء المقاومة الإسلامية” أمين عام الحزب السابق السيد عباس الموسوي.
هذا، ومن المتوقع أن تشهد الأشهر المقبلة تطورات بارزة على صعيد ملف ترسيم الحدود البحريّة مع إسرائيل، علماً أن مُجمل المعطيات المرتبطة بذلك الملف قد دخلت مرحلة الانتظار.
وعملياً، فإنّ شهر أيلول المقبل سيكون حاسماً من الناحية الأمنية والسياسية في لبنان، ففي الشهر المقبل، من المقرر أن يستخرجَ الطرف الإسرائيلي الغاز من حقل “كاريش”، وهو الأمر الذي يرفضهُ “حزب الله” قبل التوصل إلى اتفاق بشأن ترسيم الحدود مع لبنان ومنح الأخير الحق باستخراج الغاز.
وفي ذلك، لا يمكن إغفال تعليق وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، على تهديدات الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله بمهاجمة منصات الغاز الإسرائيلية، وتطورات ملف “الاتفاق النووي مع طهران”، خلال مقابلة إذاعية، اليوم الاثنين.
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي إنه “يعتقد أنه في المستقبل ستكون هناك منصتان أحدهما في طرفنا والأخرى في طرفهم”، مضيفاً “آمل ألا نضطر إلى الدخول في حرب قبل ذلك، لأنها ستكون مأساة للدولة
اللبنانية ومواطنيها”.
وكان نصرالله، قد هدّد بـ”قطع يد” إسرائيل في حال امتدت الى نفط لبنان وغازه، مؤكدا ترقب الرد الإسرائيلي في ما يتعلق بترسيم الحدود البحرية بين البلدين.
وأبدى وزير الدفاع الإسرائيلي “انزعاجه” من تطورات الملف الإيراني وإمكانية التوصل إلى اتفاق بين القوى الغربية وطهران. وقال “هناك العديد من الثغرات فيه سواء في مجال التخصيب أو التطوير، أو في مجال إنتاج الأسلحة، وفي مجال النقل، ومن حيث التوقيت أو في الكم الهائل من الموارد التي ستدخل إيران”، مضيفا “لهذا السبب نحن ضد الاتفاقية”.
وعلى خلفية التصريحات السابقة، فإنّ الأمور تقفُ أمام منعطفين: الأول وهو تهدئة والثاني مواجهة عسكرية، في حين أنّ المعطيات العديدة ما زالت غير واضحة تماماً حتى الآن، وقد تتبلور أكثر خلال الأيام المقبلة.
انتخاب رئيس الجمهورية
اعتباراً من 1 أيلول المُقبل، يتحوّل المجلس النيابي إلى (ماكينة انتخابية)، أو هيئة ناخبة لاختيار رئيسٍ جديد للجمهورية اللبنانية، خلفاً للعماد ميشال عون، مما ينذر بنشاط كبير في دوائر عين التينة، وميرنا شالوحي، ومعراب.
وبين الأول من أيلول و 31 تشرين الأول، يكون العهد الرئاسي لعون قد دخل العدّ العكسي الفعلي، على أن تنتهي ولاية الأخير نهائياً اعتباراً من يوم 1 تشرين الثاني 2022.
وحتى الآن، ليس واضحاً ما إذا كانت الانتخابات الرئاسية ستُجري في موعدها، كما أنّه ما من قائمة واضحة بأسماءِ المرشحين للرئاسة.
في ظلّ ذلك، تسعى بعض الكتل النيابيّة لـ”رصّ صفوفها” باتجاه الاتفاق على مُرشّح في الوقت الذي يطغى فيه الحديث عن مواصفات الرئيس العتيد، وعن القوة التمثيلية التي يجب أن يحظى بها.
بهذا الصدد، لم يعلن حزب الله تأييده لأي مرشح، فيمَ يتحدث مراقبون حول ثلاثة سيناريوهات محتملة، ليس أسوأها في حقيقة الأمر إعادة لبنان، إلى دائرة الفراغ وهي:
1- ألّا يتبنّى حزب الله ترشيح جبران باسيل، ويعني ذلك توقُّع لجوء فريق العهد إلى الخربطة السياسية، باعتبار انّ أداة الخربطة العسكرية لم تعد بمتناولهم على غرار ما كانت عليه في ثمانينات القرن الماضي، ولكنه بالتأكيد سيلجأ إلى خطوات تعمِّق الفوضى والانهيار من قبيل البقاء في القصر الجمهوري او تكليف شخصية معينة إدارة المرحلة الانتقالية او الدعوة لاستفتاء وانتخابات نيابية مبكرة، وكلها خطوات غير دستورية، ولكنه لن يتردّد باللجوء إلى أي خطوة تفاقم الفوضى من أجل الضغط على الحزب لتبنّي ترشيح
2- ان يتمكّن حزب الله من توحيد صفوف فريقه السياسي حول مرشّح واحد ضمن المهلة الدستورية، ولن يكون باستطاعة فريق المعارضة مواجهة هذا الترشيح سوى باللجوء إلى الثلث المعطِّل، لأنّ مواجهة مرشّح الحزب بمرشّح آخر يعني فوز الأوّل ليس تبعًا لتجربة الانتخابات الداخلية لمجلس النواب فقط، إنما بسبب صعوبة وصول فريق المعارضة إلى رقم الـ65 نائبًا.
يكون والخيار الأوحد لدى المعارضة استخدام التعطيل، على قاعدة أن لا فرق بين فراغ فعلي وفراغ شكلي مع رئيس من 8 آذار، والدليل انّ أبرز رئيس في هذا الفريق ويتمتّع بحيثية شعبية وكتلة نيابية، انهار البلد في عهده ولم يتمكّن من فرملة الانهيار، وبالتالي أي رئيس من الفريق نفسه يعني استمرار الوضع نفسه.
3- الدخول في الفراغ الرئاسي، وتعويم الحكومة الحالية، ويتطلب الخروج من الفراغ إجراء من ثلاثة: الأول حسم حزب الله لمرشحه الرئاسي، والثاني ان يدفع الحزب باتجاه أحداث أمنية محسوبة من أجل التملُّص والتخلُّص من ترشيح باسيل على غرار تملُّصه من انتخاب عون على إثر استخدامه للسلاح في أيار 2008، والثالث خسارة المعارضة ورقة القدرة على التعطيل، فتُصبح مبادرة الانتخاب بيد الحزب.
ويبقى من المؤكد في أي من السيناريوهات سالفة الذكر، لجوء العهد إلى خطوة غير دستورية لدى انتهاء ولايته، غير انّ ما يجب توقعه قبل انتهاء الولاية ان يبدأ بالتسخين السياسي.
الظروف الإقتصادية ما تزال (حرجة)
وتحت مظلة الأزمة الإقتصادية العنيفة، تتوقع مصادر ناشطة في قطاع النفط أن يشهدَ سوق المحروقات تبدلات كثيرة في الفترة الممتدة بين نهاية آب وأواخر كانون الأول المقبل.
فمن جهة، برزت مؤخراً معادلة جديدة لتسعير البنزين إذ جرى رفع النسبة المرتبطة بالدولار إلى 30% بعدما كانت 15%، أما نسبة الـ70% فما زالت وفق منصة “صيرفة” التي تتخذ منحى تصاعدياً في السعر.
أيضاً، تكثفت في الآونة الأخيرة الاتصالات بشأن الوصول إلى صيغة للدولار الجُمركي تجعله يتبدل من سعر الـ1500 ليرة لبنانية للدولار إلى 20 ألف ليرة لبنانية، وفعلياً، فإن النقاش ما زال قائماً ومستمراً، في حين أنه لم ينتهِ بعد سواءً على الصعيد النيابي أو الحكومي.
ويترافق كل ما سبق، اعتباراً من 25 آب المقبل، مع دخول البلاد مرحلة العتمة الشاملة وذلك بسبب اقتراب موعد خروج معمل الزهراني عن الخدمة بسبب ضعف مخزون الفيول لديه اللازم لتوليد الطاقة.
وحالياً، فإن المعمل الزهراني هو الوحيد الذي يغذي الشبكة الكهربائية بالطاقة خصوصاً بعد خروج معمل دير عمار عن الخدمة قبل أيام بسبب نفاد الفيول أويل لديه.
وبحسب المعطيات الحالية، فإنه ما من شحنة فيول قادمة إلى لبنان خلال الأيام المقبلة لإنقاذ الوضع، في وقتٍ يتحدث فيه البعض عن وجود مخزون لفيول في خزانات معملي الجية والذوق، والذي بإمكانه أن يمد لبنان بالكهرباء لشهرٍ وفق تغذية تتراوح بين ساعتين إلى 3 ساعات.
وفي المجمل، وكما جاء محدد الترسيم، قبل استحقاق الرئاسة، تفيد كثير من المعطيات، بأن انتخابات الرئاسة لن تتم بحال قبل حسم ملف الترسيم، وبالتالي، يظل من المتوقع، تعويم الحكومة الحالية، واستمرار التجاذبات الإقليمية والدولية، حتى تلك المرتبطة بالداخل الأميركي.